هشام العلوي: الحمض النووي للملكية في المغرب موسوم بالعنف.. وحياتي أصبحت نوعا من الجحيم في بلادي
قال الأمير هشام العلوي، إبن عم الملك محمد السادس، إن الطبيعة التقليدية للملكية في المغرب موسومة بالعنف في حمضها النووي.
وأضاف هشام العلوي في حوار مطول نشره معهد مركز ويثرهيد للدراسات الدولية التابع لجامعة هارفارد الأمريكية خلال الأسبوع الجاري وأجرته ميشيل نيكولاسين بعنوان “رؤية منشق حول الربيع العربي”،أن المغرب شهد تدهورا منذ 2011 في مجال احترام حقوق الإنسان.
وأوضح هشام العلوي أن النظام قبل 2011، كان ينظر إلى المعارضين بصفتهم خصوما سياسيين ، إلا أنه أصبح الآن يعتبرهم أعداء يجب الإجهاز عليهم ويتعرض الصحفيون اليوم لخطر السجن ولكل أنواع الحد من حريه التعبير بشكل كبير.
من جهة أخرى قال هشام العلوي إن حياته في المغرب اصبحت نوعا من الجحيم، لذلك اختار العيش في الولايات المتحدة ، حيث يستطيع أن يعيش آمنا جسديا ونفسيا.
وفيما يلي نص الحوار مع تقديم المعهد
كان هشام العلوي أميرا صغيرا -سبع سنوات فقط-في سنة 1971 ، عندما شهد انقلابا عسكريا مدمرا ضد عائلته داخل القصر الملكي المغربي. ولم ينجح المهاجمون في قلب النظام الملكي الذي يحكم المغرب منذ 350 عاما والملك آنذاك هو عمه الملك الحسن الثاني ، ولكن هشام العلوي رأى ذلك اليوم والده جريحا ، وشهد قتل عشرات آخرين في القصر. ومن شأن هذه التجربة التي لا تمحى من الذاكرة أن تسهم في تكوين خلفية روحية وسياسية تبعده عن أسوار القصر الملكي وعن الملكية كلها وإلى البحث عن فضاءات لتحقيق الطموحات على الساحة الدولية.
و مع مر السنتين ، وكما أصبح أكثر صراحة ووضوحا في دعوته للإصلاح السياسي، تدهورت علاقته مع أسرته. قبل عشرين عاما ، ابتعد عن النظام الملكي ، ومؤخرا طلب رسميا من الملك أن يسحب منه لقب الأمير وبنفس المناسبة منصبه في ترتيب وراثة العرش. اليوم ، كباحث ومرشح للدكتوراه في الدراسات الشرقية في جامعه أكسفورد ومساعد مركز ويثرهيد ، هشام العلوي ناشط في ميدان الترافع من أجل الإصلاح الديمقراطي في العالم العربي.
وقد سأله مركز ويثرهيد عن نقاط التحول في حياته التي أدت إلى معارضته وأن يتقاسم معنا أفكاره حول إخفاقات وأمال الربيع العربي-والزخم الذي لا يزال قائما للتغيير في المنطقة.
بالإضافة إلى الحدث الصادم في طفولتك ، ما هي اللحظات المحورية الأخرى في حياتك الراشدة التي أدت إلى قرارك بالتخلي عن النظام الملكي والقطيعة مع القصر الملكي؟
أعتقد أن هناك العديد من نقاط التحول التي أدت إلى هذه القطيعة ، بالتأكيد عندما بدأتُ أتشبع بالفكر الغربي وخاصة التعليم الليبرالي الذي يشدد على الفكر النقدي ، درستُ تاريخ العالم وتاريخ الحضارات. وهناك أيضا حياتي المهنية التي أخذتني في جولات حول العالم وهنا شعرت ان تجاربي تنسجم مع الأخلاق الإسلامية التي غُرست في نفسي في الطفولة والشباب ، في حياتي الشخصية ، دفعني موت والدي في سنة 1983 إلى الاقتراب من عمي الملك الحسن الثاني ، لأني أصبحت عضوا في أسرته ، وهذا طرح الكثير من الاسئلة حول دوري.
كان عمي رجلا ذا مكانة كبيرة وشخصية قوية جدا. لقد حصلت بيننا بعض الاصطدامات ، ولكن استطعنا مع ذلك أن نشتغل معا ونتعاون رغم العديد من الأزمات الشخصية من خلال مزيج من الحوار والاحترام المتبادل والمودة الصامتة.
بعد وفاة عمك الملك الحسن الثاني ، كان هناك أمل واسع النطاق في التحول من حكم استبدادي إلى ملكية دستورية برلمانية في ظل حكم ابن عمك محمد السادس ، لكن هذا لم يحصل. لـماذا؟
كانت هناك توقعات وانتظارات كبيره لإحداث تغيير سياسي عميق ولكنه لم يتحقق. وقد غازل الملك نفسه لفترة وجيزة فكرة تفويض السلطة إلى المؤسسات ، ولكن سرعان ما تخلى عنها وهنا وافقته جل النخب السياسية ، إما بشكل انتهازي أو رضائي . كنت اعرف النظام بشكل جيد جدا من الداخل وأنه تحتاج إلى أكثر من الأماني.
وفي النهاية ، وبدلا من أجنده التحول الديمقراطي ، اختار السعي لتحقيق التنمية . وقد أسفرت هذه السياسة الجديدة عن استفادة البلاد من بنيات تحتية متطورة جدا ، ولكنها أخفقت في نهاية المطاف في تحقيق نمو اقتصادي مستدام وتوزيع عادل للموارد والثروات بسبب غياب سيادة القانون.
في ذلك الوقت ، دعوتُ إلى التحول التدريجي إلى الديمقراطية بشكل حازم وخارطة طريق مضبوطة وواضحة المعالم. ومن الواضح أنه عندما بدا المغرب في الابتعاد عن هذا الاتجاه، أصبح صوتي ، إلى جانب أصوات أخرى، يطرح إشكالية للسلطة.
أنت وابن عمك الملك محمد السادس لا يفصل بينهما سوى سنة واحدة في العمر.
نعم. كنا أفضل الأصدقاء وترعرعنا معا ولكن لديه ضرورات الدولة ولدي الرغبة في الدفاع عن قناعاتي.
لم أعد أتعامل مع شخصية الأب بل كنت أتعامل مع ديناميكية مختلفة في العلاقة وكان وجودي مستفزا ومتحديا للملك الجديد أكثر مما كان عليه الأمر مع والده نظرا لمجموعة متنوعة من الأسباب. عندما لم يأخذ المغرب اتجاه الملكية الدستورية ، أصبح من الواضح أن العيش في نفس المكان سيصبح مستحيلا ، لأني لم أكن أنوي التخلي عن قناعاتي أو الأفكار والقيم التي أدافع عنها.
كيف كانت القطيعة؟
الأمور تطورت ببطء ثم تسارعت، وقد انخرطت الأجهزة الأمنية في الإساءة لي و عندما أدركت أن حالتي لم تعد تدار من طرف الملك نفسه، فهمت ان الأمور تغيرت بشكل نهائي بالنسبة لنا وإلى الأبد، في البداية كان الأمر مؤلما، ولكن بعد مرور الوقت أدركتُ أن الأمور واضحة وضوحا شديدا وأن الغموض قد اختفى تماما.
هل كان هناك انتقام ضدك؟
لقد عشتُ نفس التجارب التي مر به العديد من النشطاء والمنتقدين للسلطة . وقد حاولت أجهزة الأمن بشكل أساسي توريطي في مؤامرات ضد الملك وضد أمن الدولة. وما زلتُ مستهدَفا من طرف بعض الحملات الصحفية الخبيثة جدا والمؤامرات الخيالية والخنق الاقتصادي وكلها “مرخصة ” من طرف القصر الملكي أخيراً وليس آخراً ، لدي الميدالية الذهبية في النبذ في المغرب-يعاقَب الموظفون العموميون الذين يربطون معي بشراكات. لكنني من بين المحظوظين وقد وجد آخرون نفسهم في السجن أو فقدوا حياتهم بسبب مقاومتهم الاستبداد منذ الاستقلال عن فرنسا في عام 1956.
على الرغم من وجود قطيعة تامة بينك وبين النظام الملكي المغربي وأنك تعيش الآن في الولايات المتحدة ، فأنت لا تزال تزور المغرب. أنت لست منفيا بل أنت منشق. لو كنت من بلاد أخرى، مثلا المملكة العربية السعودية ، قد يكون وضعك انتهى بشكل مأساوي؟
انتبهي جيدا إلى ما تسألين عنه لأن القصة لم تنته بعد. بودي أن أعتقد و أصدق أن الأمر مختلف في المغرب. ومن المفارقات أنه في تاريخنا كان هناك الكثير من العنف-قطع رؤوس الأمراء والعلماء والمواطنين العاديين وهكذا دواليك. ولكن على مدى السنوات الخمسين الماضية، استطاع مجتمعنا أن يلتقط أنفاسه ويبني نوعا من التعددية.
ومع ذلك ، فان الطبيعة التقليدية للملكية في المغرب موسومة بالعنف في حمضها النووي. على الرغم من أن النظام يعاني من عدة قيود إلا أنه لا يزال يصارع من أجل البقاء بصورة متقطعة. في الواقع، منذ 2011 شهدنا تدهورا في مجال احترام حقوق الإنسان في بلدي. وبينما كان النظام قبل 2011 ، ينظر إلى المعارضين بصفتهم خصوما سياسيين ، فانه يعتبرهم الآن أعداء يجب الإجهاز عليهم ويتعرض الصحفيون اليوم لخطر السجن ولكل أنواع الحد من حريه التعبير بشكل كبير. وقد يعود النظام إلى الانتهاكات الواسعة النطاق التي مارسها في الماضي ، حيث أنه يواجه ضغوطا وشكوكا شعبية مما يعني أن المشهد يظل مفتوحا على جميع الاحتمالات.
دعوانا ننتقل إلى الربيع العربي ، موجة الانتفاضات الجماعية التي أطاحت بالطغاة في سته بلدان عربيه (تونس ، مصر ، ليبيا ، اليمن ، الجزائر ، السودان) بين 2011 و 2019. وأثارت آمال العالم في التحول الحقيقي في المنطقة. ولكن بعد المجموعة الاولي من الانتفاضات، تعثر الزخم ، وصعد القادة الاستبداديون والعسكريون إلى السلطة أو سقطت البلدان في حرب أهلية. واليوم، فان تونس هي البلد الوحيد في المنطقة الذي له نظام ديمقراطي واضح، لماذا فشل الربيع العربي؟
أولا ، انهار الربيع العربي بسبب التدخل الجيوسياسي لبعض الدول في العالم العربي التي أرادت أن تفشل التجربة الديمقراطية وتبتعد عن سكتها وهي العربية السعودية والامارات العربية المتحدة ومصر وقد فعلت كل ما في وسعها من أجل هذا الفشل.
وثانيا ، فشلت أيضا لأن العديد من الحركات الاجتماعية التي قادت هذا التغيير كانت مكتفية بالمراقبة ولا تترجم مطالبها إلى سياسة ملموسة ولم تصبح أطرافا سياسية مؤسسية. إنها تسببت أساسا في سقوط الطغاة لكنها لم تتحول إلى أحزاب سياسية.
في محاضراتك ، تفكك ظاهرة الربيع العربي إلى ثلاث مراحل. هل يمكنك وصفها؟
المرحلة الاولى من 2011 – 2012 جلبت الشباب إلى الشوارع. في هذه المرحلة الأولى ، تم تفكيك الأنظمة الحاكمة وانصب الاهتمام على التحركات الشعبية التي اعتمدت علي التكنولوجيات والرموز الجديدة لمقاومة السلطة والمطالبة بالحرية.
وفي المرحلة الثانية ، أجريت الانتخابات وأصبحت الأحزاب الإسلامية في السلطة في تونس ومصر واليمن وليبيا.
واستغلت المرحلة الثالثة من الثورة المضادة فشل العديد من الحركات الشعبية وقوات المعارضة في التنظيم السياسي الفعال. وقد قادت هذه المرحلة أنظمة مضادة ومعادية للثورة مثل المملكة العربية السعودية التي أصابها الفزع الشديد من هذه الانتفاضات الديمقراطية التي تنتشر كالعدوى في مجتمعاتها. وقد أنفق هذا التحالف الرجعي موارد هائلة لتدمير التجارب الديمقراطية ، كما هو الأمر في مصر والبحرين وليبيا واليمن، أحيانا من خلال الحملات الدبلوماسية وأحيانا أخرى عبر استعمال القوه العسكرية. كما ان الانظمة المضادة للثورة تغرق مجتمعاتها بوعود الازدهار الاقتصادي والاستقرار كطريقه لإبراز تناقضات صارخه مع الاضطرابات السائدة في بلدان الانتفاضات الجماهيرية ، أملا في استباق الاضطرابات المحتملة في الداخل.
واليوم ، أصبحت المعارضة الشعبية تعود إلى الظهور بسبب الاقتناع بأن الأنظمة الاستبدادية لا يمكنها ببساطه أن تفي بوعودها السخية. نشطاء اليوم تخلصوا من الرومانسية وتعلموا أكثر التفكير الاستراتيجي في حساب استعمال تقنيات التعبئة. إننا نشهد ما هو أقل زخما من الموجات العارمة ، ولكن بالأحرى أشكالا من المقاومة التي تتكيف مع ظروف وخصوصيات كل بلد.
وردا على ذلك ، أصبحت الحكومات الاستبدادية أكثر قمعيه ووحشية، لأنها تدرك الآن ان مساحتها للمناورة قد تضاءلت. فالوعود بالإصلاح الديمقراطي في المستقبل لم تعد ذات مصداقية ، والحكام يفتقرون إلى القدرة على ادامة النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل. لقد بدأت بالفعل الموجه التالية من الثورات ، كما نري الآن في السودان والعراق والجزائر. هناك ، المحتجون لا يتراجعون حتى في مواجهة أقسى تهديدات العنف ، لأنهم يعرفون ان الرهانات قوية جدا.
أدت انتفاضات عام 2011 إلى إسقاط العديد من الطغاة في فترة وجيزة -تونس ومصر واليمن وليبيا-وهذا لم يسبق له مثيل. لماذا تراجع النشطاء والمناضلون في ضوء هذه الانتصارات الملحوظة؟
إن الشباب الذين قادوا الاحتجاجات ثم تراجعوا إلى الوراء وبدأوا يراقبون الوضع بدلا من المشاركة وبعد ذلك بالطبع توقفت تلك الاحتجاجات والمظاهرات .لقد فكروا بهذه الطريقة ” لن نعتمد على الأحزاب السياسية ولن ننضم إليها وسنظل بلا قيادة ورفضوا إضفاء الشرعية على المؤسسات الحكومية ورفضوا اي مفهوم للتنظيم الرأسي من الأعلى إلى الأسفل. لماذا؟ بعد أن شاهدوا عقودا من الفساد ، كان لديهم شك متأصل في ممارسة السياسة والعزوف عنها . السياسة كانت قذرة و كانت فاسدة بالنسبة لهم و كان الحفاظ على المثالية السبيل الوحيد كي لا يتلوثوا بدورهم
قد يستمرون في الذهاب إلى المظاهرات لكنهم لا يريدون الدخول في تحالفات ولا التعبير عن مواقف سواء مع أو ضد السياسات وبالتالي لا يمكنهم التأثير في العمل السياسي. يمكنك ممارسة الضغط من خلال حشد الناس في الشارع ولكن في نهاية المطاف إذا كان هذا الضغط لا يتجسد في المسار السياسي تصبح مهمشا تماما.
وفي وجود فراغ قيادي، سيطرت الفصائل العسكرية؟
في بعض الحالات ، تحرك الجيش لأنه كان مدعوما من طرف دول الثورة المضادة، وفي حالات أخرى تحرك الجيش لأن العديد من القطاعات في المجتمع يريد الاستقرار والأمن وإنهاء الفوضى. هذا ما حدث في مصر. وهناك ، كان الجيش قويا لدرجة أنه كان مستعدا أن يقف في اللحظة التي تعثر فيها الرئيس محمد مرسي المنتخب حديثا ؛ لقد كان الجيش فقط بحاجة إلى ذريعة وقد ارتكب مرسي بعض الأخطاء و أطاح به الجيش وأرسله إلى السجن حيث توفي أثناء انتظار محاكمته.
هل تعتقد أنه ستكون هناك انتفاضات مستقبليه في المنطقة ، وهل سيتعلم النشطاء من أخطائهم السابقة؟
نعم ولكن رؤية النتائج الإيجابية ستستغرق وقتا طويلا. منذ 2011 ، دافعتُ عن فكرة أن الربيع العربي هو عملية طويلة الأمد وليس حدثا عابرا وقد يستغرق الأمر من عشرة إلى عشرين عاما وبعض الدول ، مثل ليبيا أو اليمن ، ستعيش فترات عصيبة جدا للخروج من الحروب الأهلية التي تعيشها.
لكن النشطاء الديمقراطيين اليوم أقل سذاجة من المحتجين في العامين 2011 – 2012. أعتقد أن أحزاب المعارضة ستنظم نفسها الآن أحسن وستكون أقل رومانسية. إنهم اليوم يفكرون أكثر على المدى الطويل والمسافة الطويلة. هذا هو نمط التفكير في جميع أنحاء المنطقة الآن.
الشباب يتعلمون لكنهم ليسوا الوحيدين فهناك أيضا الطبقات الوسطى والطبقات المحرومة. الشيء الجديد هو أن الشعور بالرغبة في التغيير تخترق جميع الطبقات. الطبقات المتوسطة تشعر أن الحكام قد تخلوا عنها في عملية النمو والرفاهية والطبقات الدنيا تشعر بأنها قد هُمشت تماما ولذلك فنحن نشهد بناء تحالفات أوسع نطاقا.
من ناحية أخرى ، اعتقد ان الأنظمة تلعب أيضا للحفاظ علي. فالأنظمة ستكون أكثر مقاومة للتغيير وأكثر وعيا بأنها تخاطر بزوالها ، ستكون أكثر عنادا وأكثر شراسة ضد حركات المعارضة.
اندلعت مؤخرا احتجاجات جديدة وواسعة النطاق في العراق ولبنان ، وهذا يدعم بالتأكيد وجهة نظركم بان الربيع العربي يمثل عملية طويلة النفس ، وليس حدثا زمنيا معزولا. هل هناك من جديد حول هذين التطورين؟
هناك تحول كبير جدير بالملاحظة يتعلق بالانتفاضات الأخيرة في العراق ولبنان. وفي كلا البلدين، يثور الناس ضد نظام تتحكم فيه النخب السياسية ويعتمد على الفساد والمحسوبية ولكن الحراس الرئيسيين للوضع الراهن في كلا البلدين قريبون من النظام الإيراني. حتى أن الثورة قد لمست إيران. هذا هو أكبر تطور منذ الموجة الأولى من 2011 وهو تطور يحرم إيران من ذريعة إلقاء اللوم علي الأنظمة السنية الرجعية لأن الطائفة الشيعية تخرج أيضا إلى الشارع وهذا هو الجديد: إن إيران تجد نفسها الآن في المعسكر المضاد للثورة ، حيث يعمل “حزب الله” في لبنان والتحالف شبه العسكري “الحشد الشعبي” في العراق كذراع لها.
وبعبارة أخرى ، فان إيران لم تعد تساند “المظلومين” أو الجماهير التي تريد التغيير في الربيع العربي وبالتالي فهي تعارض اتجاه التاريخ وتفقد ميزتها النسبية ، حيث يبدو انها تتصرف مثل المملكة العربية السعودية في مجال نفوذها.
وبالتالي فإن الفجوة الكبرى السنية الشيعية بدأت تتحول مما يجعل الصراع السعودي/الإيراني أقل بروزا ويتقاسم الناس الآن نفس النضال المشترك-النضال ضد النظام الحاكم . وهذا مظهر مبكر من مظاهر التوق الديمقراطي العميق الذي قد يغير المشهد الجيوسياسي.
إذا كان هناك شيء قد أثبته الربيع العربي فهو أن الإسلام السياسي ليس حتمية سياسية في كل هذه الدول. الإسلاميون لم يقودوا التظاهرات و الحِراكات بل لقد وصلوا إلى السلطة لأنهم كانوا أفضل تنظيما. لكن بمجرد أن يأتوا إلى السلطة فانهم لم يحصلوا على شيك أبيض ، إن تقديم الدين في شكل حكم بالفتاوى والأحكام الدينية وما إلى ذلك قد أصبح اليوم من الماضي وعلينا أن نفصل بين فكرة التدين وأن الدين يجب أن يلعب دورا ويكون حاضرا في المجال العام مما تزعم الجماعات الأصولية و من الواضح انه لم يعد الأمر كذلك وهناك توق عميق إلى المساءلة والتعددية السياسية.
هل هناك أي خطأ يرتكبه الأميركيون عندما يفكرون في الربيع العربي والتحولات التي تحدث في العالم العربي؟
الخطأ يكمن هنا حسب اعتقادي في ذلك الشعور بوجود “الاستثناء الشرقي” و أن العرب لديهم نوع من الانجذاب الذاتي نحو الحكم الاستبدادي.
والنتيجة الطبيعية لذلك هي الزعم بفشل الربيع العربي رغم مظاهرات الشباب لأن أغلبية من الناس لديهم حنين إلى الحكم الاستبدادي و هناك شيء ما في تاريخهم ودينهم وفي نفسيتهم يجعلهم أكثر انجذابا لذلك. أعتقد أن هذا خطأ وإذا كان هناك ما يسمى الاستثناء العربي فقد تحطم.
يتذكر الكثيرون منا نجاح الثورات في أوائل التسعينات من القرن العشرين -سقوط جدار برلين، وانهيار الاتحاد السوفيتي ، وما إلى ذلك- وهي الثورات التي فككت الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية. في العالم الغربي ساد الشعور أنها دلالة على نجاح الديمقراطية الليبرالية. لماذا نجحت تلك السلسلة من الثورات قبل ثلاثين عاما ولكن الربيع العربي لم يفعل؟
هناك تشابهات قويه. وكلاهما تعبيران هائلان عن الإحباط والغضب الشعبيين إزاء النظم الاستبدادية التي أصبحت مفلسة أخلاقيا وضعيفة اقتصاديا. وقد عكست كلتا الموجتين من الانتفاضة الجماعية التراكم التاريخي الطويل للمظالم والخيبات بالنسبة لأجيال من المواطنين. وفي الحالتين استلهمت حركات الاحتجاج وزعماء المعارضة الاستراتيجيات والرموز من بعضهم البعض عبر الحدود. وكلاهما فاجأ العالم: لم يتنبأ الخبراء السياسيون ولا صناع القرار السياسي بأن هذه الدول الاستبدادية ستهزها الثورة وبهذه السرعة.
ومع ذلك هناك اختلافات حادة. لقد عبرت ثورات 1989 عن انهيار نظام بأكمله وايديولوجيته ، وهي الشيوعية ودولة الحزب الواحد ، وهو الانهيار الذي جاء بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، الذي كان مركز الثقل الطبيعي للعالم الشيوعي. ولكن في العالم العربي لا يوجد مركز قوة إمبراطوري أو ثقل جغرافي سياسي الذي من شأن انحلاله المفرد أن يطلق العنان لانهيار الحكم الاستبدادي التابع بطريقة شبيهة بالدومينو.
وقد حققت الثورات في أوروبا الشرقية إصلاحات ديمقراطية لأن بلدان الكتلة الشرقية ، في معظمها ، تركت وحدها. وفي الواقع ، أعطيت لهم جميع الحوافز للانضمام إلى أوروبا. وروسيا كانت في الأساس ضعيفة جدا للتدخل. وكانت حكومة يلتسين تعيش الفوضى. وكان الاتحاد السوفيتي يعيش الانتقال من وضع الإمبراطورية ومنشغلا بمشاكله الخاصة والحصيلة أن حلف الناتو والاتحاد الأوروبي كانا منشغليْن بعملية التوسع.
وفي حالة بولندا ، نظمت قوات التغيير نفسها في شكل أحزاب سياسية. وقد ذهب هؤلاء المناضلون إلى الانتخابات وقاد أعضاء نقابة التضامن الدولة ولم يكونوا فقط مراقبين. ولم يكن فاكلاف هافيل [الرئيس السابق للجمهورية التشيكية] مراقبا فقط.
في المنطقة العربية ، أنفقت دول الثورة المضادة مليارات الدولارات لدعم الانقلابات العسكرية والديكتاتوريات وهؤلاء مسنودون ليس فقط بالمال ولكن أيضا عسكريا.
وتتدخل كل من دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية وروسيا بشكل عسكري في أماكن مختلفة وبدون تنسيق جيد، ولكن على أساس أجندة كل واحدة منها الخاصة وما زال تأثير الصين في المنطقة غير مضبوط نظرا لما تروج له من مبادرة الحزام والطريق. ونحن نعلم أن النظام السوداني الذي انهار مؤخرا كان سيسقط في وقت مبكر لو لم يكن مسنودا من طرف الصينيين لفتره طويلة.
وأخيرا ، لا يمكننا أن نستبعد تأثير الغرب الذي عاش سقوط جدار برلين وعالج كل اختراق ثوري في أوروبا باعتباره انتصارا أخلاقيا للديمقراطية الليبرالية. في الشرق الأوسط، استقبل الغرب انتفاضات الربيع العربي بالريبة وحتى الخوف. فقد اعتاد منذ فترة طويلة على التعامل مع حلفائه المستبدين كمسألة استراتيجية وكان يخشى مخاطر من اعتقاده أن البديل الحتمي هو تنظيمات الإسلام السياسي وتبنى العديد من صناع السياسة الغربية افتراضات حول احتمال الفوضى والتطرف اللذين سيطلق لهما العنان إذا سقط حلفاء الغرب الديكتاتوريون، ومن المفارقات أن هذه النبوءة أصبحت واقعا.
باختصار ، هذه هي الطريقة التي أقارن بها الرؤساء الثلاثة السابقين. مع غزو العراق ، فرض جورج بوش الهيمنة بشكل مباشر “على الأرض” ، بينما أظهر أوباما نوعا من الهيمنة السياسية في المنطقة مع التركيز أكثر على أسيا والمحيط الهادي ويفرض دونالد ترامب الهيمنة “عن بُعد ” من خلال منح تفويض مفتوح لبعض الأنظمة الاستبدادية لتدبير الشرق الأوسط بشكل أساسي ، دون قيود. والنتيجة هي سياسة خارجيه متعثرة بلا أهداف واضحة. لقد ألحقت الولايات الأمريكية أضرارا فادحة بمكانتها في المنطقة وسيستغرق الأمر وقتا وجهدا جبارا لاستعاده هيبتها ومصداقيتها.
المغرب واحدة من المملكات القليلة المتبقية في العالم العربي ، وقد تمتعت الملكية هناك بقرون من الشرعية والمودة من طرف العامة. ولكن في السنوات القليلة الماضية بدأ التحول ، حيث أصبح الناس أكثر تعبيرا عن الظلم الاجتماعي ورفض المحسوبية. كيف تجنب المغرب الربيع العربي؟
عَبَر المغرب لحظة الربيع العربي بالدعوة إلى اجراء انتخابات مبكرة وإدخال بعض التعديلات الدستورية ، ولكن بمجرد انحسار الضغط ، عاد النظام إلى أساليبه القديمة.
ما هو الشعور الحالي تجاه النظام الملكي اليوم؟
هناك نوعان من الادعاءات حول الوضع الحالي – الأول يزعم أن أسس الدولة سليمة والمغرب يتقدم بوتيرته الخاصة. وحتى لو ظهرت أزمة، فيمكن معالجتها في إطار المؤسسات القائمة. والادعاء الآخر هو ان الأمور واهية في أحسن الأوضاع. وأنا مع هذا الأخير. نحن نشهد ظهور أشكال مختلفة من الاحتجاجات الشعبية ، من المقاطعة إلى الشعارات والأناشيد الاحتجاجية في ملاعب كرة القدم ، مما قد يشير إلى ان البلاد قريبة من نقطه التحول. إذا حدثت قطيعة يمكن أن تكون إيجابية ، أو يمكن أن ينزلق الوضع إلى العنف والمستقبل يتحمل العديد من السيناريوهات.
واحدة من المشاكل الأساسية هي ان النظام الملكي قد شوه جميع الأحزاب السياسية من خلال التدخل في اختياراتها من نواحي كثيرة-من خلال منحها مساحات صغيرة للاشتغال ولكن بدون قوة حقيقية ، وعن طريق اجراء انتخابات متحكَّم فيها عن بُعد لضمان استحالة ائتلاف واسع في البرلمان. لذلك إنها نوع من التعددية الضحلة وبلا أسنان. والكيان الأخير الذي سيفقد مصداقيته تماما هو حزب الإسلاميين أي حزب العدالة والتنمية الذي يتزعم الحكومة منذ 2011.
وبافتراض ان الملكية مستعدة وقادرة على استعاده ثقة الناس في نواياها الديمقراطية ، والتراجع عن الاستقطاب السياسي الذي أشرفت على تأسيسه ، فانه يتعين عليها ان تتعامل مع حقيقة انها قد شوهت سمعة جميع الأحزاب السياسية الرسمية. ويتمثل التحدي في تبني خطاب صادق للانخراط في العمل مع القوي السياسية التي ليست فقط معارضة للنظام ، ولكن لا زالت لم تنتظم بعد بطريقه متماسكة كمعارضة رسمية.
إذا ما وُضعت الأسس لمسار جديد ، فلن يكون هناك صبر كبير على التدرج بسبب التفاوتات المقلقة التي تميز المشهد الاجتماعي والاقتصادي. البارومتر العربي الذي يظهر ان 44 في المائة من السكان يريدون الآن تغييرا فوريا وجذريا. ويحلم أكثر من 40 في المائة من السكان بالهجرة. وعندما تنظر إلى الشباب الذين عمرهم أقل من الثلاثين ،هذا الرقم يقفز إلى 70 في المئة.
ما هو الدور الذي تتصوره لنفسك في المستقبل؟
أنا واقعي. خلال عهد محمد السادس ، أصبحت حياتي في المغرب نوعا من الجحيم وفي مأزق شامل. أعرف أن بيتي الحالي هنا في الولايات المتحدة ، حيث استطعت أن أبقى و أعيش آمنا جسديا ونفسيا بسهولة و هنا استطعت أن أفتح افاقا فكرية غنية وكذلك أن أحقق طموحاتي ولن أغير هذا الوضع مهما كان المقابل.
أنا لا اعرف ما يخبئه المستقبل ، ولكن يمكنني أن أضيف أن مستقبل المغرب سيحدده الشباب في بلدنا، الذين يقومون برسم ملامحه فعليا بشجاعة وذكاء. منذ ثلاثين عاما و أنا أقول إني لن أتخلى عن الحرية في التفكير والتعبير عن أرائي ، وليكن ما يكون. هذا أمر سأظل أدافع عنه حتى الرمق الأخير مهما كان الثمن.
- ترجمه إلى العربية: أحمد ابن الصديق
- المصدر: عن موقع “الف بوست”
- مصدر النص الأصلي باللغة الإنحليزية: موقع “إي بي آي سانتر”