احتدم النقاش بإسبانيا، اليوم الاثنين، بين الحكومة والبرلمان بسبب الوفيات التي حدثت في 24 يونيو بالسياج الحدودي الفاصل بين المغرب ومدينة مليلية المحتلة، خاصة بعد نشر قناة “بي بي سي” تحقيقا يظهر تورط السلطات الإسبانية.

فبينما نفت حكومة مدريد اليوم، على لسان وزيري الخارجية والداخلية وجود وفيات بأراض “إسبانية”، رصد وفد برلماني زار المدينة للاطلاع على ما جرى في “مأساة مليلية” تورط السلطات الإسبانية في الأحداث، ووجود وفيات بالفعل في منطقة تيسطر عليها إسبانيا، في وقت أكد فيه الحرس المدني للبرلمانيين الاستخدام المكثف لمواد مكافحة الشغب، وهو ما جدد المطالب بالتحقيق.

إسبانيا: لا وفيات بأراضينا ولا نخفي شيئا

ودافع وزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا، الاثنين، عن العنف الذي استخدمه الحرس المدني في ذلك اليوم، ردا على “هجوم عنيف على حدود الاتحاد الأوروبي”، معتبرا أنه متناسبة وشرعي بالنظر إلى العنف الذي استخدمه المهاجرون.

وفي الوقت الذي رصد فيه تحقيق لـ”بي بي سي” نقل جثث لمهاجرين لقوا حتفهم في المأساة من أراض محسوبة على إسبانيا للأراضي المغربية، نفى مارلاسكا سقوط أي قتلى في الأراضي الإسبانية، مشيرا إلى أن الوفيات التي لا تقل عن 23 وفاة كانت في المغرب.

وبشأن الزيارة التي يقوم بها وفد برلماني لمليلية، قال الوزير إنها “مخططة لها منذ فترة طويلة”، مبرزا أن النواب سيتمكنون من مشاهدة “كل الصور المسجلة” في ذلك اليوم، سواء التي سجلتها طائرات الهليكوبتر والطائرات بدون طيار وكذلك الكاميرات الموجودة في المنطقة الحدودية.

وشدد مارلاسكا على أن كل هذه الصور قد تم تسليمها بالفعل إلى النيابة العامة حتى تتمكن من إجراء تحقيقاتها، وكذلك إلى الأمانة العامة للمظالم.

واعتبر الوزير الإسباني أن الحكومة شفافة بخصوص هذه الأحداث، وأكد أنه هو الذي أصدر الأمر للحرس المدني بالتصرف وأنه مسؤول بشكل مباشر عن جميع الأعمال التي تقوم بها أجهزة أمن الدولة.

من جهته، أكد وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، اليوم الاثنين، أن الحكومة “ليس لديها ما تخفيه” بشأن المأساة التي وقعت على السياج الحدودي لمليلية في 24 يونيو.

وأضاف ألباريس في مقابلة صحافية نقلتها وكالة الأنباء “إيفي” أن الحكومة ووزارة الداخلية تحلت بالشفافية في كل الأوقات بخصوص هذا الموضوع وقد توجهت للبرلمان للحديث فيه.

الحرس المدني يؤكد الاستخدام المكثف لمواد الشغب

كشف الحرس المدني الإسباني بثغر مليلية للوفد البرلماني الذي حل اليوم بالمدينة، عن حجم استخدامه للعنف في مواجهة حوالي 2700 مهاجر حاولوا اقتحام السياج بالعنف.

وأكد الحرس المدني استخدمه لكميات وفيرة من مواد مكافحة الشغب، من بينها 86 عبوة غاز مسيل للدموع و 28 عبوة غاز و 65 طلقة مطاطية، و 41 عبوة غاز مسيل للدموع كبيرة، و 270 طلقة صوتية لإحداث الضوضاء ودفع المهاجرين إلى العدول عن محاولتهم.

ونقلت صحيفة “الباييس” أن نائبا من الوفد البرلماني استنكر استخدام العديد من معدات مكافحة الشغب، وهو برلماني سبق له أن قام برحلة أخرى إلى المدينة وجمع بقايا المواد المستخدمة في ذلك اليوم المأساوي.

ويؤكد حجم العنف المستخدم من طرف القوات الإسبانية الشبهات التي أثارها عدد من الناجين حول موت بعض المهارين مختنقين بالغاز المسيل للدموع أو السحق عندما حاولوا الفرار.

وكشفت ذات الصحيفة أن الوفد البرلماني تلقى توضيحات عن العملية التي نفذها رجال الشرطة في ذلك اليوم وتمكنوا من مشاهدة جزء صغير من صور الفيديو التي تم تسجيلها، وتحديدا اللقطات التي تم التقاطها بطائرة بدون طيار ومروحية، إضافة إلى مشاهد لمحاولة دخول أخرى جرت في شهر مارس الماضي، في حين وعدت وزارة الداخلية بإطلاع النواب، في الأيام القليلة المقبلة على جميع الصور المسجلة.

وأوضح الحرس المدني أنه كان يتوقع هذه المحاولة لكن ليس بهذا العدد من المهاجرين، مما دفعه لطلب التعزيزات، بما في ذلك قوات الشرطة الأخرى، حتى وصلوا إلى أكثر من 120 فردا من القوات.

وفي معبر باريو تشينو، الذي وقعت فيه وفيات وإصابات عديدة، أوضحت إفادة الحرس المدني أن كاميرات المراقبة في ذلك اليوم لم تكن مشغلة، حيث جرى توقيف العمل بها منذ إغلاق الحدود بسبب كورونا، كما أنه لم يكن في المعبر في البداية سوى 10 أفراد من الحرس اضطروا إلى الانسحاب بسبب ضخامة ما كان يحدث.

برلمانيون: وفيات حدثت بأراض “إسبانية”

وأكد البرلماني جون إيناريتو عضو الوفد الذي زار مليلية اليوم من خلال حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” والذي نقلت مضمونه “إلباييس” أن الصور التي اضطلع عليها الوفد تثبت “بلا شك” أن “جزءًا من الأحداث وقع في منطقة خاضعة للسيطرة العملياتية لقوات الأمن الإسبانية”.

وأكد البرلماني زيف ادعاء وزارة الداخلية بكون الأحداث وقعت في الجانب المغرب، وهو ما شددت عليه أيضا برلمانية أخرى؛ هي ماريا كارفالو، حيث صرحت قائلة: “لقد أصبح هذا واضحًا جدًا بالنسبة لي [أنها أرض إسبانية]”.

واعتبر إنريكي سانتياغو، النائب البرلماني عن “بوديموس” بعد الزيارة أنه بات “الآن أكثر ضرورة” بدء لجنة التحقيق التي طلبتها عدة مجموعات برلمانية بعد بث الفيلم الوثائقي في “بي بي سي”.

وسجل البرلماني أنه كان هناك نقص واضح في الاهتمام باحتياجات الإغاثة للضحايا، ومن الضروري تحديد سبب حدوث هذا التقصير، وعدم تدخل الخدمات الصحية والطبية بالطريقة الأكثر ملاءمة، على الرغم من وجود بروتوكول في هذا الصدد.

وزاد سانتياغو “حسب ما رأيناه، يبدو أن كل شيء يشير إلى وقوع وفيات في المنطقة التي تسيطر عليها السلطات الإسبانية، وبالتالي فهي مطالبة بإجراء التحقيق”.

وتلقى أعضاء الوفد البرلماني هذا اليوم رسالة موقعة من قبل أكثر من مائة جمعية “لطلب تحقيق معمق في الأحداث التي وقعت يوم 24 يونيو”، أكدت أنه “كان هناك إغفال لواجب الإغاثة والاستخدام العشوائي للقوة”، وطالبت بالتحقيق في تأثير استخدام معدات مكافحة الشغب وتقاعس السلطات عن تنفيذ مهام الإنقاذ على عدد الوفيات.

ويحتدم السجال بين الحكومة والبرلمان الإسبانيين بعد أيام من نشر قناة “بي بي سي” لتحقيق أكدت فيه مسؤولية إسبانيا في الحادث، وسجلت أن جزءا من الوفيات في صفوف المهاجرين حدثت في منطقة تابعة لإسبانيا، وقد جرى نقل جثث الضحايا للمغرب.