تردد كبير ذلك الذي أحسه كلما أردت مطالعة الصحف خوفا من أن أصادف حادثة اعتداء، أو محاكمة ظالمة، أو تصريح جارح يجهز على كرامة امرأة كل جنحتها اختيارها للباس معين أو رغبتها في تقاسم الفضاء العام على قدم المساواة. 

تناقضاتنا جلية بين تمسكنا بهوية مفروضة غصبا وبين اختيارات نمارسها يوميا تعكس رغبتنا في حرية اختيار طريقة العيش. الكثيرون يعتبرون الحديث عن جسد النساء بدعة وأحيانا جريمة تحرض على انتشار الفساد ويعتبرون هذا الجسد المنحوت الذي أبدع فيه الخالق سلعة يجب التحكم فيها ثم يبررون كل أنواع العنف الممارس على النساء، مرة بلغة الشريعة، مرة بلغة العرف وأحيانا كثيرة بلغة الخصوصية المبالغ في تقديسها.

الجسد جزء من كينونة الإنسان والتعامل معه جزء من لغة يعبر بها صاحبه عن اختياراته، قناعاته وتوجهاته حتى البسيطة منها. عدم فهم تحولات الجسد ورغباته و الجهر بها علنا، يخلق شيزوفرينيا تربك توافق العقل والجسد، انهما معادلتان تشكلان هوية الفرد التي تنزع الى ضرورة احترامها وسط هوية الجماعة.

إن الحاجة ماسة اليوم لمساحة حرة تجعلنا نخرج الحسن و السيء فينا لنؤطر به فضاء مشتركا لا يعترف الا بأمل التغيير و النهوض و القيم الإنسانية النبيلة

 تواتر أحداث العنف بسبب جسد النساء الذي أصبح قنبلة موقوتة يبرر بها الإرهاب والدفاع عن حرمة الإسلام و المسلمين، تعكس درجة الانفصام التي وصلنا اليها و التي تزكيها الدولة بقوانينها التمييزية وسياساتها التي لا تواكب تطورات المجتمع الممارساتية. بعيدا عن لغة الموعظة و المزايدات، فإن العيب ليس في اختيار الحجاب او ارتداء تنورة بل العيب في تزكية ثقافة تحول النساء من كائن عاقل مؤهل لتحديد طريقة عيشه الى كائن قاصر يحتاج الى ترويض كي يبقى سلعة نروج بها ديمقراطية قوانينا او تمسكنا بأحد الأديان او نبيع بها منتجاتنا في أسواق الرأسمال و احيانا كثيرة نطرب بها رغباتنا الحيوانية باسم الوصاية والدفاع عن المصالح كيفما كان نوعها. 

قضية النساء في كل مجالاتها قضية الحق في الحرية التي لا تقبل التجزئ وقضية إنسان يبحث عن الرقي بمجتمعه عبر تحرر الفرد داخل منظومة لا قيمة فيها الا لكينونة الإنسان. دفاعنا عن حرية الجسد دفاع عن قيمة الحق في الاختيار و التعبير بعيدا عن منطق الفتنة و العورة المحرك لجرائم الاغتصاب وتحليل ترويج القاصرات والتي تعيدنا الى منطق السيف و قطع الأعناق و تقييد عقول البشر التي تبتدئ بفهم كل مكوناتها و أولهما ثنائية العقل و الجسد. كل المفردات الجاهزة تتوقف عند المس بالحق في سلامة الأشخاص، وممارسة العنف و التضييق والتبرير للقتل، لاشيء يقدس اكثر من قيمة الإنسان التي لا تستقيم الا بضمان توفير كل مقومات التطور الإنساني الفكرية دون تقييدها او فرض نمط تحليلي على خيوط صياغتها.

أساليب التنميط واحادية الفكر لم تنتج في تاريخ البشرية الا الحروب والعبودية المشرعنة والإجهاز على كل مداخل التنمية. إن الحاجة ماسة اليوم لمساحة حرة تجعلنا نخرج الحسن والسيء فينا لنؤطر به فضاء مشتركا لا يعترف الا بأمل التغيير و النهوض و القيم الإنسانية النبيلة. 

عري جسدي لم يكن يوما سببا في زيادة الأسعار ولا انتشار البطالة أوالاعتقال السياسي. عري جسدي اختيار أمارسه حتى وأنا أتقاسم معك نضال الشارع وقلم التفكير  وسلاح الثقافة و الدفاع عن الحقوق. عراء الفكر هو من استباح وطنا ذنبه الوحيد وجوده على رقعة جغرافية حللت الدم وحرمت حوار العقل. المعتقد للفرد اما الوطن فهو للجميع و النساء هن نجوم هذا الوطن الذي لاتضيء سماؤه إلا بأشعتها المتحررة.