“إن كنت تخشى الحصول على تفاحة فاسدة فلا تخترها من البرميل  اخترها من الشجرة”

بهذه الجملة/ الحكمة نصح شون كونري في فيلم المخرج براين ديبالما “الممنوع مسهم” (The Untouchables) الضابط الشاب “كيفن كوستنر” لكي ينجح في مهمة الحد من سطوة رجال آل كابون على تجارة الخمور في مدينة شيكاغو، والحد من الفساد الذي استشرى في جهاز الشرطة بسبب الرشاوي التي يتلقونها من رجال عصابة آل كابون.

يعود الفيلم الذي انتج سنة 1987 الى بداية القرن العشرين في مدينة شيكاغو الامريكية، حيث كانت عصابات المافيا تسيطر على تجارة الخمور، تتحكم في المدينة وتعيث فيها فساداً، بينما الشرطة لا تتحرك أمام ممارسات رجال آل كابون، فتم ايفاد ضابط من الحكومة الفيدرالية إلى المدينة للتحقيق في تجاوزات آل كابون وتهربهم من دفع الضرائب. قام بدور الضابط الشاب الممثل كيفن كوستنر.

 عندما وصل الضابط الشاب الى المدينة حاول أن يسارع الزمن من أجل مراقبة ومحاصرة أعمال آل الكابون غير الشرعية، فقام بالاغارة على احدى مخازن الكحول، لكن اغارته باءت بالفشل، إذ علم رجال ال كابون بالاقتحام قبل تنفيذه، فتم اخلاء المخازن من الكحول، وعندما وصل الضابط الشاب رفقة فريقه لاقتحام المكان اكتشفوا ان لا كحول في المخازن، عاد الضابط الشاب خائبا يجرّ اذيال الفشل، كما أن صحف الغد، ظهرت بمانشيتات كبيرة تقول “الشرطي المقاتل يفشل في مهامه”.

لم يستسلم الضابط الشاب وأصرّ على مواصلة العمل من أجل النجاح في القضاء على تجاوزات عصابات المافيا، بيد أن أول مشكل واجهه هو فساد قطاع الشرطة ووقوعهم تحت امرة رجال ال كابون، واكتشف ان فشل اقتحام مخازن الكحول كان بسبب خيانة بعض المرتشين من الشرطة الذي أوصلوا المعلومة إلى رجال ال كابون قبل تنفيذها. بعد ذلك سيتعرف الضابط الشاب على شرطي على وشك التقاعد يشتغل بالمداومة الليلية، وتبين من خلال الفيلم أن هذا الشرطي الذي أدى دوره شون كونري لم يترق وظل يشتغل في المداومة الليلية لأنه يرفض الانصياع لتواطؤ رؤسائه مع رجال ال كابون، ويحاول أن يطبق القانون، لذلك تم ابعاده عن المراكز الامنية الحساسة وتمت محاصرته وحرمانه من الترقية. وجد الضابط الشاب في هذا الشرطي المساعد الذي كان يحتاجه، رغم تردده في الأول من العمل مع الضابط، لكن بعد ذلك اقتنع بكفاءته وقبل أن ينضم إلى فريق عمله.

لنجاح عملية الاصلاح لابد من وجود نَفَسٍ جديد؛ نقي ومحصن ضد الإغراءات، أما اعتماد نفس الذوات ونفس الأدوات ونفس الأجهزة، فمهما كانت النوايا صادقة لن تستطيع في الاخير أن تهزم فساد تفاح البرميل

خلال محاولة رسمهما لخطط مواجهة ما يقع في المدينة من تجاوزات وفساد في جهاز الشرطة، سأل الضابط الشاب الشرطي عمن يمكن أن يساعدهم في أداء مهامهم، أجابه قائلا:” إن كنت تخشى الحصول على تفاحة فاسدة فلا تخترها من البرميل  اخترها من الشجرة”، لذلك قصدا معا مركز تدريب الشرطة واختار من هناك أحد الرماة الشباب ليكون بجانبهم ويساعدهم في أداء عملهم عوض اختيار أحد رجال الشرطة الذين يعملون في المدينة.

نصيحة شون كونري الذهبية هي من جعلت الضابط الشاب يستدرك فشل عمليته الأولى بسبب وجود وشاة داخل جهاز الشرطة، اعتمد على شاب لم تلوثه بعد أموال رشاوي عصابة آل كابون، واستطاع اخيرا القضاء على آل كابون ونجح في اثبات التهمة في حق زعيمهم وتمت ادانته بالسجن.

الشاهد عندنا هنا هو أن الاصلاح يصعب وبل يستحيل أن يتم ادراكه بواسطة ذوات وأدوات وأجهزة شبّت وشابت في بيئة استمرأت الفساد. لنجاح عملية الاصلاح لابد من وجود نَفَسٍ جديد؛ نقي ومحصن ضد الإغراءات، أما اعتماد نفس الذوات ونفس الأدوات ونفس الأجهزة، فمهما كانت النوايا صادقة لن تستطيع في الاخير أن تهزم فساد تفاح البرميل.

وبالنظر إلى الواقع السياسي المغربي فرغم أن تفاح البرميل تند منه رائحة العفونة، إلاّ أن ثمة من يريد أن يأكل منه تفاحاً ناضجاً غير فاسد. يحبون تفاح البراميل ولا يلتفتون إلى تفاح الأشجار، لذلك سرعان ما يستجيرون بالاسطوانة المعروفة التي يغنيها كل واحد على ليلاه، هناك من غناها على موّال “جيوب المقاومة” وهناك من أداها على مقام “التماسح والعفاريت”.

إن الرهان على الاصلاح بأدوات قديمة وفي ظل وضع غارق بتشابك مصالح الفساد والاستبداد، هو رهان فاشل فشلَ كيفن كوستنر في تطهير مدينة شيكاغو اعتماداً على فريق شرطتها الفاسد، وبسبب هذه المقاربة في الاصلاح ما زال المغرب يراوح مكانه بحثا عنه منذ حكومة عبد الرحمان اليوسفي، ها نحن على وشك أن نطوي عقدين من الزمن ومازلنا ننتظر، وسننتظر ما دام الرهان مستمرا على تفاح البرميل، لا تفاح الأشجار…