المشهد الاول: وجوه من جنسيات واعراق مختلفة تنظر الى الكاميرا على خلفية موسيقى “ارموند عمار”. المشهد الثاني : قافلة رعاة ينصتون لصوت الصحراء وسط رمال بيضاء. مشاهد سوريالية لمصور فوتوغرافي فرنسي اسمه “يان ارتوس برتراند” و توضيب لا يخضع سوى لخفقات قلب رجل قضى 3 سنوات في إنجاز عمل استثنائي عنوانه “الانسان” (Human). اكثر من 2020 شهادة، من اكثر من 60 بلدا ، بأكثر من 60 لغة. 3 ساعات تحكي عن معاني السعادة والمعاناة، الحرب و الحب، الخسارة و الأمل.

بعيدا عن الاختزال

خارج كل املاءات الأجناس الكلاسيكية إيقاعا و بناءا، كتب المصور الفرنسي سردا قويا حول ابشع و اروع صور الانسان ، بعبارات رجال و نساء يصفون تجارب هزت كيانهم، وبصور عوالم لم نشاهدها من قبل و اخرى لم نمعن النظر اليها. ثلاث ساعات تُعيدك لنقطة البدء، تكتشف معها ان كل ما عرفته من قبل قد تلف. تنسى عناوين الصحف المبتذلة و سطحية تقارير الأخبار المختزلة لتستمع لمعنى الأزمة الاقتصادية كما يشرحها لك عامل بنغالي يتساءل كيف له ان يجد طريقا للسعادة. تنظر لعيني عاملة صينية مهمتها مراقبة قوارير في معمل ل 12 ساعة في اليوم لتقول لك ببساطة و مرارة انها متعبة. تتابع شهادة طفل يقول لامه انه كان عليها ان تمعن التفكير قبل ان تقرر بيعه. تشاهد سجينا أمريكيا ارتكب جريمة قتل في حق امرأة و طفلها يعترف لك ببشاعة فعله. تحاول فهم ما حل برجل أفريقي فقد اخته و اطفالها بسبب الجوع. ثم تاخد دقيقة او اكثر لتستعيد أنفاسك ، تشاهد خلالها صورا جوية لقرى وانهار وجبال مهيبة. جمال الصور يذوب في قسوة القصص. و تواصل. سوري يصف اشلاء جاره و صديقه و يؤكد لك ان الانسان فقد كل معنى. امرأة تروي تفاصيل تعذيب اسرتها علي يد جنود لخمير الحمر. قد تعرف البعض او الكثير من هذه القصص، لكن وقعها لا يتغير. للمرة المليون تشاهد الجندي الاسرائيلي وهو يتذكر نظرة الفتاة الفلسطينية التي رماها بالرصاص معتقدا انها تحمل حزاما ناسفا. ثم تطالع وجه الأب الفلسطيني الذي فقد صبيته امام المدرسة. للمرة المليون تتاثر بالقصة نفسها.

من أين يأتي كل هذا الحقد؟ ما الذي يفرقنا؟ يجيبك أشخاص بسطاء بعمق مدهش. يقولون لك مفهوم الحياة في كلمة او اثنتين…هي موقف شجاع، او روح طيبة، او بداية جديدة او لقاء غير متوقع

عمق القصة

من أين يأتي كل هذا الحقد؟ ما الذي يفرقنا؟ يجيبك أشخاص بسطاء بعمق مدهش. يقولون لك مفهوم الحياة في كلمة او اثنتين…هي موقف شجاع، او روح طيبة، او بداية جديدة او لقاء غير متوقع، هي الكرامة او ربما معزوفة او رقصة. يقولون لك ان السعادة هي ان تجد خبزا و حليبا في الصباح، ان تحمل اسم والدك، ان تشاهد المطر، ان تحصد ارضك، ان تعانق من تحب كيفما كان عرقه او جنسه او دينه، ان تحس بالرياح تداعب شعرك و انت تقود درجاتك، ان تستمع لعبارة شكرًا، ان تقول عذرا، ان تجوب العالم وحدك و انت مقعد، ان يكون ابنك قادرا على الكلام، ان تشفى من مرض، ان يعرف أقاربك أين دفنت، ان تترك اثرا، ان يكون لك بيت، ان تعرف وطنا. تتوقف مجددا و تستعيد أنفاسك مع مشهد فتاة تركب خيلا بريا في مكان ما ،تتبعها صور مهرجان في أمريكا اللاتينية و اخر في الهند. صور التلاحم الممكن تنتزع منك ابتسامة. و تستمر اللوحات من بقاع لم تزرها على إيقاع موسيقى لم تسمعه. اجل واحدة من اهم رسائل هذا الوثائقي أنك تعرف القليل خارج عالمك الصغير لكنك تقضي حياتك في اختزال دائم للاخر. 3 ساعات قال عنها البعض في مهرجان فنيس حيث عرض «Human” انها مملة، قال عنها اخرون انها بدون جدوى. لكن كيف تكون قصة طفلة تبحث عن الحب وهي حاملة لفيروس الإيدز او لاجئ يحلم بروية سور منزله او سجين سامح معذبه قصصا بدون جدوى؟ لماذا لا يخرج السرد عن المألوف بناءا و إيقاعا؟ فيلم “يان ارتوس برتران” يستحق المشاهدة لصدق شهادات 2020 شخصا الذين وقفوا امام الكاميرا ليحكوا ذواتهم و لمهنية فريق أنتج بسينماتوغرافيا راقية وثائقيا استثنائيا عن كل ما فينا من قصص ظلم و  بطولة.