ما زال الرأي العام الوطني يتتبع اخر مستجدات فاجعة منى التي راح ضحيتها العديد من الحجاج من بينهم مغاربة، لكن لحد الآن ما زالت الأرقام مضطربة؛ إذ في كل لحظة ترد أخبار جديدة عن اكتشاف حالة وفاة أخرى أو حالة مفقود ضمن الوفد المغربي للحج.

هذا الوضع خلق نوعا من القلق والاضطراب لدى المواطن المغربي، خاصة لدى ألاف الأسر التي لديها أحد أقاربها في الحج، حيث عاشت منذ ذيوع خبر الفاجعة يوم عيد الأضحى على ايقاع كابوس الانتظار؛ انتظار ما ستحمله الأخبار القادمة من السعودية، خاصة في ظل عدم تواتر بلاغات رسمية من الدولة المغربية تتبع تطورات الفاجعة.

حينما أُعلن الخبر في بدايته، نقلت وسائل الاعلام الرسمية خبر تطمين قادم من السفارة المغربية بالسعودية، يقول أنه لم تسجل أية حالة وفاة في الوفد المغربي، وهو التطمين الذي أسعد العديد من الأسر المغربية التي لها أقارب ضمن وفد الحج المغربي، لكن ما لبث التطمين أن ذاب، وصار كابوسا يقضّ مضجع الأسر المغربية، لا سيما بعد انقطاع التواصل مع بعض الحجاج، كما أن بعض المواقع الالكترونية بدأت تنشر اخبار تشكك في الرواية الرسمية التي تحدثت عن عدم تسجيل أية حالة وفاة..

 تخلف الدولة عن التفاعل مع الرأي العام يعدّ تقصيراً خطيراً قد يدفع المواطن إلى فقدان الثقة في مؤسسات بلاده

بعد ذلك سيرد تقريرٌ لوكالة الانباء الفرنسية حول جنسيات ضحايا حادث منى، وورد في التقرير أن 87 مغربيا كانوا من بين الضحايا، بل اعتبرت الوكالة أن المغرب يعد البلد الثاني من حيث عدد الضحايا بعد ايران، هذا الخبر انتشر كالنار في الهشيم، وقلب مواجع الاسر المغربية بعد التطمين الرسمي الذي كان قد حمل إليهم بشرى عدم تسجيل أي حالة وفاة في صفوف الحجيج المغاربة، ومما زاد الامر اشتعالاً هو فقدان بعض الاسر المغربية التواصل مع أقاربها في الحج، والصمت المطبق الذي تعاملت به الدولة مع هذه المسجدات الواردة حول ضحايا فاجعة منى المغاربة.

في كواليس الصالونات ووسائل الاعلام، تم الحديث عن أن الحكومة ظلت صامتة أمام الفاجعة لاعتبارين: أولا لأن الموضوع متعلق بدولة السعودية التي لها ولملكها علاقات خاصة مع المغرب، ولذلك لابد من الحيطة والحذر من ايراد تصريح قد يغضبُ حكّام السعودية، وثانيا: لأن ملف الحج ليس بيد الحكومة بل تابع للملك مباشرة بصفته أمير المؤمنين، وهو الطرح الذي زكاه تصريح وزير الأوقاف والشؤون الاسلامية نفسه، عندما صرح لوسائل الاعلام أن ملف الحجاج ليست في يد وزارته.

فقبل 10 سنوات، خلال زلزال الحسيمة، تحدثت وسائل الاعلام عن انزال الوزير الاول انذاك “ادريس جطو” من الطائرة التي كانت على أهبة الاقلاع الى الحسيمة، بمبرر أن الملك هو أول من يجب أن يصل الى المواطنين من المسؤولين، وهكذا تم توقيف كل عمليات توزيع الاغذية والخيام على المنكوبين الى أن يصل الملك إلى الحسيمة ويعطي اشارة انطلاق برنامج مساعدة المنكوبين. وما زال المواطنون في الاقليم يتذكرون كيف ظلت الخضر والفواكه واللحوم والأسماك القادمة الى الإقليم، محتجزة في المطار تنتظر وصول الملك من أجل اعطاء اشارة الانطلاق لتوزيعها على المنكوبين، ولكن لأن انتقال الملك الى الحسيمة يستلزم برتوكولا معينا، فسُجل بعض التأخر في وصوله الى الإقليم، حينها كانت أغلب المواد المحجوزة قد تعرضت للتلف وتعفنت، وتم شحنها من جديد في شاحنات للتخلص منها في أماكن بعيدة..

وفيما يخص الاعلان عن أرقام ضحايا الزلزال، وحجم الاضرار التي سُجلّت، كانت أرقام وزارة الداخلية ووسائل الاعلام الرسمية شحيحة جداً، مما حذا بالمواطنين في المنطقة إلى تتبع المواقع الالكترونية والاذاعات الاسبانية، لمعرفة عدد الضحايا وحجم الخسائر، اذ كانت السلطات الاسبانية تعمد الى نشر أخبار محيّنة لحظة بلحظة حول نتائج الزلزال الذي ضرب الاقليم.

نفس الشيء، يتكرر مرة أخرى مع فاجعة منى، ظل المواطنون المغاربة يتسقطون أخبار الضحايا المغاربة عبر وكالات الانباء الاجنبية وبعض المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، بينما مؤسسات الدولة، ووسائل الاعلام الرسمية، أصابها الخرس، فشحّ تواصلها، وتركت المواطنين عرضة للاشاعة والاخبار غير المؤكدة.  

إن تخلف الدولة عن التفاعل مع الرأي العام، وإمداده بالمعطيات المتوفر والمتواترة في كل لحظة، يعدّ تقصيراً خطيراً قد يدفع المواطن إلى فقدان الثقة في مؤسسات بلاده، وهو أيضا دليل واضح على الطريقة التي ينظر بها هؤلاء إلى المواطنين، إنها نظرة الاستخفاف والاستهتار المقدودة من نزعة السيطرة والاستبداد التي تحكم علاقة الدولة بـ “كحل الراس”..