اتفق نشطاء شباب عبر نداء فايسبوكي على تنفيذ وقفة احتجاجية مساء يوم الأربعاء، تنديدية بالإهمال الذي تعرضّ له الحجاج المغاربة في السعودية خلال حادث منى وبعده، مع اقتراب الساعة المتفق عليها للاحتجاج توافد الشباب على الساحة المقابلة لمبنى البرلمان، لكن بمجرّد ما وضعوا أقدامهم هناك، وجدوا رجال الأمن ينتظرونهم بالسبّ والركل والرفس، وتتبع المغاربة وغير المغاربة الفيديوهات التي وثّقت لعملية الاعتداء العنيف الذي تعرّض له النشطاء، كان واضحا أن ثمة نيّة للاساءة والاعتداء، الشباب انسحبوا من مكان الوقفة، بينما كانت العناصر الامنية تلاحقهم بالصفع والركل والكلام النابي (القحبة دينمك)..

كان حظ هؤلاء النشطاء أن وثّقت عدسات بعض الصحافيين لهذا الاعتداء وتم نشره في الجرائد الالكترونية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، فأعلنت مديرية الأمن الوطني أنه تفاعلا مع الفيديو الذي يوثّق للاعتداء تم فتح البحث فيما أسمته “تجاوزاً للتدابير النظامية من قبل أحد رجال الأمن”، كما حاولت المديرية كعادتها تحميل الجزء الأكبر من المسؤولية للنشطاء الذي كانوا يحتجون بكونهم صدرت عنهم استفزازات لم يتملك الشرطي أعصابه أمامها فردّ عليها باستعمال العنف؟؟

طبعا، من حق المديرية أن تقول ما تشاء وأن ترى ما تريد، بيد أن المغاربة أنفسهم شاهدوا بأم أعينهم “الاستفزازات الصاروخية” التي أطلقها النشطاء في وجه العناصر الامنية الودودة والوديعة.

قبل أيام قليلة، كان ملعب طنجة الكبير، على موعد مع مباراة باسم الدورة الثالثة من الدوري المغربي، الذي جمع فريق اتحاد طنجة بالمغرب التطواني، وبعد نهاية المباراة بالتعادل، اتهم بعض مشجعي الفريق الطنجاوي الحكم بالتحيز، وشهد محيط الملعب بعض أعمال الشغب، فتدخلت القوات العمومية لمحاصرته، وانتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يوثّق لعملية مطاردة رهيبة لأحد المراهقين قام بها ما يقارب 30 عنصرا أمنياً، وانهال هؤلاء في مشهد مؤلم على المراهق بالضرب المبرح والركل والرفس بوحشية منقطعة النظير، وفي لحظة حاول هذا الشاب أن يفلت بجلده ويهرب، لكن هيهات تلقفه أحد عناصر القوات العمومية، وتعرض له برجله ليسقط مرة أخرى أرضاً، ليتلقى من جديدة وجبة “علقة ساخنة”، إلى أن خار جسد الشاب، وبدا وكأنه فقد وعيه، انذاك حدث شنآن بين عناصر القوات العمومية؛ بين من كان يريد مواصلة تعذيب الشاب وبين من حاول ايقاف هذا التعذيب حتى لا يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.

ترى هل ستفتح مديرية الامن تحقيقا حول هذا الاعتداء السافر الموثق بالصوت والصورة؟ أم أن المديرية ستتذرع بكونها لم تطلع على الفيديو وستلوذ بحكمة “كم من حاجة قضيناها بتركها”؟ فمن خلال الفيديو يظهر بكل وضوح النية المبيتة للاساءة والاعتداء، أليس بين الثلاثين عنصرا أمنيا ولا واحد فيهم لم يتعرض للاستفزاز ولم يفقد أعصابه؟ كيف قيض لهؤلاء أن يعمدوا إلى استعمال كل ذاك العنف الأهوج؟ هم رجال أمن يفترض أنهم يتوفرون على حد أدنى من احترام حقوق الانسان تماشياً مع ما تقوله الدولة أنها تعمل على تجريم التعذيب واحترام حقوق الانسان؟ أم أن الامر ممنهج، واحترام حقوق الانسان مجرّد حلية تلتجأ إليها الدولة لتزيين وجهها البشع أمام الخارج؟

إن العنف الأهوج من قبل العناصر الامنية هي ممارسة يومية، وليست معزولة في أفراد أو حالات، وما يتعرّض له المعطلون يومياً أمام البرلمان خير دليل، ما ينقص هذه الاعتداءات اليومية هو التوثيق عبر الصوت والصورة لتنتبه مديرية الامن لذلك ربما.

كما أن مديرية الامن حينما قالت أنها تفاعلت مع الفيديو الذي يوثق الاعتداء، تريد أن توهمنا أن التجاوزات التي تقع لا تكون بعلمها، ولذلك بمجرّد اطلاعها على هذا الفيديو سارعت إلى التفاعل معه، لكن الحقيقة أن المديرية لم تتفاعل مع الفيديو، بل أُجربت على التفاعل بسبب التضامن والاستنكار الواسع لهذا الاعتداء الشنيع، وإلاّ فجل التدخلات الامنية تحضر فيها عناصر أمنية تقوم بتصوير كل شيء، ولا يفترض في مديرية مؤتمنة على أمن المغاربة لا تدري طبيعة تدخلات عناصرها إلاّ عبر الفيديوهات التي تنشرها الجرائد الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.

الخلاصة التي تريد مديرية الامن ايهامنا بها هي أن العنف اللفظي والجسدي ليس من صميم عمل عناصرها، وإنما يتعلّق الامر بحالات معزولة، بيد أن الحقيقة تقول أن العنف اللفظي والجسدي قاعدة تحكم جلّ تدخلاتها، قد نكذب أمام الاعلام الدولي، لكن هل يستطعيون الكذب على المغاربة؟ المغاربة يعرفون جيّدا كيف تتدخل العناصر الامنية في حق المتظاهرين والمحتجين سلميا، والمغاربة أيضا يعرفون أن جل الاعتداءات تكون بعلم المديرية والوزارة الوصية، ألم تتدخل القوات العمومية قبل سنتين بشكل عنيف في حق المحتجين على تمتيع البيدوفيل الاسباني بالعفو الملكي؟ حينها قال وزير الداخلية أنه لا علم له بمن أعطى التعليمات لقمع المحتجيين، ووعدت وزارة العدل والداخلية بفتح تحقيق في الموضوع لتحديد المسؤوليات، لكن لحد الآن لا أثر لنتائج التحقيق، و لم يعد أحداً يسأل: من أعطى التعليمات بقمع المحتجيين؟

ليس المطلوب تقديم أكباش فداء، بل يجب أن يتم التعاطي بجدية مع موضوع الأمن في المغرب، فصورة رجل الأمن سيئة جداً، إذ نادرا ما يحس المواطن المغربي إزاءه أنه مصدر الامن والطمأنينة بالنسبة إليه، بل غالبا ما ينظر إليه بوصف مصدر العنف اللفظي والجسدي، وقد كانت الصحفية “زهور باقي” محقة وبليغة حينما كتبت “أخاف الشرطي أكثر مما أخاف الله”، وأظن أن هذا حال العديد من المغاربة. ولذلك ما نحتاجه ليس الاكتفاء بالبحث في حادثة اعتداء الشرطي على النشطاء الذين كانوا ينون الاحتجاج أمام البرلمان، بل يجب اعادة هيكلة هذا الجهاز، وإعادة تكوينه وتوجيهه لاحترام حقوق الانسان، أما سياسة أكباش الفداء فلن تؤدي إلاّ إلى المزيد من القمع مقابل المزيد من النضال والصمود، وأيما دولة تعتمد خيار تخويف المواطنين، بدل دفعهم لاحترام القانون هي دولة بوليسية لن تنفعها كل أقنعة الماكياج المهترئة.

حكاية لها علاقة بما سبق

قبل شهرين كنتُ رفقة ابن أختي ذو الخمس سنوات الذي يعيش بكندا نتجول في أحد شوارع مدينة طنجة، وصادفنا مرور إحدى مجموعات قوات “حذر” أمامنا، توقف ابن أختي ينظر إليهم، وابتسم في وجههم ابتسامة طفولية، فحدجه أحد عناصر المجموعة بنظرة صارمة وكأنه يريد أن يغتال ابتسامة الطفولة فيه، ومضى غير عابئ بالطفل، حينها استدار ابن اختي إليّ قائلا بلغة فرنسية غاضبة ما مفاده:” تفو على بوليس المغرب، في كندا عندما أرمق أحد رجال الشرطة وأبتسم في وجهه؛ يبادلني مثلها وقد يلاطفني ويلاعبني”، صعقتُ أمام كلمات الطفل الصغير، هدأتُ من روعه، وقلتُ له لا عليك، ربما هو متعب من جراء اشتغاله تحت الشمس لمدة طويلة، لكنه تمادى في طرح أسئلة أخرى تملّكني العجز بإزائها، حينها لذتُ بالصمت، وعجزت عن مجاراته في أسئلته، وحاولت أن أدفعه ل”يبدل الساعة بأخرى”. 

* العنوان مأخوذ من رواية للكاتب العراقي شوقي الصوري.