حدثان مؤسفان استوقفاني وأنا أتابع من غربتي القسرية أحوال البلد وأهله. تمزيق زكريا المومني بطل  العالم السابق في رياضة الكيك بوكسينغ جواز سفره المغربي في بث مباشر على قناة تي في 5 الفرنسيّة ، وإضراب الباحث والمؤرخ المعطي منجب عن الطعام احتجاجا على مايتعرض له من تضييق طال شخصه وأسرته. ورغم اختلاف الدوافع والسياقات، فثمة بين الحالتين من القواسم المشتركة ما ينبغي التنبيه اليه. ” الرجل الذي كان يريد مقابلة الملك” ليسترد كرامته وينال حقوقه دفع دفعا للتبرؤ من بلده وقطع الوشائج به بعد أن عيل صبره وأعيته الحيلة وأصابه مَس من اليأس والقنوط، فيما أن الثاني، وهو حقوقي ومناضل أصيل، لم يجد غير معركة الأمعاء الخاوية ليدفع عن نفسه ما نسب له من مزاعم وادعاءات رغم اعتلال صحته. وفي صيف هذا العام ، كان الصحفي علي المرابط قد خاض معركة مماثلة قبالة مقر الأمم المتحدة في جنيف للمطالبة بحقه في تجديد بطاقة هويته وتمكينه من جواز سفر يتيح له حرية التنقل . وفي موازاة ذلك استمر مسلسل التحرش بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان حثيثا لا يتوقف إلا ليبدأ من جديد. 

ولا بأس أيضا من التذكير بواقعة منع السلطات الناشطة الصحراوية أمنياتو حيدر من العودة الى العيون وما استتبع ذلك من إضراب عن الطعام تناقلت وسائل الإعلام يومياته على نطاق واسع ، واستفحال أزمة سياسية بين المغرب والحكومة الإشتراكية في إسبانيا تصدرت تفاصيلها عناوين الصحف والنشرات. 

أيا كان الشخص، والجهة أو الجهات المخولة اتخاذ مثل هذه القرارات، فان الضرر لا يطال إلا صورة المغرب ومشروعه الديموقراطي ( مرة أخرى المختلف بشأنه )

هل يتعلق الأمر يا ترى بسياسة دولة أم بسلوكيات فردية أم كلاهما معا ؟ هل هي اجتهادات شخصية حيث لا مجال للاجتهاد متى وجد النص ؟ هل هي إملاءات وإيحاءات مصدرها أطراف عليا ؟ لا أحد بامكانه المجازفة بالجواب عن هذه التساؤلات المتواترة ما دامت غرفة صناعة القرار مغلقة بإحكام لا ينفذ منها ما يغني عن السؤال. لكن في ظني، أنه أيا كان الشخص، والجهة أو الجهات المخولة اتخاذ مثل هذه القرارات، فان الضرر لا يطال إلا صورة المغرب ومشروعه الديموقراطي ( مرة أخرى المختلف بشأنه ). 

يشجع هذه الرعونة والسلوكات الخرقاء تواطؤ بعض الهيئات المسماة حقوقية ، والأحزاب والنخب أو ما تبقى منها وصمت المثقفين ، من أصحاب الضمائر المستترة، واستقالتهم الجماعية من أدوارهم طوعا لا قسرا. في كل الحالات التي ورد ذكرها كما في غيرها غابت الحكمة والتبصر ، وغيب الحوار الذي يمنع من الانزلاق الى مطب الاستفراد بالرأي ، وطغى التهور والتشنج ، فكان بديهيا أن تخدش صورة البلد في الخارج بما يسقط أي عذر للدفاع عنه أمام الأعداء والأصدقاء على حد سواء ، أو بالأحرى للدفاع عن من كان وراء هذه القرارات المتهورة. ما نفع القضية أن تكون عادلة ( هذا إذا ما سلمنا جدلا بصواب قرار الدولة ووجاهته )  إن كان المحامي سيئا؟ .