منذ سنتين تقريبا أصدرت منظمة دولية تدعى  “Walk Free Foundation”أول تقرير لها لرصد العبودية الحديثة في عدد من دول العالم. كان المغرب من بين هذه البلدان حيث احتلت المملكة الرتبة الـ93 في تقرير “المؤشر العالمي للعبودية”، والذي نشرته المنظمة.

خلص التقرير الى أن حوالي 53 ألف شخص في المغرب “يعيشون في وضعية عبودية في تجلياتها الحديثة” وهو ما وضع البلد في الرتبة الثامنة جهويا ضمن قائمة 19 دولة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ولحسن حظنا، رغم الترتيب السيئ، أن الخبراء اهتموا بمواضيع من قبيل إجبار النساء على الدعارة أو العمل المنزلي والزواج القسري للقاصرات.. دون استعمال مؤشر قياس العبودية لجس مظاهر القسر والقصور داخل الصحافة المغربية وإلا كان ترتيبنا مخجلا وأكثر تقهقرا مما هو عليه.

الحقيقة أن واقع الانغلاق السياسي والتراجع الحقوقي المخيف جعل الصحافة في المغرب، إلا من رحم ربنا، تعيش نوعين من العبودية الأولى “حديثة” تظهر على سحنات صحافيين مقهورين يعملون بأجر زهيد، في ظروف مهنية مزرية، لا يشاركون في اجتماعات هيئات تحرير بل تنزل عليهم التعليمات من فوق كما تنزل الأوامر من قائد فيلق مستبد وعندما يلتقون مدير النشر وأحيانا رئيس التحرير أمام مصعد العمارة ترتعد فرائسهم كمن جره الحظ العاثر للقاء ناكر أو منكر.. هذا النوع من العبودية هو الأقل ضررا فأصحابه لايحتاجون إلا لراتب يحفظ كرامتهم واجتماعات تحرير تعيد الماء لوجوههم ثم طبيب نفسي يواكب جلسات جبر الضرر الفردي والجماعي الذي عاشوه طيلة سنوات من الاستغلال.

أما النوع الثاني من العبودية التي تعيشها بعض الصحافة بالمغرب، وهي الأخطر، فهي العبودية “المختارة” وأصحابها هم ملاك جرائد وأعوانهم المقربون من الوشاة الذين تتم ترقيتهم لمدراء ورؤساء تحرير حيث يعمدون على اقتناء كراسي عالية تعوض قصر قامتهم المهنية ويقطعون مساحات فسيحة لمكاتبهم بزجاج شفاف يعوض ضيق رؤيتهم وظلمة ما يكتبون.

النوع الأخطر من عبودية الصحفيين هي العبودية “المختارة” وأصحابها هم ملاك جرائد وأعوانهم المقربون من الوشاة الذين تتم ترقيتهم لمدراء ورؤساء تحرير

أصحاب العبودية المختارة يهاجمون الاستقلالية ويرسمون المستقلين من السياسيين والأكاديميين والحقوقيين في هيئة المرتبط بالخارج والمتآمر ضد الوطن في افتتاحياتهم ثم يخلطون بين المسؤول السياسي أو المسؤول الأمني والوطن فيصبح انتقاد المسؤول الفاسد عداء للوطن والتمسح بأعتابه إنتماء للوطن.

هؤلاء هم المسؤولون عن مأساة الصحافة ومآساة الصحافيين الذين يعيشون “العبودية الحديثة”، لأنهم ورغم أبهتهم الزائفة فهم عبيد يحتاجون الى عبد أقل شأنا من أجل إعادة إنتاج القهر. هؤلاء هم المسؤولون عن مآساة الوطن لأنهم يبيضون وجه الاستبداد.

هؤلاء أصحاب مصلحة وحاجة وفي جعبتهم كل القواميس.. قاموس يمدح التسلط وآخر مستعد للتغني بأفضال الديمقراطية عندما يتدرحرج المتسلط في سلم الشعوب.

هؤلاء حلفاء للطاغية يوم قوته وألذ أعدائه يوم سقوطه تماما كمال قال “أتين دي لابويسيه” في مقالته الشهيرة: ان الطاغية لا يلقى الحب ابدا فالصداقة جوهر طاهر انها لا تعرف محلا إلا بين الأفاضل ولا تؤخذ إلا بالتقدير المتبادل وليس بإغداق النعم. الصديق  يأمن الى الصديق لإستقامته وضمانته هى صدق طويته وثباته، فلا مكان للصداقة حيث القسوة حيث الخيانه حيث الجود. الأشرار إذا اجتمعوا تآمروا ولم يتزاملوا، لا حب يسود بينهم  وإنما الخشية فما هم بأصدقاء بل هم متواطئون.

انتهى.