.الزمان : سنة صفر

.المكان : العراق 

.القصة : 334 دقيقة من حياة أسرة قبل و بعد الغزو الامريكي 

.الجزء الاول : مشهد انتظار لا ينتهي لهجوم حتمي

.الجزء الثاني : ما نجا و ما لم ينجو من وطن جريح

حين عاد عباس فاضل للعراق، قبيل اندلاع حرب 2003، أراد اكثر من اي شيء اخر ان يكون بجانب أسرته. هو خوف على ذويه من صراع دموي جديد قبل ان يكون إرادة توثيق لحظة فارقة، أنتجت سنوات لاحقا، شريطا وثائقيا استثنائيا عنوانه “وطن…العراق سنة صفر”.

يحكي المخرج قصة أسرته. ترصد الكاميرا بيئة معقدة ببساطة و عمق. مشاهد حياة يومية، دردشات الإخوة ، جلسات الشاي ، قهقهات امام التلفاز.. يحكي عباس فاضل تفاصيل الانتظار، انتظار حرب بعد حصار طويل. ينتهي الجزء الاول بمشاهد القصف الاولى. في قاعة العرض بسيول لم يعرف الجمهور من القصة تلك سوى هذا المشهد على الأرجح. انقضت اكثر من ساعتين لكن القصة لم تنتهي بعد.

نخرج شيئا فشيئا من المشهد الصغير للمشهد الأكبر، بغداد بعد الغزو، صور الفوضى، غضب العراقيين يلتقطها عباس فاضل الذي ترك بلده في سن 18، يلتقطها بشعرية وجمالية عالية. ابتسامة حيدر، شخصية الفيلم الرئيسية، لا تفارق مخيلة المشاهد حتى وان فارق حيدر الحياة في ربيعه الحادي عشر. 5 ساعات تنتصر خلالها الحياة على الحرب والموت و تتبدد معها 30 سنة من صور البروبغندا.

لم يستطع المخرج العراقي اخراج صور قريبه الصغير وتوضيبها الا عشر سنوات فيما بعد. في كوريا الجنوبية و اليابان و نيويورك و أمريكا اللاتينية وعشرات المهرجانات التي عرض فيها”وطن.. العراق سنة صفر” ترك الشريط وقعا عميقا. كتب عنه الكثير، فيلم مواساة، رواية جماعية، قصة يجب ان تحكى وتشاهد.. احسسته اكبر من محاولة كتابة فصل من فصول تاريخ العراق، ابداع اكبر من مجهود توثيق صرف. كأنه محاولة استعادة لحظات انقضت ولن تعود، عراق ما قبل الغزو، صوت حيدر، وكل تلك الأشياء التي افتقدها عباس فاضل في إقامته الفرنسية وأشياء اخرى استعادها خلال إنجاز هذا الوثائقي. حين سئل المخرج عن ما يمثله الشريط له قال ان “وطن…العراق سنة صفر” هو حياته.

اجل كل شيء ذاتي في تصوري، لا شيء موضوعي في الفيلم الوثائقي. أفضل استعارة وصف فريديريك وايزمان مخرج الأفلام الوثائقية الامريكي الشهير الذي استبدل مصطلح “موضوعي” “بعادل”. شريط عباس فاضل لا يعطي دروسا حول حرب 2003 بل يدع المشاهد يكتشف ما يريد من أفكار ومشاعر وصور. في ذلك قدر من العدالة و في ذاتية القصة قدر من العالمية تذوب معها الخلفية المحلية بتعقيداتها لتصبح إبداعا جماليا محضا.