أوصت دراسة حول موضوع “الدفاع من خلال تقنية الفيديو كونفرنس في المغرب: خرق مسطري أم مستقبل المحاكمة الجنائية”، بأن يكون اللجوء لتقنية الفيديو كونفرنس، في كل ما يخص العدالة الجنائية، وعلى الخصوص جلسات محاكمة المتهم عن بعد، محصورًا في حالات استثنائية وبشكل جد ضيق، كأن تقتضي ذلك الالتزامات الأمنية العالية، والحفاظ على النظام العام، وحماية الحق في الحياة وتوفير الأمن للشهود والضحايا، وفي حالة الجرائم الخطيرة جدًا.

ونبهت الدراسة التي أنجزها حاتم أنوار، الباحث في سلك الدكتوراه، بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، والتي نشرت في مجلة كلية القانون بجامعة قطر، لضرورة تقدير كل قضية يتم اللجوء فيها لمثول المتهم عن بعد خلال الجلسة بشكل منفرد، من خلال الوقوف على خطورة التواصل التفاعلي الحضوري على القضية ذاتها، حتى لا يؤدي التباعد بين المتهم والمحكمة للمساس بحقه في محاكمة منصفة.

ومن أجل الحد، ولو جزئيًا، من التأثير السلبي لتقنية الفيديو على تشكيل الانطباعات، أكدت الدراسة على ضرورة اعتماد مقابلة وجهًا لوجه قبل كل تواصل بتقنية المناظرة المرئية، مع ضرورة المثول الشخصي للمتهم أمام القاضي ولو لمرة واحدة على الأقل، إضافة إلى تمكين المتهم من التواصل بحرية وفي ظل سرية تامة مع محاميه قبل انطلاق الجلسة وخلالها، إن اقتضت الضرورة ذلك.

وأبرزت الدراسة ضرورة وضع نظام يحدد شروط اللجوء لتقنية الفيديو كونفرنس، ويضع معايير عامة لجودة التكنولوجيا المتطلبة لبداية الجلسة، مع تحديد الشروط التقنية المتطلبة لرفع الجلسة في حال كان الصورة، أو الصوت غير واضحين، وفي حال حصول قطع على مستوى الربط بالإنترنت. وركزت الدراسة على أهمية توسيع الأبحاث حول تأثير تقنية الفيديو كونفرنس على المحاكمة الجنائية.

الدراسة تأتي في سياق مقاربة مختلف الانشغالات القانونية والقضائية التي تطرحها تقنية الفيديو كونفرنس المستعملة في جلسات المحاكمة عن بعد، والتي اعتمدها المغرب، شأنه شأن العديد من الدول، خلال فترة الإغلاق الصحي، وذلك بهدف التأسيس المتين والواضح لأي قرار يهم التخلي عن الجلسات التقليدية، والتوجه مستقبلا، بشكل مباشر، نحو الجلسات عن بعد.

واعتمد الباحث في هذه الدراسة على منهج تحليلي، يستند بالأساس على تحليل نتائج دراسات حول تأثير الفيديو كونفرنس، أنجزت في العديد من المجالات العلمية، وعلى ملاحظة واقع استخدام هذه التقنية في المحاكم المغربية، في محاولة للإحاطة الشاملة بالأثر الذي يحدثه هذا الواقع على المحاكمة.

وخلصت الدراسة إلى عجز تقنية الفيديوكونفرنس عن نقل صورة محايدة وشفافة للمتهم الماثل عن بعد، وهو ما يؤثر على حقه في دفاع فاعل وملموس. أكثر من ذلك، تسهم التقنية الأخيرة في إضعاف المبادئ الأساسية للمحاكمة وعلى رأسها الحضور والمشافهة، وهو ما ينعكس سلبًا على عدالة وإنصاف المحاكمة الجنائية.

وأبرزت الدراسة على أن المحاكمة بتقنية الفيديو كونفرونس تسهم في خلق مسافات جديدة وعراقيل من نوع آخر، تؤثر على حرية التفاعل التواصلي، وتضيف للتباعد الجسدي بين المتهم والمحكمة أنواعًا أخرى من التباعد، يكون لها تأثيرها المحدد على قرار المحكمة؛ تباعد تواصلي، تفاعلي، نفسي، إنساني.

وكشفت الدراسة أن تقنية الفيديو كونفرنس، والتكنولوجيا بشكل عام، تبقى غير شفافة وغير محايدة؛ إذ تمارس تأثيرها على تشكيل، وتدبير واستهلاك الصورة القضائية، وعلى الدور المفترض في القاضي، وعلى التصور العام الذي يتشكل لديه عن المتهم، كما تطرح إشكالاً مرتبطًا بشرعية المحكمة.

وأضاف الباحث أن تأثير التكنولوجيا يطاول جوهر الحق المكرس قانونًا، ويعدل من الجينات التكوينية لنواته، وهو ما يدفع نحو نشوء روابط جديدة بين المتقاضي، المؤسسة القضائية وبين القانون، إذ تبقى إجراءات قضائية أساسية من قبيل متابعة سلوك الفاعلين، مراقبة الإجراءات، ضمان محاكمة منصفة، الشهادة، كلها خاضعة للتحول والتغير في حال تم القيام بها باستخدام تقنية الفيديو كونفرنس، كما أن قدرة القاضي على المراقبة المباشرة وعلى تدبير قاعة جلسات المحاكمة عن بعد تضعف، وكلها تأثيرات تحدث تغييرًا على دور القاضي وعلى صورته.

وأوضح الباحث أن استخدام تقنية المناظرة المرئية خلال جلسات المحاكمة يؤدي إلى خلق ونشوء توازنات جديدة، يتم من خلالها تكريس تفوق النيابة العامة الحاضرة بشكل شخصي خلال الجلسة، ومزيد من الإضعاف للمتهم ـ الهش من الأصل – الماثل عن بعد، مضيفا أن جلسات محاكمة المتهم عن بعد تمارس تأثيرها على صورة المحكمة والعدالة بشكل عام، وهو ما يؤثر بشكل خاص على مشروعية المحكمة كمؤسسة، سواء في نظر المتقاضي، أو لدى عموم الناس.