الخبير محمد براو يكتب: المغرب أمام تحديات مكافحة الفساد.. إطار مفاهيمي وتحليل تقييمي (3/2)
يعلن الخطاب الرسمي أن الدولة تتوفر على الإرادة السياسية لمحاربة الفساد
تنويه: ينشر موقع “لكم “ هذه المقالة العلمية على حلقات، بالاشتراك مع المجلة الاكاديمية المغربية المحكمة “مجلة التدبير والرقابة على المال العام”، التي يديرها الخبير الدولي والباحث الدكتور محمد براو، والتي ستنشرها كاملة في عددها الثاني الذي سيصدر خلال الاسابيع القليلة المقبلة.
ثالثا: النتائج والمناقشة
المعركة المغربية مع الفساد والدروس المستفادة
جاء في بلاغ للديوان الملكي حسب قصاصة لوكالة المغرب العربي للأنباء بتاريخ 24 أكتوبر 2022 أن الملك قد عين أعضاء المجلس الوطنيللهيئة الوطنية للنزاهة ، وذكر بلاغ للهيئةالمذكورةصدر بتاريخ فاتح نونبر 2022 أن رئيس الهيئة، أشار خلال الاجتماع الأول لها، إلى أن استكمال هياكل الهيئة يشكل، حسبما جاء في بلاغ الديوان الملكي، “خطوة هامة ستمكن الهيئة من ممارسة مهامها واختصاصاتها الدستورية”. جاء ذلك بعد أربع سنوات على التعيين الملكي للرئيس الجديد للهيئة (13 ديسمبر 2018)، وبعد أكثر من أحد عشر سنة من النص عليها في دستور 2011 وبعد أكثر من ست سنوات على إطلاق الحكومة المغربية السابقة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد. تلك الاستراتيجية، التي تمتد على مدى 10 سنوات (2015-2025)وتستهدف جعــل الفســاد فــي منحــى تنازلــي إلى حدود النصف؛ وتحســين ترتيب المغرب فــي التصنيفــات الدولية المتعلقة بهذا المجال أملا في تعزيز ثقة المواطنين من جهة، وثقة المجتمع الدولي في المغرب بوصفه بلدا مستقرا، غير متسامح مع الفساد من جهة أخرى. ولكن بالرغم من الوقع الإيجابي لإطلاق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وبالرغم من وجود خطاب ونوايا سياسية سابقة ومعبر عنها باستمرار ومن تشديد الخطاب الرسمي على الجهود المبذولة والبرامج المسطرة والإجراءات المتخذة على كافة المستويات السياسية والقانونية والإدارية، والتي شرع فيها منذ الرسالة الملكية الموجهة للمشاركين في الندوة الوطنية حول دعم الأخلاقيات بالمرفق العمومي المنعقدة بتاريخ 29 أكتوبر 1999، فإن معدلات الفساد في المغرب لم تتراجع. وسجلت حصيلة المغرب في المؤشرات العالمية للفساد جمودا مزمنا بل شهدت تراجعا جديدا في آخر تصنيف لمنظمة الشفافية الدولية أعلن عنه بداية سنة 2023. وهو ما يعكس الطابع المنهجي و”الممأسس” للفساد في الحياة العامة المغربية.
والأمر كذلك، لأن القائمين على سياسات مكافحة الفساد بالمغرب لم يستثمروا بشكل ناجع ومنتج المناخ السياسي الملائم في أعقاب دستور 2011، ومن حالة التعبئة الوطنية ضد الفساد التي تمخضت عن تفاعلات الحراك الشعبي. وظلت تلك السياسات تشكو من غياب رؤية استراتيجية عملية وبعيدة المدى، مجسدة في خارطة طريق محددة الأهداف والمواقيت. وقد تجلى ذلك في تأخر إطلاق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي لم يعلن عنها إلا في نهاية عهد حكومة عبد الإله بنكيران (2016-2017)، ولم يشرع في تنفيذها عمليا إلا في سنة 2018، بعد أن تسلم خلفه سعد الدين العثماني رئاسة الحكومة، وقد تم الشروع في تنفيذ تلك الاستراتيجية في ظل الجمود العملي للأداتين المؤسساتيتين الرئيسيتين المفترض فيهما تتبع ومواكبة هذا التنفيذ ألا وهما الهيئة الوطنية للنزاهة بالدرجة الأولى ومجلس المنافسة بالدرجة الثانية، لكن المجلس الاعلى للحسابات هو الذي بقي وحيدا في الساحة وقد انضم إليه كل من وسيط المملكة الذي برز خلال السنتين الأخيرتين.(راجع توصياته بخصوص الجدل حول امتحان المحاماة في محور مرصد الحياة القانونية والمؤسساتية من هذا العدد: ملاحظة هيئة التحرير) وكذا مجلس المنافسة إلى حد ما (تنظر توصياته حول مدى احترام المنافسة في الأداءات الإلكترونية البنكية في مجور مرصد الحياة القانونية والمؤسساتية ممن القسم الفرنسي من هذا العدد: ملاحظة هيئة التحرير ).
مؤشرات الوجود الرمزي للإرادة السياسية
يعلن الخطاب الرسمي أن الدولة تتوفر على الإرادة السياسية لمحاربة الفساد، ويستشهد على ذلك بمضامين الخطب الملكية، والمصادقة على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد؛ ومراجعة الدستور سنة 2011 متضمنا عدة مبادئ ومؤسسات يمكنها تشكيل ما يطلق عليه الإطار المؤسساتي للنظام الوطني للنزاهة؛ والتصريحات والبرامج الحكومية، ومجموعة من الإجراءات التقنية، فضلا عن ترسانة من القوانين. ومع ذلك تعترف الدوائر الرسمية المغربية بصعوبة التقدم العملي ومحدودية النتائج قياسا مع الطموحات.
المصادقة والنشر في الجريدة الرسمية للاتفاقية الإفريقية لمنع الفساد ومكافحته، ومن ضمن مقتضياتها تجريم الإثراء غير المشروع. (المصدر: الجريدة الرسمية عدد 16 بتاريخ 7 مارس 2023).
صحيح، لقد مثل خطاب العرش بتاريخ 29 يوليو 2017، الذي دعا فيه الملك إلى التفعيل الصارم لمبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة”،.نقطة تحول رمزية ومنعطفا سياسيا بارزا في اتجاهالعناية بملف مكافحة الفساد، وهكذا وعلى إثر ذلك الخطاب، تم إعفاء عدد من الوزراء والمسؤولين السامينبوزارة الداخلية فيما عرف بملف “برنامج الحسيمة منارة المتوسط”. ويمكن وصف المقاربة التي تم اعتمادها في تنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة بشأن ملف “برنامج الحسيمة منارة المتوسط” بأنها مقاربة مبنية على إعطاء القدوة أو تقديم المثال من أعلى إلى أسفل. ثم أعاد الملك محمد السادس بتاريخ فاتح يوليوز 2018 التأكيد على أن محاربة الفساد ينبغي أن توضع في صميم الأولويات، طالما أنه يشكل أكبر عقبة تعيق جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحد من طموح الشباب من خلال رسالة موجهة إلى القمة الـ 31 للاتحاد الإفريقي، قائلا ما نصه: “الفساد يساهم في الانحراف بقواعد الممارسة الديمقراطية، وفي تقويض سيادة الحق والقانون؛ كما يؤدي إلى تردي جودة العيش، وتفشي الجريمة المنظمة، وانعدام الأمن والإرهاب.
أما الحكومة المغربية فقد عملت على عهد عبد الإله بنكيران، على اتخاذ مجموعة من القوانين التشريعية والقرارات التنظيمية، فتم إحداث الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، التي حلت محل الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة؛ حيث تعززت استقلالية الهيئة واتسعت صلاحياتها لتشمل التحقيق والزجر، وتم تجديد الإطار المؤسساتي لمجلس المنافسة، الذي بات يتوفر على صلاحيات واسعة وتقريرية، بعد أن تمت دسترته على غرار هيئة النزاهة؛ وتم تكليفه بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة. وقامت الحكومة بمراجعة النص القانوني المنظم للصفقات العمومية، بإدخال مجموعة من التعديلات الكفيلة بضمان المزيد من الشفافية وتكافؤ الفرص. ومن جهة أخرى تم تفعيل مجموعة من القوانين التي تتوخى محاصرة الفساد؛ كقانون مكافحة غسل الأموال وقانون التصريح الإجباري بالممتلكات وقانون حماية الضحايا والمبلغين والشهود. وتم الشروع في إصلاح القضاء وتخليق منظومة العدالة، وتحديث الإدارة القضائية.
شواهد وأسبابتعثر سياسات مكافحة الفساد
رغم كل الترسانة القانونية والمنظومة المؤسساتية وحزمة الإجراءات التي اتخذتها الجهات المختصة، فإن الفساد مازال مستشريا بالمغرب، مخلفا آثارا وخيمة اقتصادية واجتماعية ومعنوية على مستوى صورة المغرب. إذ تقدر الخسائر بما يتراوح بين 5% و7% من الناتج الداخلي الخام، وذلك بإقرار رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني نفسه (جريدة الشرق الأوسط، 29 يوليو 2018، رقم العدد 14488).أي ما لا يقل عن ربع ميزانية الدولة وثلاث مرات ميزانية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. كما شكلت وما تزال موجات الاحتجاجات والتوترات الاجتماعية التي عرفها المغرب خلال السنوات الأخيرة وما تفتأ تظهر بين الفينة والأخرى، صدى لعدم الرضا الشعبي بخصوص نزاهة وحسن تدبير الشأن العام بالمغرب. وتؤكد ذلك مجموعة من التقارير الصادرة عن المنظمات الوطنية والدولية وعلى رأسها منظمة ترانسبرانسي الدولية؛ وبحسب آخر تقرير للمنظمة المذكورة صدر سنة 2023، ويهم سنة 2022، سجل المغرب على نتيجة تراجعية جديدة بحصوله على 38 نقطة فقط وجاء في المرتبة ال 94 بين دول العالم المعتمدة في مؤشر إدراك الفساد.
تطور مؤشر إدراك الفساد في المغرب ما بين 2012 و2022
يطرح الترتيب المتدني للمغرب على مستوى مؤشرإدراك الفساد سؤالا رئيسيا بشأن مدى فعالية ونجاعة السياسات التي تم اتباعها في الماضي، وكذا بشأن جدية الإرادة السياسية في محاربة الفساد في المغرب. فالاستراتيجية التي اتبعتها الدولة حتى الآن، تتسم بالسير وفق إيقاع بطيء وبكونها تقوم على التحسيس الفوقي والزجر المناسباتي أو الانتقائي.
بشكل عام، يمكن تحديد عوامل عدم نجاح الاستراتيجية التي اتبعتها الدولة في مكافحة الفساد في العناصر الثلاثة التالية:
1- صعوبة التفعيل العملي للإرادة السياسية المعلنة
2- ضعف تمثل معايير الاستقلال والفعالية والشفافية والمسؤولية من قبل أجهزة الحكامة ومكافحة الفساد؛
3- نقص الموارد وضعف القدرات
1- صعوبة التفعيل العملي للإرادة السياسية المعلنة
تعترض المسار التنفيذي لاستراتيجية الدولة في محاربة الفساد معيقات سياسية بنيوية تعود بشكل أساسي إلى البطء في تفعيل المؤسسات المختصة بمكافحة الفساد وإلى تقاعس وأحيانا اعتراض الأحزاب السياسية في الانخراط فيها ، وإلى غياب التوافق السياسي بشأن أولوية مكافحة الفساد، كما ظهر ذلك واضحا من خلال التعامل الحزبي البرلماني مع مشروع قانون الإثراء غير المشروع.
البطء في تفعيل مؤسسات الحكامة ومكافحة الفساد : إن من تمظهرات جدية الإرادة السياسية سرعة تفعيل مؤسسات الحكامة ومكافحة الفساد، لكن كما سبقت الملاحظة فالهيئة الوطنية للنزاهة المفترض فيها حمل لواء المعركة هي عمليا كانت مجمدة حتى كتابة هذه السطور، بحيث لم يملأ شغور منصب رئيسها إلا في شهر ديسمبر 2018. وتركيبتها لم تكتمل حتى نهاية العام 2022، وذلك على الرغم من دخول قانونها الجديد نظريا حيز التنفيذ. كما أن المقتضيات النهائية لقانونها الأساسي الجديد هي مقتضيات غير كافية فيما يخص سلطات الهيئة وقدراتها على النهوض الفعال بمهمة مكافحة الفساد، حيث سجل فارق واسع بين الصيغة الطموحة للنص الدستوري والصيغة المحتشمة للنص القانوني. وأما مجلس المنافسة، فهو بدوره مجمد وقانونه الجديد غير مفعل، ولم يتم تعيين رئيس جديد له إلا في شهر نونبر 2018، ولم يصدر أي تقرير خلال الفترة المتراوحة بين سنة 2014 وسنة 2021،. بينما كان وجود ودور مجلس المنافسة مطلوبا بإلحاح في سياق تفاعلات ظاهرة المقاطعة لبعض الشركات وكذا خلال الجدل والانتقادات الموجهة للحكومة بخصوص “التعامل الانتهازي” مع ملف أسعار المحروقات. لم يشتغل عمليا إلا مؤخرا ولاسيما بعد صدور قانونه الجديد في نهاية سنة 2021.كما أن جهاز القضاء مازال في طور إعادة البناء والإصلاح والتحديث، وهو يشكو بدوره من ضعف الموارد البشرية ويمر بمرحلة انتقالية يطبعها الارتباك والضبابية على مستوى حكامته الاستراتيجية والإدارية والمالية خصوصا لجهة العلاقة مع وزارة العدل… ولكل ذلك، لم يكن من قبيل المفاجأة أن يؤكد آخر تقرير لمنظمة ترانسبرانسي الدولية نشر في بداية سنة 2023 أن المغرب مازال ضمن الدول التي تعاني من جمود “مزمن” في مؤشر إدراك الفساد بل وقد تراجعالقهقرى على نحو كبير خلال سنة 2022 أي في عهد حكومة رجل الأعمال عزيز أخنوش (ينظر الجدول أعلاه).
الخبير محمد براو يكتب: المغرب أمام تحديات مكافحة الفساد.. إطار مفاهيمي وتحليل تقييمي (3/1)
وقد كان من الطبيعي والحالة هذه، أن ينتج عن هذه التعثرات المؤسساتية اهتزاز للثقة الوطنية والدولية في قدرة المغرب على خوض معركة مكافحة الفساد، حيث يبدو للمراقبين والمهتمين كمن يقوم بخطوات يغلب عليها الطابع الرمزي، هذا مع العلم أن كسب رهان التغلب على الفساد رهين بتوفر أسلحة استراتيجية ثلاثة وهي: الإرادة السياسية الجادة المفعلة من خلال إعداد الشروط المؤسساتية المناسبة ورصد الموارد الكافية وتكوين القدرات المهنية اللازمة.فضلا عن التنسيق والتعاون بين جميع المؤسسات والجهات المعنية.
مقاومة الأحزاب السياسية: منذ أن بدأ المجلس الأعلى للحسابات بنشر تقاريره الرقابية، هاجمت بعض الأحزاب السياسية الحاكمة والمعارضة على حد سواء المجلس متهمة إياه بتجاوز اختصاصاته وبسلوك نهج الانتقائية في الرقابة والمحاسبة… فعبد الحميد شباط الأمين العام السابق لحزب الاستقلال سبق له منذ سنة 2008 أن وصم في تصريح مثير قضاة المجلس الجهوي للحسابات بفاس بالإرهابيين .فيما عبر الناطق الرسمي لنفس الحزب سنة 2014 عن موقف يتهم المجلس بتجاوز اختصاصاته والتدخل في الشأن السياسي على خلفية الانزلاقات التي كشفها المجلس في تدبير قطاع الأدوية في عهد الوزيرة الاستقلالية ياسمينة بادو ،وكان حزب الاتحاد الاشتراكي سنة 2012 قد طرح سؤالا برلمانيا لوزير العدل بخصوص ما أسماه “الانتقائية في الملفات المعروضة على القضاء، والسرعة في البت في بعضها دون الأخرى”، وذلك على خلفية اعتقال القيادي في الحزب خالد عليوة بشأن الانزلاقات المسجلة في تدبيره الإداري والمالي لمؤسسة القرض العقاري والسياحي .كما دعا حزب العدالة والتنمية المجلس الأعلى للحسابات إلى اعتماد إستراتيجية واضحة في المراقبة، وأعاد الكرة نفس الحزب خلال شهر ديسمبر 2018 متهما رئيس المجلس بالتقييم السياسي لعمل الحكومة. على خلفية الانتقادات التي تضمنها عرضه السنوي أمام البرلمان، والتي همت سياسات الحكومة في تدبير المديونية والقطاع الاجتماعي. وفي مستوى آخر تحول موضوع مكافحة الفساد إلى موضوع للمزايدات بين الأحزاب السياسية: ففريق الأصالة والمعاصرة عندما كان الحزب الأول في المعارضة، اعتبر أن فشل سياسات مكافحة الفساد هو فشل تتحمله الحكومة وحدها وأحزابها، وأن “الإرادة الحقيقية غير موجودة لديها لمحاربة الفساد”، مذكرا بأن رئيس الحكومة السابق عبد الإله ابن كيران (2012-2017) سبق له أن صرح أكثر من مرة بأن الفساد يحاربه، وليس هو الذي يحارب الفساد، كما أنه أشهر الراية البيضاء تجاه الفساد . وقد كان لمقولة عفا الله عما سلف التي أدلى بها رئيس الحكومة الأسبق في حوار مع قناة الجزيرة سنة 2012، صدى سلبيا وخلفت موجة من الانتقادات والشكوك حول قدرة الحكومة ورغبتها الفعلية في تحويل التعهدات إلى سياسات عملية ناجعة.
البرلمان حليف أم خصم للمجلس الاعلى للحسابات؟ : المفترض بداهة أن البرلمان والمجلس الاعلى للحسابات هما في جبهة واحدة وهي الرقابة والمساءلة على المال العام، لكن مناسبة هذا السؤال هو الهجوم الحاد الذي شنه رئيس مجلس النواب الطالبي العلمي، في منتصف سنة 2023، على طريقة عمل المجلس وكيفية صياغة تقاريره، وهو ما يشكل مساسا فاضحا بسمعة المجلس من مؤسسة تشريعية تعتبر من ذوي القربى، و تعديا على استقلال المجلس وخدشا في هيبته، أمام الجمهور والأطراف المعنية صاحبة المصلحة في التعامل مع المجلس الأعلى للحسابات. مما قد يفضي في نهاية المطاف إلى عرقلة عمل المجلس والحد من فعاليته، وهو ما سيصب في طاحونة الجبهة المتحدة ضد جهود مكافحة الفساد ! تلك الجبهة “التي….تريد من المجلس الأعلى للحسابات أن (…) يضيف المساحيق للحصيلة الفاشلة لبعض الأطراف، من خلال التطبيل والتصفيق والتطبيع مع الفساد والمفسدين”. (ينظر مقال : رشيد الطالبي العلمي يهاجم المجلس الأعلى الحسابات ويظهر حساسية مفرطة اتجاه تقاريره . ومما ينبغي الإشارة إليه هنا أن المعني بالأمر، ووعيا منه ففداحة الضرر الناجم عن تصريحه وعن الخلط الذي وقع له بين مهمته المؤسساتية وانتمائه الحزبي، اضطر أو تم دفعه إلى التراجع عنه وتقديم اعتذار ضمني في مقابلة خاصة أجريت على عجل مع موقع 360 العربي بتاريخ 26 يونيو 2023، قائلا: “المجلس الاعلى للحسابات يعمل حسب ضوابطه ومهماته ويجب احترام المؤسسات !”.
(يتبع..)
*دكتور دولة في الحقوق، خبير دولي في الحكامة ومكافحة الفساد، وباحث مشارك بمركز أبحاث القانون وآفاق القانون بجامعة ليل (فرنسا)