تحقـيـق: قصة "الخلل العقلي" لعمدة الرباط ما بين الحقيقة و"البولميك" السياسي
محمد الصديقي عمدة الرباط في مواجهة الباتول الداودي رئيسة فريق مستشاري "البام" بمجلس المدينة - أرشيف
احتدمت حرب اعلامية بين عمدة العاصمة المغربية، الرباط، القيادي في حزب “العدالة والتنمية”، محمد صديقي، ومستشاري حزب “الأصالة والمعاصرة”، بمجلس المدينة، حول ما عُرف إعلاميا بـ “شهادة الخلل العقلي” لعمدة الرباط.
وينطلق هذا الاستقصاء من مشهدين رئيسيين، الأول بدأ مع إستنفار مستشاري حزب “الاصالة والمعاصرة” (معارضة) في مجلس مدينة الرباط، مدعومين سياسيا ومعنويا من لدن قيادة الحزب، في الحديث عن وجود شهادة طبية تفيد بـ”وجود خلل عقلي”، لعمدة الـرباط، كان قد تقدم بها لإدارة شركة “فيوليا-ريضال” (خاصة)، الموزعة للماء والكهرباء في العاصمة، حيث كان يعمل مهندسا مسؤولا، لإظهار عجزه العقلي، واستفادته من التقاعد المبكر، مع الاستفادة من التعويض على العجز، الذي قدروه مستشارو “البام” بـ100 مليون سنتيم.
وبذلك، يطالبون سلطات الداخلية، بـ”ضرورة التدخل للتحقيق في الشهادة الطبية التي تفيد عدم قدرة العمدة على تسيير مجلس المدينة..”، تمهيدا لإزاحته.
المشهد الثاني، يظهر من خروج عمدة الرباط، محمد صديقي، في بلاغ موقع باسمه، نشرته البوابة الرقمية لحزب “العدالة والتنمية”، ينفي فيه إدلائه بأي شهادة طبية، في إطار مسطرة مغادرته لشركة “فيوليا -ريضال”، لا، بل وكرر الخروج في تصريحين متتاليين، ينفي فيهما “مزاعم” شهادة “الخلل العقلي”، التي يستخدمها مستشاري “البام”، لسحب بساط رئاسة مجلس الرباط، من تحت أقدامه.
وبذلك، قرر محمد صديقي، عشية يوم الثلاثاء 23 فبراير الجاري، الذهاب إلى القضاء، بعد أن استفحلت الشكوك وراء “قدراته العقلية”، وإخراج نفسه من الزاوية التي حُشر فيها.
أبطال حكاية “الخلل العقلي”
إستقصاء موقع “لكم”، حول ملابسات حكاية شهادة “الخلل العقلي”، توقف على مجموعة من المصادر غير المتطابقة، منها المستقلة، والحزبية، التي كشفت النقاب عن ثلاثة “أبطال” لهذه القضية.
الأول، التحق بشركة “ريضال” عقب تخرجه من “المدرسة المحمدية للمهندسين” بالرباط، في شتنبر 1985، ليتدرج في سلم المسؤوليات الادارية داخل الشركة، بدءا من مدير قسم الهندسة المدنية، ومرورا برئاسة مديرية الاستثمارات الهيدرو-مائية، ووصولا إلى رئاسة مديرية اللوجستيك والممتلكات، بالشركة، قبل أن يخرج من الشركة، في إطار ما سماه بـ”المغادرة الطوعية” بعد 28 سنة من العمل بها، في يونيو 2012، لينتقل عقبها مباشرة للاشتغال في ديوان وزير النقل والتجهيز، وزميله في الحزب، عزيز رباح، قبل أن توصله انتخابات رابع شتنبر الماضية، لكرسي عمودية العاصمة الرباط، هو محمد صديقي (56 سنة).
الطرف الثاني، هم مستشاري حزب “الأصالة والمعاصرة”، في مجلس الرباط، الذين يدفعون بدعم من قيادة حزبهم، في اتجاه التحقيق في “القدرات العقلية والذهنية”، لغريمهم عمدة المدينة، محمد صديقي، وتترأسهم المستشارة في ديوان حكيم بنشماس، رئيس مجلس المستشارين، الباتول الداودي (1974 بطانطان).
الطرف الثالث، هو إطار سابق في شركة “فيوليا – ريضال”، استفاد هو الآخر من “المغادرة الطوعية”، قبل أن يعين على رأس مكتب التتبع لمدى احترام شركة “ريضال” لدفتر تحملاتها، اسمه، منصف بربيش، ويعمل تحت سلطة رئيس الجهة المفوضة، عمدة الرباط، محمد صديقي، من أجل تتبع بنود العقد المبرم بين مجلس المدينة، وشركة “ريضال” التي يتقاضى منها راتبه وفي نفس الوقت مطلوب منه مراقبة مدى احترامها لعقودها مع مجلس المدينة ! فما محل منصف بربيش من حكاية شهادة “الخلل العقلي” ؟
المعطيات التي حصل عليها موقع “لكم”، تفيد أن الرجل بصفته رئيسا منتدبا من قبل الجهة المُفوضة لـشركة “ريضال”، بعث في يناير 2016 الماضي، للرئيس الجديد للسلطة المُفوضة، عمدة المدينة، محمد صديقي، رسالة، يطالبه فيها بإستفسار “ريضال” عن سبب إحالتها دفعة واحدة 90 موظفا على التقاعد المبكر، مع التعويض على العجز (60 منهم تم التخلي عنهم بدعوى أنهم يعانون من عجز جسدي والبقية يعانون من عجز عقلي..)، وهي القائمة المتضمنة لإسم عمدة الرباط، محمد صديقي، كما عاين ذلك موقع “لكم”، ضمن المستندات التي حصل عليها.
وبذلك، تفيد معلومات “لكم”، أن رسالة منصف بربيش، “أحرجت عمدة المدينة، محمد صديقي، الأمر الذي عجل بإقالته”.
“بوليميك” سياسي.. الغالب والمغلوب
التسخينات التي يقودها مستشاري حزب “الاصالة والمعاصرة”، بمجلس مدينة الرباط، حول موضوع شهادة “الخلل العقلي”، وكذا الضغوطات التي بدت تمارسها قيادة الحزب، رسميا، على وزارة الداخلية، من أجل التدخل للتحقيق في شهادة “الخلل العقلي” لعمدة الرباط.. كلها معطيات لا تخرج عن كونها مجرد “بوليميك” سياسي، من صميم وظيفة طبيعية لحزب سياسي، يتواجد في موقع المعارضة، لم يتقبل بعد خسارته لثلاث مقاطعات في العاصمة الرباط، عقب انتخابات رابع شتنبر الماضية.
وبالمقابل، اعترفت مصادر قيادية في حزب “العدالة والتنمية” لموقع “لكم”، كون قضية شهادة “الخلل العقلي”، لن تضر قيادي الحزب، عمدة الرباط، محمد صديقي، بقدر ما ستسبب ضررا ومشكلا سياسيا للحزب على مستوى الرباط، في انتخابات سابع أكتوبر المقبلة.
وبذلك، يكون سعي حزب “الاصالة المعاصرة”، هو أن يحقق “انتصارا سياسيا” على غريمه حزب “العدالة والتنمية”، بوسيلة مستشاريه الجماعيين، بمجلس الرباط، في قضية التشكيك في “القدرات العقلية” لقيادي، يترأس عمودية العاصمة، طالما قدمه “البيجيدي” كأحد أطره الدهاة.
شهادة “الخلل العقلي” وحصر العمدة في الزاوية
استطاع حزب “الاصالة والمعاصرة”، إعلاميا وسياسيا، عبر مستشاريه الجماعيين، حصر عمدة المدينة، محمد صديقي، في زاوية ضيقة، بعد إدعاء توفره على شهادة طبية تشهد على “خلله العقلي”، وهي الشهادة التي أقنع بها محمد صديقي إدارة شركة “ريضال”، لـ”إحالته على التقاعد المبكر، مع التعويض على العجز العقلي”، كما تورد دفوعات مستشاري “البام”.
الضلع الأخر للزاوية الضيقة، يكمن حسب ما أوردته معطيات حصل موقع “لكم”، عليها، في تموقع محمد صديقي، في وضع حرج، فمن جهة، يعتمد مستشاري “البام” على وثائق رسمية لـ”ريضال”، في تشكيكهم في “قدراته العقلية”، ومن جهة أخرى، يتحاشى محمد صديقي الدخول في مواجهة مع شركة “ريضال”، التي كان أحد كبار مسؤوليها، علاوة، على ترأسه عقب انتخابه عمدة للرباط، للسلطة المُفوّضة لها !
رد العمدة
إلتقى موقع “لكم”، عمدة الرباط، محمد صديقي، لإستفساره عما صكه غرمائه في حقه من اتهامات، ومعرفة وجهة نظره في موضوع شهادة “خلله العقلي”، و”صفقة” مغادرته شركة “ريضال” في وقت مبكر ..
وفي لقاء بدا فيه العمدة، محمد صديقي، يتحدث بميزاج هادئ، وبلغة الواثق من نفسه، كونه “لم يسبق له قط أن تسلم أي شهادة طبية عن صحته الذهنية العقلية”، وأكد بالقول :”طيلة 56 سنة من حياتي، لم يسبق لي أن زرت عيادة طبيب نفساني، او تسلمت شهاته بأي حال من الأحوال..”، لكن كيف وصلت هذه الشهادة الطبية، لمستشاري “البام” بما أنهم يقولون إنهم يتوفرون عليها ؟
جواب العمدة محمد صديقي كان كالتالي :”ما يمكنني أن أؤكده لكم هو ما أعرفه عن نفسي.. هذه الشهادة لا علم لي بها، ولا أعرف الجهات التي فبركت وصنعت شهادة طبية تقول اني مختل ذهنيا ! ولذلك إتجهت صوب القضاء لكشف الجهات التي تقف وراء تشويه سمعتي الشخصية..”.
“ريضال” : عمدة الرباط مستفيد من الـ”Réforme”
تشير وثائق حصل موقع “لكم”، عليها من لدن مسؤولين بـ”ريضال”، أن الأخيرة أقدمت في مستهل صيف 2012 على إحالة 90 موظفا بها، من بينهم، عمدة الرباط حاليا، محمد صديقي، على التقاعد المبكر، مع التعويض على العجز (Réforme).
وتؤكد شركة “ريضال”، في إحدى مراسلاتها، كما عاين ذلك موقع “لكم”، صحة إحالة 90 موظفا على التقاعد المبكر، دفعة واحدة، ولأول مرة في تاريخها، مع التعويض عن العجز، وبررت في نفس المراسلة، إحالتها هذا العدد الكبير من الموظفين وكبار الأطر بكونهم جميعا يتوفرون على “ملفات طبية” تؤكد “عجزهم وعدم قدرتهم”، على مواصلة العمل في الشركة، ومن بين أسماء هؤلاء الموظفين والأطر يوجد إسم عمدة الرباط الحالي، محمد صديقي !
وثيقة رسمية عن “ريضال” تظهر قائمة المستفيدين من الـ”Réforme” – لكم
وتشير الشركة، ضمن وثائق رسمية لها، أن 60 في المائة من هؤلاء المستفيدين من الـ”Réforme” يعانون من “عجز جسدي”، دون أن تشير بصريح العبارة إلى “العجز الذهني”، للبقية، ودون أن تبين في مراسلتها، طبيعة العجز الذي يعاني منه كل من المستفيدين من هذا الإجراء.
وبذلك، ظل عمدة الرباط، محمد صديقي، على وثائق شركة “ريضال”، ضمن المستفيدين من الـ”Réforme” دون ان تشير في قائمة “العاجزين” إلى طبيعة عجزه إسوة بباقي المستفيدين الـ89 الآخرين.. لكن هل يعرف عمدة الرباط، محمد صديقي، بان صيغة خروجه ووقف عمله مع شركة “ريضال” تم بصيغة “الإحالة على التقاعد المبكر بسبب عجز جسدي أو عقلي” ؟
صيغة الخروج من “ريضال”
وبالمقابل، واجه موقع “لكم” العمدة محمد صديقي، بوثائق مسربة عن “ريضال” تؤكد كونه خرج من الشركة ضمن مجموعة 90 عاجزا عن أداء العمل، تمت إحالتهم على التقاعد المبكر، مع التعويض، 60 في المائة منهم، تقول شركة “ريضال” إنهم “عاجزين جسديا”.
محمد صديقي، قال في لقائه مع “لكم” انه اطلع مؤخرا على القائمة التي تدرج “ريضال” اسمه فيها ضمن العاجزين المحالين على التقاعد المبكر، مع التعويض على عجزه (الذي لم تكشف الوثائق ما إن كان جسديا أو عقليا)، وأكد “استغرابه الشديد” لإدراج اسمه ضمن قائمة المستفيدين من العجز (Réforme).. لكن ما صيغة خروجه ووقف عمله مع “ريضال” إذن ؟
يجيب صديقي، بان خروجه ووقف عمله المبكر مع شركة “فيوليا- ريضال” جاء عقب مبادرة فتحتها الشركة أمام كل الموظفين بمختلف مسؤولياتهم لـ”المغادرة الطوعية” (départ volontaire).
وأوضح الصديقي بأنه قَبِلَ رفقة مجموعة من الموظفين والمسؤولين والمهندسين الخروج من الشركة في إطار صيغة “المغادرة الطوعية” وليس ضمن “المحالين على التقاعد المبكر بسبب العجز الجسدي أو العقلي مع التعويض عليه”، كما تشير الوثائق المسربة عن “ريضال”.
لكن هل كان ليتخلى محمد صديقي، من منصب مهندس رئيس مديرية اللوجستيك والممتلكات، داخل شركة “ريضال”، في وقت مبكر مجانا وبدون مقابل؟
مقابل الخروج من “ريضال”
هنا، لم ينفي العمدة انه تساهل مع الشركة في أمور تعويضاته لقبول “المغادرة الطوعية”، وأكد انه دخل إسوة بباقي المسؤولين الراغبين في “المغادرة الطوعية” في مفاوضات مطولة مع إدارة الشركة، بشأن التعويضات والامتيازات التي ستحتفظ بها، في حالة ما إذا “غادر طواعية” الشركة.
وعن المقابل المادي الذي تفاوض بموجبه، كشف صديقي، لـ”لكم” انه اتفق مع الشركة لقبول عرض “المغادرة الطوعية” بتعويض قيمته 300 ألف درهم (30 مليون سنتيم)، وتعويض شهري بقيمة 38788,13 درهم، يتقاضاه من “الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي”، مع الإبقاء على سيارة العمل لحسابه (التي تراجعت الشركة فيما بعد عن تمليكها له بمبرر عدم تمليكها لباقي الموظفين)، وأيضا الحفاظ على سكنه الوظيفي، وهي شقة ضمن 10 شقق في عمارة واحدة، تعود مليكتها لـ”ريضال” (مع العلم أن جميع الممتلكات العقارية الموضوعة رهن الشركة تعود ملكيتها في الأخير في حال انتهاء العقد إلى السلطة المفوضة أي إلى مجلس مدينة الرباط).
ويقول الصديقي إن “ريضال” سلمت له الشقة التي مازال يسكن بها بموجب عقد “وعد بالبيع”، كما سلمت 5 شقق أخرى، بنفس العقد، لموظفين آخرين إستجابوا لمبادرة “المغادرة الطوعية” في يونيو 2012، يورد عمدة الرباط، محمد صديقي.
وثيقة مغادرة محمد صديقي للعمل مع شركة “ريضال” – الصفحة الأولى – لكم
وثيقة مغادرة محمد صديقي للعمل مع شركة “ريضال” – الصفحة الثانية – لكم
وتظل قيمة قبول محمد صديقي بـ”المغادرة الطوعية”، مكلفة إلى حد ما، خاصة مع إصراره في مفاوضاته مع “ريضال” لتفويت سيارة العمل والسكن الوظيفي لحسابه، إلى جانب التعويض المالي (30 مليون سنتيم)ـ والتعويض الشهري القار.
تبرير صديقي لكل هذه “الامتيازات” التي حصل عليها في مفاوضاته مع “ريضال” لقبول “المغادرة الطوعية” جاء كالآتي :”ريضال شركة فرنسية خاصة ربحية، اشتغلت فيها 28 سنة، أمر طبيعي أن أصر في مفاوضاتي معها على رفع سقف تعويضاتي المادية لقبول المغادرة الطوعية ..كنت أود الحصول على تعويضات أكثر مما حصلت عليه.. وهو أمر أنا حر فيه ويخصني شخصيا في علاقتي بالشركة التي كنت أعمل بها ولا دخل لأحد فيه..”.
“ريضال”.. تبحث عن مخرج
وعلى الرغم من رد عمدة الرباط، على موضوع شهادة “الخلل العقلي” والتعويضات، يظل السؤال معلقا حول ما الذي دفع شركة “ريضال” إلى وضعه وزملائه في العمل الـ89 الأخرين، في خاصة “المحالين على التقاعد المبكر بسبب العجز الجسدي والذهني”، بدل مسطرة “المغادرة الطوعية” كما يؤكد العمدة؟
السؤال دفع موقع “لكم” ليواصل البحث مع مصادر مستقلة جيدة الإطلاع بالملف، وحصل بذلك على معطيات تفيد بأن إدارة شركة “ريضال”، كانت تسعى جاهدة إلى التخلص من مستحقات 90 موظفا لها، عبر إلحاقهم بـ”الصندوق الوطني للتقاعد” (CNR) بدل صندوق التقاعد الخاص بالشركة.
الأمر الذي دفعها إلى التوجه لإقناع الموظفين بمبادرة “المغادرة الطوعية” وهو ما نجحت فيه فعلا، حيث إستدرجت 90 موظفا بمختلف مسؤولياتهم الإدارية والمهنية بالشركة، من بينهم عمدة الرباط الحالي، محمد صديقي. لكن ماذا حصل فيما بعد ؟
الذي حصل هو ان الجميع تفاجؤوا بكونهم لم يخرجوا من الشركة في إطار مبادرة حسنة اسمها “المغادرة الطوعية”، بل بموجب “عجز عقلي أو جسدي”، وأحالتهم “ريضال” بذلك على “التقاعد المبكر بسبب العجز مع التعويض عليه”، كما تبين وثائق “ريضال” التي بحوزة “لكم”، وينفي صدقيتها نفيا قاطعا عمدة الرباط.
وأسرت مصادر “لكم” عن كون “ريضال” بعدما وجدت نفسها في موضع “حرج قانوني” أمام إستفادة 90 موظفا من “المغادرة الطوعية”، وهو عدد كبير، لجأت إلى تقعيد وتكييف الوضع مع حالة “الإحالة على التقاعد المبكر بسبب العجز..”، لخروجها من عنق الزجاجة، والبحث عن مخرج “الحرج القانوني”.
“الجمل النائم” الذي رفض العمدة “إيقاضه”
وعلى ما يبدو من الوهلة الأولى، فإن “قائمة العاجزين المحالين على التقاعد المبكر”، ما يزال يشكل لمحمد صديقي، حرجا كبيرا وهو الذي أضحى شخصية عمومية، بصفته عمدة لعاصمة المملكة.
وبدا هذا الحرج حينما بعث المهندس رئيس مكتب التتبع لعقدة شركة “ريضال” مع مجلس مدينة الرباط، منصف بربيش (الذي يعمل تحت رئاسة عمدة المدينة بصفته رئيس السلطة المُفوّضة)، برسالة يتوفر “لكم” على نسخة منها، لعمدة الرباط، محمد صديقي، يطلب منه فيها، بصفته رئيسا للسلطة المفوضة، بمراسلة شركة “ريضال” وإستفسارها عن سبب إحالتها دفعة واحدة لجحافل من الموظفين في يونيو 2012 للتقاعد المبكر بسبب العجز مع التعويض عليه (Réforme) وهو ما كلف الشركة 44 مليون درهم، وهي المراسلة التي كان عمدة الرباط، محمد صديقي، ضمن قائمة المستفيدين فيها من الـ”Réforme”.
مراسلة منصف بربيش رئيس قسم التتبع لعقدة ريضال التي رفض العمدة محمد صديقي التوقيع عليها – لكم
وبذلك، رفض العمدة التوقيع عليها، بحجة قالت مصادر مستقلة “تضمنها لإسمه وبالتالي إيقاض (جمل نائم) قد يربك العلاقة الودية بين العمدة وإدارة شركة ريضال”.
ومن جهته، أفاد العمدة، محمد صديقي، لموقع “لكم” انه لم يوقع المراسلة التي بعثها رئيس مكتب التتبع، منصف بربيش، له، يوم 16 يناير 2016، بسبب قرار عزله الذي أًصدره في دجنبر 2015، وبالتالي يقول صديقي :”انا غير ملزم بتوقيع أي مراسلة منه.. وليتحمل المسؤولية من يمنحه الحبل السري ويبقيه على مكتب التتبع رغم قرار عزلي له..”.
تعويض “بربيش” بـ”النعمان” صديق العمدة
وعلى الرغم من تأكيد العمدة محمد صديقي، لـ”لكم”، قرار عزل المهندس منصف بربيش، رئيس مكتب التتبع لعقد “ريضال” مع مجلس المدينة، في الـ30 من دجنبر 2015، أكد بالمقابل، محمد بربيش، لـ”لكم” انه ما يزال رئيسا ومسؤلا لمكتب التتبع.
وبرر صديقي، رفضه التعامل مع بربيش وعزله بـ”كونه رجل صدامي وتعامله حاد وخشن ولا يحترم المسؤولين، وغزير المراسلات والشكايات..”، علاوة على انه عجل بعزله بعد أن أقدم موظفين منهم نقابيين، يشتغلون معه في مكتب التتبع، بـ”تسليميه شكايات ضده وضد طريقته في العمل..”، وهو ما تنفيه مصادر مستقلة، في شركة “ريضال”، التي قالت ان بربيش “رجل جدي وصارم”.
وبالمقابل، حاول “لكم” لقاء منصف بربيش، لمعرفة وجهة نظره في الموضوع، غير أنه رفض اللقاء، وكذا الإدلاء بأي معلومات بشأن الموضوع، بمبرر “عدم الترخيص له بذلك من قبل إدارة شركة ريضال”، على الرغم من كونه يشتغل تحت وصاية وسلطة، عمدة الرباط، محمد صديقي، بصفته رئيسا للسلطة المُفوّضة.
وتفيد معطيات “لكم” إقدام عمدة الرباط، على تعيين صديقه في العمل داخل “ريضال”، الخليل النعمان، رئيسا لمكتب التتبع لعقد شركة “ريضال”، محل رئيس المكتب الحالي، منصف بربيش.
وذلك، على الرغم من كون الخليل النعمان، صديق العمدة، اسمه هو الاخر ضمن قائمة “العاجزين” الذين أحالتهم “ريضال” على تقاعد الـ”Réforme” اسوة بالعمدة، محمد صديقي.
ولم ينفي العمدة لـ”لكم” نيته تعيين صديقه الخليل النعمان، محل منصف بربيش، بل أكد ذلك، وبرره بكون النعمان “كفاءة وذو خبرة طويلة في شركة ريضال ومخضرم بين الإدارتين الاسبانية ثم الفرنسية لشركة ريضال..”.
الفيصل هو القضاء ما بين المدعي والمنكر
يخلص هذا التحقيق إلى نتيجتين: الأولى تكمن في كون عمدة الرباط، محمد صديقي، لم يفلح بعد في إخراج نفسه من الزاوية التي حُشر فيها، وإزاحة الحرج الحاصل بينه بصفته شخصية عمومية يرأس مرفقا عموميا، ومستخدمه السابق شركة “ريضال” التي تؤكد في وثائقها الرسمية انه “عاجز وغير قادر”، وبذلك إستفاد من الـ”Réforme”.
وإزاء هذا، يكون العمدة عاجزا على مواجهة “ريضال”، فهو المهندس المسؤول الذي سبق ان ترأس مجموعة مديريات طيلة 28 سنة (شتنبر 1985- يونيو 2012)، داخل شركة “ريضال”، من جهة، وهو عمدة المدينة، ورئيس السلطة المُفوضة لشركة “ريضال” حاليا، من جهة أخرى.
وما يؤكد عجزه على إخراج نفسه من مأزق “العجز” كما يدعي غرمائه، هو تردده في اللجوء إلى القضاء، وإكتفائه في تصريحات صحفية فقط، بكونه “يعتزم” اللجوء للقضاء، دون ان يقرر ذلك رسميا..
ومن جهة مستشاري حزب “الأصالة والمعاصرة”، مفجري قضية شهادة “الخلل العقلي”، أظهرت تحريات التحقيق، انه على الرغم من نجاحهم في إثارة ضجة إعلامية تشكك في “القدرات العقلية” لعمدة المدينة، وإحراج قيادة “البيجيدي” سياسيا، إلا أنهم لم يستطيعوا الخروج من مربع “البوليميك” السياسي، إلى الاثبات القانوني لما يروجون له من أقوال مازالت في مجرد “إدعاءات” عن “الخلل العقلي” لغريمهم عمدة الرباط، محمد صديقي. وكل ما أسفرت عنه “معركتهم” هو توجيه طلب إلى السلطات الداخلية، من أجل شروعها في التحقيق حول ما يدعونه من مزاعم.
وفي انتظار أن تنتقل القضية إلى القضاء، كجهة مستقلة، للحسم ما بين بينات المدعين ويمين المٌنكر، ستظل هذه القضية مجرد حركة تسخينية استعدادا للمعركة الكبرى التي يٌعد لها الخصمان السياسيان في أفق المواجهة في الانتخابات التشريعية المقبلة.