تحقيق إخباري: خيوط "الانقلاب" الداخلي على بنكيران
يعيش حزب “العدالة والتنمية” على إيقاع أزمة صامتة لكنها حادة تهدد بشق صفوفه على خلفية الاختلاف في الرؤى حول طريقة تدبير سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، ورئيس المجلس الوطني للحزب (بمثابة برلمان الحزب) لمشاوراته في تشكيل الحكومة والمنهجية التي اتبعها للخروج من حالة “الاحتباس” التي أدت إلى إعفاء خلفه عبد الإله بنكيران، الأمين العام للحزب.
تجليات هذه الأزمة أصبحت بارزة للعيان، وخرجت إلى العلن من خلال “حرب” التراشق عبر “التدوينات” على شبكات التواصل الاجتماعي بين قيادات الصف الأول داخل الحزب، ومن خلال موجة الغضب التي يعبر عنها شباب الحزب على مواقع التواصل الاجتماعي.
تعطيل عمل مؤسسات الحزب
حدة هذه الأزمة التي تتفاعل مثل حمم بركان مُقبل على الانفجار، عطلت عمل مؤسسات الحزب الذي يُقدم في المغرب وفي الخارج على أنه أكثر الأحزاب المغربية ديمقراطية. فمنذ تعيين سعد الدين العثماني يوم 17 مارس 2017، لم تعقد “الأمانة العامة” (أعلى هيئة تنفيذية داخل الحزب) سوى اجتماعا واحدا، وهي التي دأبت على عقد اجتماعات أسبوعية منتظمة حتى في أحلك المراحل الصعبة التي مر بها الحزب.
وحسب مصادر من داخل “الأمانة العامة” للحزب فإن اجتماعها الذي عقد يوم 30 مارس الماضي، كان ذا طبيعة مسطرية، ولم يُطرح فيه النقاش حول طريقة تدبير العثماني لمشاوراته الحكومية، ومع ذلك تضيف نفس المصادر، التي تحدثت إلى موقع “لكم”، أن الاجتماع لم يخلُ من لحظات توتر عندما أراد بعض أعضاء الأمانة العامة إبداء ملاحظات على طريقة تدبير العثماني لمشاوراته الحكومية. وطبقا لنفس المصادر فإن بنكيران الذي ترأس الاجتماع ظل ساكتا على غير عادته، وعندما لمس حرارة التوتر التي قد تعصف بالاجتماع طلب تأجيل مناقشة الموضوع حتى يتم تنصيب حكومة العثماني رسميا أمام البرلمان.
رفض اعتبار “الاتحاد الاشتراكي” خطا أحمر
وقبل اجتماع “الأمانة العامة” للحزب الذي عقدته بعد تعيين العثماني، كانت نفس الهيئة قد عقدت اجتماعا آخر مباشرة بعد إعفاء عبد الإله بنكيران، وصفه هذا الأخير بأنه “كان هادئا ومر في جو من الصراحة والانشراح”، وكان من بين أهم قراراته هو “رفض اشتراطات أخنوش وباقي الأحزاب التي تحالفت مع حزب (الحمامة)”، واعتبار استمرارها استمرار لأزمة تشكيل الحكومة “أيا كان رئيس الحكومة المعين”، حسب عبارات نفس البيان.
وبالرغم من صدور هذا البيان الواضح الذي أعلنت فيه قيادة الحزب عن رفضها القاطع لما أسمته “اشتراطات أخنوش”، كان بنكيران يريد تزكية هذا القرار من أعلى هيئة تقريرية داخل الحزب، أي من مجلسه الوطني الذي يعتبر بمثابة برلمانه، وهكذا تمت الدعوة إلى عقد اجتماع طارئ لهذه الهيئة، لكن الذين حضروا وتابعوا اجتماعها الذي انعقد يوم 19 أبريل لاحظوا أنه بالرغم من الأجواء العاطفية التي مر فيها هذا الاجتماع، إلا أن بعض قيادات الحزب عملت جاهدة في الكواليس لتوجيه المداخلات التي ناهزت الثمانين مداخلة، وضغطت على بنكيران نفسه ليقدم مداخلته مكتوبة لتفادي أية مفاجآت فيها. ورغم أن القرار النهائي لهذا الاجتماع زكى قرار الأمانة العامة، إلا أن قيادات الحزب التي كانت تتحرك داخل كواليس ذلك الاجتماع حالت دون إصدار قرار واضح عن أعلى هيئة تقريرية داخل الحزب يجعل مشاركة “الاتحاد الاشتراكي” خطا أحمر لقيادة “العدالة والتنمية” للحكومة، كما كان يسعى إلى ذلك الموالون لبنكيران الذي سبق له أن أعلن في خطابه بالواليدية، قبل إعفائه بيومين، رفضه قيادة حكومة يشارك فيها “الاتحاد الاشتراكي” عندما قال مخاطبا شبيبة حزبه “إذا رأيتم الحكومة تشكلت وفيها (الاتحاد الاشتراكي) فلست أنا عبد الإله بنكيران”.
بدايات “الانقلاب الناعم”
وحسب المعلومات التي استقاها موقع “لكم” من عدة مصادر متطابقة من داخل حزب “العدالة والتنمية” ومن مقربين منه، فإن ما حصل هو “انقلاب ناعم” على بنكيران، مهد وزكى انقلاب السلطة عليه عندما تم إعفاؤه، ومن ساهم في ذلك الانقلاب هم “قيادات” داخل الحزب من الصف الأول وهو ما دفع الكثير من المنتمين للحزب إلى الحديث عن “الخيانة” و”المؤامرة” و”التنازل”.
لكن هذا “الانقلاب الناعم” الذي وصفه بنكيران نفسه بأنه “أكبر زلزال” يضرب الحزب لم يحدث صدفة وإنما تم التمهيد له منذ فترة طويلة، بدأت أولى معالمه “الداخلية” أثناء الحملة الانتخابية التي سبقت الانتخابات المحلية عام 2015، عندما حاولت بعض قيادات الحزب أن تُقنع بنكيران بالتقليل والتخفيف من تجمعاته الشعبية التي كانت تجمع الآلاف من المناصرين والمؤيدين، لكن زعيم الحزب الذي كان يعتبر تلك الانتخابات التي حاولت السلطة تأخيرها أكثر من مرة منذ 2012، أول اختبار لشعبيته وجعل منها تحديا كبيرا لإثبات صوابية اختياراته السياسية سواء في قيادة الحكومة أو في مواجهة خصومه خارج الحزب، لذلك قام لأول مرة في تاريخ الحزب بكراء طائرة خاصة طاف بها كل مناطق المغرب باستثناء الصحراء.
ومع اقتراب الحملة الانتخابية لتشريعيات 2016، عادت نفس القيادات لـ”تنصح” بنكيران للإعلان المسبق عن استعداد الحزب لتقبل تعيين شخص آخر غير الأمين العام لقيادة الحكومة المقبلة في حالة فوز الحزب في تلك الانتخابات التي تصدر نتائجها. لقد كان الهدف من وراء تصريحات مماثلة صادرة عن بنكيران هو التمهيد للخطة “ب” في حال اختار الملك تعيين شخص آخر غير بنكيران. وبعد تعيينه رئيسا للحكومة مكلفا بتشكيل الحكومة المقبلة، وخاصة بعد أن اتضح أن الشروط التي كان يضعها عزيز أخنوش رئيس “التجمع الوطني للأحرار”، كانت تستهدف بنكيران نفسه وليس شخصا آخر، ستعود نفس القيادات للضغط عليه وهذه المرة من خلال واقعتين، الأولى عندما أقنعته بعدم ترشيح سعد الدين العثماني، للتنافس على رئاسة مجلس النواب (الغرفة الأولى داخل البرلمان)، وهو ما كان يعني أن المرشح المنافس كان سيكون ممثلا للمعارضة بما أن مسانده الرئيسي هو حزب “الأصالة والمعاصرة” الذي أعلن تموقعه في المعارضة، وفي تلك الحالة كان بنكيران، بوصفه رئيس حكومة معين سيجد نفسه أمام تعذر تشكيل أغلبية داخل مجلس النواب، وهو ما كان سيقود حتما لحل مجلس النواب الجديد طبقا للفصل 98 من الدستور.
لكن ما حدث هو العكس تماما، عندما لم يتقدم “العدالة والتنمية” بأي مرشح مما فسح المجال أمام خصومه إلى تحقيق الخطة التي كانت مبيتة منذ الإعلان عن نتائج انتخابات 7 أكتوبر 2017. ففي اليوم التالي لتلك الانتخابات، أي يوم 8 أكتوبر، اجتمعت قيادات عدة أحزب بزعامة “الأصالة والمعاصرة”، وكان جدول اجتماعها هو تسريع انتخاب رئيس مجلس النواب لوضع حزب “العدالة والتنمية” المتصدر لتلك الانتخابات أمام الأمر الواقع، لكن رفض حزب “الاستقلال” المشاركة في تلك الخطة التي وصفها البعض بـمحاولة الانقلاب الأولى، هو من فضحها وأفشلها دون أن يثني أصحابها عن مواصلة المحاولات التي نجحت يوم انتُخِب مرشح حزب صغير مدعوم من حزب معارض على رأس مجلس النواب، لكن هذه المرة بمساهمة حزب “العدالة والتنمية” نفسه الذي كانت محاولة “الانقلاب” الأول الذي أفشله حزب “الاستقلال” تستهدفه، فيما كان المستهدف بالمحاولة الثانية هو زعيم الحزب بنكيران، لكن الصورة لن تتضح لزعيم “العدالة والتنمية” إلا ساعة دخوله القصر الملكي في الدار البيضاء عندما وجد أمامه أربعة مستشارين ملكيين أبلغوه قرار الملك القاضي بإعفائه.
المحطة الأخيرة من “الانقلاب” على بنكيران ستأتي هذه المرة من داخل حزبه ومن أقرب القيادات الحزبية التي كان يضع فيها ثقته، فمباشرة بعد أن أصدر بنكيران البلاغ الشهير الذي اشتهر بـ”بلاغ انتهى الكلام”، كان قد قرر، حسب مصادر مقربة منه، أن يقدم استقالته إلى الملك ويعلن فشل حزبه في تشكيل الأغلبية، وهو ما كشف عنه بنكيران نفسه أثناء اجتماع هيئة اقتراح مرشحي الحزب لعضوية حكومة سعد الدين العثماني عندما قال بأنه كان على وشك تقديم استقالته للملك بعد أسابيع من تعيينه لولا ثنيه من طرف أعضاء في الأمانة العامة لحزبه. وهو ما كان سيؤدي حتما، في حال لو أن بنكيران نفذ قراره، إلى الدعوة إلى انتخابات مبكرة، لكن قيادات مقربة من بنكيران ضغطت عليه لتأجيل قراره، و”زيَّنت” له الاستمرار في لعبة “شد الحبل” حتى تستجيب الأطراف الأخرى لشروطه، لكن ما لم يكن يعلمه بنكيران هو أن الحبل الذي كان ينصحه أقرب المقربين منه بشده إنما كان يُضَيِّق به الخناق على نفسه حتى جاء قرار إعفائه الذي لم يكن يتوقعه.
قادة “الانقلاب” الداخلي
بعد إزاحته من رئاسة الحكومة، ستبدأ الصورة تتضح أكثر لبنكيران الذي فاجأه تصرف بعض قيادات حزبه ممن كان يضع فيهم ثقته، وعلى رأسهم مصطفى الرميد، الذي بالرغم من انصرافه إلى مصالحه و”تحسين صورته” لدى السلطة، أكثر من اهتمامه بمشاغل الحزب ومناضليه، ظل يحافظ لنفسه على “رصيد معنوي” داخل صفوف الحزب عندما كان هذا الأخير في المعارضة. وسيصف بعض أعضاء الحزب، لموقع “لكم”، ممن تابعوا الكلمة “المؤثرة” التي ألقاها الرميد في المجلس الوطني الذي عقد بعد إعفاء بنكيران، بأنها كانت أقرب إلى “التأبين الرمزي” منها إلى التكريم. وستتضح الصورة أكثر أثناء فترة تشكيل أغلبية وحكومة العثماني، عندما حاول الرميد الابتعاد عن بنكيران حتى لا يضعه في صورة ما كان يجري بعيدا عنه في إقامة سعد الدين العثماني في مدينة سلا، وحتى خبر تخلي الحزب عن وزارة العدل لم يعلمه بنكيران، حسب مصادر مقربة منه، إلا عبر وسائل الإعلام التي كانت تتحدث آنذاك عن احتمال تعيين إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب “الاتحاد الاشتراكي” في هذا المنصب، وهو ما دفع بنكيران حسب نفس المصادر إلى التهديد بكسر سكوته في حالة مشاركة لشكر شخصيا في الحكومة وأكثر من ذلك توليه منصب وزير العدل.
تحول الرميد لم يحدث فجأة، وإنما بدأت بوادره عندما كان اسمه موضوعا على “اللائحة السوداء” للدولة العميقة التي حالت عام 2007 دون ترؤسه فريق حزبه داخل مجلس النواب، وكادت تحرمه من الاستوزار عام 2011 بسبب “تقارير” كانت تصنفه كأحد “صقور الحزب”، لكن موقف بنكيران آنذاك الذي اعتكف داخل بيته لمدة أسبوع وهدد بالاستقالة من رئاسة الحكومة هي التي جعلت الدولة العميقة تتراجع عن “الفيتو” الذي كانت تضعه أمام الرميد. وحسب مصادر مطلعة فإن الانفراج الذي حصل آنذاك حدث بعد اجتماع عُقد بفيلا الرميد الفخمة بضواحي الدار البيضاء جمعه بأحد مستشاري الملك النافذين. وبالرغم من أنه لم يتسرب أي شيء عن ذلك الاجتماع الذي ظل سريا، إلا أن الرميد الذي خرج منه وزيرا للعدل في حكومة بنكيران، سيصبح هو مخاطب الدولة العميقة داخل الحزب والناطق بلسانها في اجتماعات أمانته العامة، والشخص الوحيد الذي سُمح له، خارج التقاليد المرعية، بمرافقة بنكيران إلى القصر الملكي لحظة تكليفه مرة ثانية يوم 8 أكتوبر 2016 لتشكيل الحكومة الثانية بقيادة حزبه.
وبالإضافة إلى الرميد الذي كان يمثل مركز ثقل القوة التي كان يتم عبرها الضغط على بنكيران من داخل وخارج الحزب، سيُخذل بنكيران في أقرب المقربين منه مثل محمد يتيم الذي ظل يبرر كل قراراته طيلة فترة رئاسته للحكومة، وفجأة انقلب إلى تبرير “الانقلاب” عليه من داخل الحزب عندما تم تعيينه وزيرا في حكومة سعد الدين العثماني. أما مواقف قيادات من الصف الثاني يتحمل بنكيران مسؤولية “صناعتها” مثل عزيز الرباح ولحسن الداودي ومصطفى الخلفي ونجيب بوليف وعبد القادر عمارة، فقد كان وقع تغيير مواقفها بمثابة الصدمة بالنسبة لبنكيران الذي لم يستوعب مثلا كيف أن شخصا مثل الخلفي الذي كان يعتبره بمثابة تلميذه منذ أن استدعاه من شبيبة حزبه للعمل إلى جانبه في جريدة “التجديد” سيتجنب الرد على اتصالاته الهاتفية أثناء فترة إعداد البرنامج الحكومي حتى لا يُطلعه على تفاصيله، وذلك وفق ما أسرت به مصادر مقربة من بنكيران لموقع “لكم”.
“رد للاعتبار” أم “انتقام” للعثماني؟
أما سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني للحزب، الذي كان يرد اسمه ثالثا في خلافة بنكيران على رأس الحكومة بعد كل من عزيز رباح ومصطفى الرميد لقربهما من السلطة، فإن من يعرفون مساره داخل الحزب يشهدون له بدماثة خلقه وسعة علمه، لكنهم لا يتذكرون له أية مواقف قوية داخل الحزب الذي زكاه على رئاسته عرابه عبد الكريم الخطيب عندما اختاره أمينا عاما مساعدا ورشحه في أول مؤتمر يشهده الحزب بعد تغيير اسمه إلى “العدالة والتنمية” لتحمل مسؤولية الأمانة العامة. وطيلة فترة رئاسته للحزب تجنب العثماني أية مواجهة مع السلطة حتى عندما زورت على حزبه أثناء انتخابات 2007، وعندما أعلن صديق الملك فؤاد عالي الهمة تأسيس حزبه “الأصالة والمعاصرة”، وجد العثماني نفسه مجبرا على “التنازل” لبنكيران، لأنه كان يدرك بحسه البراغماتي بأن المواجهة مع السلطة ستكون حتمية في المستقبل ولا قِبل له بها.
ولاستعادة شجاعته سارع العثماني إلى جانب “قيادات” من حزبه إلى رفض الانصياع لقرار أمينه العام عام 2011 القاضي بمقاطعة الحراك الشعبي الذي عرفه المغرب عام 2011، والمفارقة أن كل تلك القيادات خاصة من تولت منها حقائب وزارية بعد ذلك بما فيها العثماني، غيرت مواقفها التي كانت تُزايد بها على بنكيران، وصارت أقرب إلى السلطة من بنكيران الذي أظهر معارضة قوية لنفس السلطة وهو رئيس للحكومة لكن في ربع الساعة الأخيرة من ولايته.
ويتذكر أحد المقربين من الاجتماعات التي جرت عام 2011 لاختيار وزراء “العدالة والتنمية” كيف فاجأ العثماني زملاءه باقتراح نفسه وزيرا للخارجية، وتشبثه بهذه الحقيبة رغم محاولات بنكيران ثنيه عنها على اعتبار أنها من “وزارات السيادة” التي لا يمكن للحزب أن يقدم فيها الكثير عكس وزارة الصحة التي اقترحها بنكيران على العثماني نظرا لتخصصه كطبيب نفسي. ويشبه مصدر موقع “لكم” تشبث العثماني آنذاك بوزارة سيادة هي الخارجية بتشبث امحند العنصر، الأمين العام لحزب “الحركة الشعبية” بوزارة سيادة أخرى هي الداخلية. ويفسر مصدر الموقع تشبث كلا من العثماني والعنصر بوزارتين سياديتين بأنها “إملاءات” فرضت عليهما من جهات أرادت أن تضعهما في موقعين حساسين رغم تواضع تجربتهما وقلة كفاءتهما للتحكم في تسيير الوزارتين.
ولعل هذا ما يفسر “سخرية” بنكيران من العثماني بعد إقالته من وزارة الخارجية عام 2013 عندما قال في إحدى تصريحاته الحمالة لكل تأويل “لقد سبق أن نصحته بأن يعود إلى عيادته”. لذلك ليس غريبا أن يشعر العثماني بنوع من إعادة الاعتبار له بعد تعيينه رئيسا للحكومة، وهو ما عبر عنه “صديقه الجديد” الرميد بالقول موجها كلامه إلى العثماني: “بقيت صابرا محتسبا فأعزك الله ورفع ذكرك.. لقد سموت وكذبت كل الظنون، فَهِمّتك أعلى من المناصب والكراسي”، وهو ما اعتبره بعض ممن حضروا آخر اجتماع للمجلس الوطني للحزب بأنه كان ردا للإعتبار من الرميد للعثماني بعد “سخرية” بنكيران منه، أكثر منه “تقربا” من الرميد إلى الرجل الذي يحظي اليوم بتزكية السلطة ورضاها.
أخطاء بنكيران
لكن، للإحاطة ببعض ملامح الصورة التي مازالت لم تتضح كل معالمها لا بد من الوقوف عند ما يمكن وصفها بـ”أخطاء” بنكيران في قيادة حزبه ولعل أحد أكبر هذه الأخطاء هو فرض كاريزميته التي باتت تقلقل قيادات من حزبه أكثر مما تسببه من إزعاج للسلطة ورموزها. وتصبح هذه “الأخطاء” فادحة عندما نعلم أن من تقلقهم اليوم كاريزمية بنكيران داخل حزبه هم أشخاص هو من صنعهم وقدمهم على غيرهم من أعضاء حزبه وجعل منهم “قيادات” ووزراء..
يضاف إلى ذلك، مراهنة بنكيران على حزب صغير هو “التقدم والاشتراكية” الذي تحول إلى قوقعة فارغة يسكنها “أعيان السلطة” وأصحاب الطموحات والمصالح الشخصية الذين يتقبلون مع السلطة أينما ولت وجهها مثل “عباد الشمس”، كما عبر عن ذلك أحد قدماء الحزب الشيوعي المغربي لموقع “لكم”.
وكما يقول أحد المراقبين المستقلين، فإن أكبر أخطاء بنكيران هي مراهنته طيلة خمس سنوات قضاها على رأس الحكومة على رضا السلطة ولم يتذكر “الإرادة الشعبية” إلا في ربع ساعة الأخيرة عندما أدرك أن رأسه باتت مطلوبة. فبنكيران الذي يجد اليوم نفسه منبوذا من السلطة التي سعى إلى كسب رضاها، ومعزولا من “قيادات” حزبه التي انقلبت عليه، عاد ليُذكر ويتذكر بأن مشروعيته ومشروعية أعضاء حزبه إنما جاءت من أسفل وليس من الفوق، وهو اليوم أمام مفترق طرق حاسم إما أن يمارس نقده الذاتي الذي بدونه لا يمكن للشعب أن يعيد ثقته فيه، أو يستمر في التكتم على أسراره التي قال إنه سيأخذها معه إلى القبر حفاظا على وحدة حزبه الذي لا يريد أن يراه منشقا على يده وهو في نهاية مساره السياسي.