تحقيق صحفي: لعنة تغازوت
أثار قرار هدم مشاريع سياحية بساحل تاغازوت بالقرب من أكادير الكثير من الجدل، وشغل الرأي العام المحلي والوطني على حد سواء، خاصة بعد ما تم ربطه بـ “غضبة ملكية” بسبب عدم احترام معايير البناء في المنطقة. لكن القضية أكبر من وجود بناء عشوائي في منطقة سياحية، لأن الأمر يتعلق بمشروع ملكي يندرج في إطار ما عرف بـ “المخطط الأزرق” الذي أطلق قبل 20 سنة ولم يتحقق منه أي شيء على أرض الواقع.
في قضية مشروع تاغازوت، أو مشاريع تاغازوت الفاشلة تتداخل المصالح، ويتقاطع المال مع السياسية، ويستغل النفوذ، ويستشري الفساد، وتغيب المسؤولية والمحاسبة.. في هذا التحقيق يعيد موقع “لكم” بناء القصة منذ بدايتها.
تكَات نتغازوت
يتداول أهالي بلدة تغازوت وتمراغت، شمال أكادير، رواية بالأمازيغية مفادها أن “أرضهم شريفة ورثوها أبا عن جد، واغتصبت منهم، وكل من أخذ منها شبرا يفشل وتطارده اللعنة ويحصل له الندم”.
هاته الأرض التي تلاحق مغتصبيها بلعنتها أو بالتعبير الأمازيغي لأهل المنطقة بـ “تكَات نتاغازوت”، تقع على الطريق الوطنية رقم 1، وعلى مسافة 15 كيلومترا شمال أكادير في اتجاه مدينة الصويرة، عرفت بمناخها المعتدل طيلة السنة وبمراكب الصيد التقليدية التي كانت تزود المنطقة بالسمك وخاصة السردين الذي اشتهرت به منطقتهم، ومع مرور الزمن تحولت إلى قبلة للرياضات البحرية، خاصة “السورف” و”البودي كارد”، حيث أسست بها نواد وفضاءات فصارت قبلة لأبطال العالم وملاذا للسياح الباحثين عن الخلوة والابتعاد عن ضجيج المدن.
وبالنظر لموقعها الجميل والجذاب ومناخها الدافء وتاريخها، حيث كانت محط أطماع البرتغاليين، فيها شيدت قلعة تحمل اسم “ ايموران” نسجت حولها حكايات وأساطير، وبها ينظم أحد أكبر مواسم المنطقة نهاية كل صيف.
بين “ ايموران” و”تغازوت” عشرات الهكتارات التي كانت قبلة للمصطافين خلال فصل الصيف، حيث كانت تنصب الخيام، وفي نهاية كل أسبوع، حيث كانت ملاذا لأهالي منطقة سوس للترويح عن النفس والاستمتاع بجمال البحر والشمس والهدوء، خاصة وأنها تستقطب رياضيين عالميين وتستهوي مسؤولين وسياسيين، بل إن الملك محمد السادس كان يمارس رياضته المائية المفضلة هناك، كلما أقام في قصره بمنطقة سوس.
بداية الاستثمار.. المستثمر السعودي المحتال
في يوم 13 يونيو 2001 أعطى الملك محمد السادس انطلاق مشروع تهيئة “المدينة السياحية” الجديدة لتاغزوت إلى جانب مشاريع أخرى بالمنطقة، ومنح المشروع لإمبراطور الإعلام السعودي آنذاك، الشيخ كامل صالح صاحب شركة “دالة البركة” و”قصر الورود الدولي” بأكادير.
وبحسب المعطيات التي حصل عليها موقع “لكم”، في ذلك الحين، فإن الإجراءات المرتبطة ببداية الأشغال لم تكن متوفرة، إذ لم يتم تهيئ تصاميم التهيئة ولا الدراسات المرتبطة بالمشروع الذي أريد له أن ينجز فوق حوالي 683 هكتار من الأراضي الساحلية، واكتفى الوالي محمد غرابي ووزارة السياحة، آنذاك، بإعداد أرضية استقبال الملك على شاطئ تغازوت فقط.
ووفق البطاقة التقنية للمشروع السياحي “الحلم”، كان الأمر يتعلق بـ 32 بقعة تحوي إقامات سياحية فخمة و 34 بقعة لبناء فنادق مصنفة، بالإضافة إلى 19 عقارا تقام عليها 8 أندية للتنشيط وتجهيز ملاعب لرياضة الكولف ومساحات تجارية وغيرها من أحلام إمبراطور الإعلام وشريكه المغربي عز الدين الخواجة الذي سبق له أن عرض بإحدى الفنادق مشروعه فوق الورق، مما عطل المشروع لـ7 سنوات.
واعتبر المشروع حجر الزاوية في استراتيجية التنمية السياحية المعروفة بـ”رؤية 2010″، لكونها تمثل 20 في المائة من مشروع تمديد المنتجعات الشاطئية المستهدفة في إطار مشروع “المخطط الأزرق”.
خلالها أثار المتتبعون أسئلة حارقة من قبيل: لماذا لم يتم معاقبة هذين الشخصين لأنهما احتالا على رئيس الدولة، ونصبا على دولة بكاملها هي المغرب، بل ولماذا رفضت الحكومة آنذاك أن تدرج ضمن بنود الاتفاقية فصلا خاصا بالغرامات إذا ما لم تف”P.R.I” أو”دلة البركة” بالتزاماتها، وما هي الضمانات الحالية التي تعاقب من يؤخر ويعطل مشاريع الدولة الاستثمارية، التي تعطل الاقتصاد الوطني برمته.
وحسب ما استقاه موقع “لكم” من وزير سابق في حكومة عبد الرحمن اليوسفي، فإن وزيره في السياحة أنذاك، الإشتراكي حسن الصبار، وقف ضد منح المشروع للمستثمر السعودي المحتال، ويٌعتقد أن معارضته كانت وراء خروجه من الحكومة مع أول تعديل في حكومة اليوسفي، حيث ضم قطاع السياحة آنذاك إلى وزارة الاقتصاد والمالية برئاسة فتح الله ولعلو، الذي كان أكثر الوزراء “الاتحاديين” “ليونة” في الاستجابة إلى ما يٌملى عليه من فوق.
غير أنه بعد خمس سنوات من الانتظار، لم يف المستثمر السعودي ببنود الاتفاقية الإطار التي وقعت بينه وبين حكومة عبد الرحمان اليوسفي تاركا لهم “الغبار”، ليتم فيما بعد تجديد الصفقة مع مستثمرين جدد سنة 2006، ولم تنطلق الأشغال إلا يوم 17 يناير 2007.
الاستنجاد بشريك جديد.. وإعلان رسمي جديد بالفشل
بعد سنوات من التماطل والتسويف، اضطرت الحكومة إلى الاعتراف بفشل المشروع الأول الذي أعطى الملك انطلاقته وأجبرت على النطق علنا بحكم فشلها للمرة الثانية، وعلى مدى تسع سنوات، في تدبير ملف المحطة السياحية “تغازوت”، حيث تم إعلان إلغاء عقد الاتفاق الذي كان يربطها بالشركة الأمريكية “كولوني كابيتال” والشركة الكنارية “ساتوكانلوبيسان” ColonyCapital/Satocan / Lopesan، في 8 مايو 2008، من أجل تهيئة المحطة السياحية الجديدة “تغازوت” على أربع مراحل.
المشروع الجديد بلغت كلفته الاستثمارية نحو 9.5 مليار دولار، وكان يتضمن إنشاء فندق من 165 غرفة و60 وحدة من الفيلات الفاخرة التابعة لسلسلة “رافل” العالمية، وملعب غولف ذي 18 حفرة.
وأكد محمد بوسعيد، وزير السياحة آنذاك والرئيس المدير العام للشركة، أن الأخيرة ستفتتح أول فندق تابع لهذه السلسلة، ضمن هذا المشروع “الحلم”، في القارة الإفريقية بداية عام 2010.
وكبرت الأماني وتزايدت الانتظارات، حينما أوضح بوسعيد في لقاء صحفي عقد بمدينة أكادير، أن المشروع “الحلم” سيوفر 500 منصب شغل قار و 700 منصب شغل غير مباشر، وستكون “تغازوت” علامة فاخرة، وأن 70 هكتارا من شجر الأركان الثروة الرمزية للمنطقة ستتم حمايته.
المشروع “الحلم”، وفقا للعقد الموقع بين الطرفين، يقضي بإنجاز حوالي 21 ألف سرير، منها 15 ألف و800 سرير فندقي وتشمل تجهيزات ومرافق متنوعة للاستجمام، خاصة ملعبين للغولف يتوفران على 27 حفرة في المجموع، ومدينة “قلب الحياة”، تضم مرافق للتجارة والصناعة التقليدية وأنشطة مختلفة ومسبحا ومصحة. وقدر حجم الاستثمارات (بما فيها التجهيزات الأساسية والوحدات الفندقية والاقامات والتنشيط) بـ 10 ملايير درهم، مما سيرفع الطاقة الاستيعابية للفنادق بأكادير والمناطق المجاورة إلى 50100 سرير في أفق عام 2010.
غير أن المشروع تأخر إنجازه بسنة عن الموعد المحدد في عقد التفويت، وتوقفت الأشغال 15 يوما بعد الإعلان عن إنجازه. فغادرت عشرات الآليات ومئات العمال ورش بناء أول وحدة فندقية بالمحطة السياحية الجديدة “تغازوت”، وصار الورش منطقة مهجورة، فيما رد الوزير بوسعيد على بطء تقدم وثيرة الإنجاز بما أسماه “تعقد المشروع”، فيما ربط ذلك مراقبون بـ” الأزمة المالية العالمية”.
هذا المعطى زكاه وزير السياحة والصناعة التقليدية محمد بوسعيد في فبراير 2009، في تصريح صحفي، ليتقرر رسميا “تعليق إنجاز المحطة السياحية وفشل المجموعتين في الالتزام بدفتر التحملات التي وقعته الحكومة المغربية والمجموعة الأميركية الكنارية”، حينها “انسحبت الشركات المغربية والأجنبية التي كلفت بإشغال بناء فندق”رافل” في تغازوت، وصارت المنطقة مقفرة، تتوجع على وقع كتم أصوات الآليات من جهة، وعلى الصمت المطبق لمشروع “حلم” راهن المغرب عليه منذ بداية القرن، وفشلت أكثر من حكومة في إنجازه”.
“تغازوت باي”.. مشروع ملكي.. حلم جديد
بعد إقرار فشل مشروع “تغازوت” للمرة الثانية، عهد القصر لأربع شركاء جدد، وهي “صندوق الإيداع والتدبير” و”الشركة المغربية للهندسة السياحية” ومجموعة “أليانس” للتنمية العقارية ومجموعة “شركاء الجنوب”، من أجل إنجاز أكبر مشروع سياحي في جنوب المغرب، على مساحة 615 هكتارا تمتد 4.5 كيلومترا على طول الشاطئ ويندرج ضمن “المخطط الأزرق”، هدفه إبراز التراث الطبيعي والثقافي لمنطقة سوس، وكذا خلق فرص التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة الأصيلة في المنطقة.
ووفق البطاقة التقنية للمشروع، التي حصل عليها موقع “لكم”، يتعلق الأمر بمشروع يتضمن ستة (06) فنادق فاخرة تطل على البحر. وهي “خليج تيكيدا ريو أرجان” و”حياة ريجنسي”، و”هيلتون”، و”فيرمونت”، و”بيكالباتروس” و”ماريوت”، فضلا عن مرافق رياضية وسياحية وترفيهية ونواد شاطئية، تضم ملاعب للتنس وغولف وركوب الأمواج وكرة القدم.
الانطلاق الفعلي لأشغال البناء تم في عام 2012.
مسار ملتبس للاستثناءات.. ما الذي حصل؟
في 28 يونيو 2013، وتحديدا في زمن اليزيد زلو، حينما تولى مهمة والي جهة سوس ماسة درعة (آنذاك) عرض مشروع “تغازوت باي” على لجنة الاستثناءات، وتم منحه رخصة البناء بقرار من اللجنة المذكور. كما تم تحويل الاستثمار إلى الوكالة المغربية لتطور الاستثمارات والصادرات (AMDIE).
قرار الترخيص بـ RIPT يقضي بإقامة نصف المشروع فنادق والنصف الثاني إقامات، مع الحفاظ على المساحة المخصصة للبناء فقط، ومعها باقي المرافق، كما حصرها التصميم الأساس والأول، الذي أنشأ من أجل المشروع السياحي، شمال أكادير، على الطرق الوطنية رقم 1.
غير أنه في دجنبر من عام 2016، تم عرض المشروع من جديد على لجنة الاستثناءات بأكادير، خلال زمن تولي زينب العدوي مهمة والي جهة سوس ماسة، عامل عمالة أكادير إداوتنان (حاليا تشغل مهمة المفتشية العامة للإدارة الترابية)، منح إبانها ترخيص استثنائي للمشروع من أجل تعديل بعض معالمه.
التعديل في المشروع الأساس والأول، وفق ما توصل إليه موقع “لكم”، يهم وفق ترخيص لجنة الاستثناءات (دجنبر 2016) حذف ملعب الكولف رقم 2 وتعويضه بأكاديمية كرة القدم وحديقة مغامرات، مع إضافة أكاديمية للتنس وناد الفروسية وعيادة. وقد تم تكليف البطل الاسباني “بروغويرا”، الذي سيعهد لشركة إسبانية بتدبير أكاديمية الكرة الصفراء في حقل يلم 19 حفرة.
أما أكاديمية كرة القدم فلم تبدأ بعد لعدم تقدم أي مستثمر لاقتناءها، شأنها شأن نادي الفروسية ومنتزه المغامرات، الذي لا يغريهم كمشاريع الفيلات والشقق.
هذا الاستثناء استصدر على إثره تفويض لتقسيم المشروع، وفق التعديل الجديد، تحت رقم 01/2017 مؤرخ في 14 يونيو 2017.
ترخيص لجنة الاستثناءات وتسويق المنتوج، حدا بالمنعشين إلى توسيع بناءات وإضافة طوابق، مما قلص مساحات الفضاءات الخضراء وباقي المرافق المتبثة في التصميم الأصلي للمشروع.
مشاريع “حياة ريجنسي” و”فيرمونت” (جماعتي تغازوت وأورير)، انطلقت بها الأشغال بين شهري غشت ونونبر عام 2016، فيما فندق “بيكالباتروس” (جماعة أورير) لم تنطلق به الأشغال سوى عام 2019 . ومشاريع كان مبرمج تدشينها ما بين نهاية 2020 و يونيو 2021، بيد أن تأخر الأشغال بها، سيعطلها عن الموعد.
حينها شرعت الشركات، نائلة المشاريع، في تسويق الإقامات السياحية في أكادير، والدار البيضاء، وعبر شبكة النت، فيلات تتراوح أثمنتها ما بين 900 مليون سنتيم و مليار و 200 مليون سنتيم. فيما تصل أسعار الشقق إلى ثلاثة (03) ملايين سنتيم للمتر المربع الواحد بأسعار تتراوح ما بين 150 و 180 مليون سنتيم، كما يجري تسويقها.
غير أن زيارة الملك للموقع خلال الأسبوع الأول من شهر فبراير الجاري عرّت المستور، ففي مساء اليوم التالي لزيارته لأكادير (4 فبراير الجاري) تنقل الملك إلى تغازوت من أجل ممارسة هوايته المائية بالشاطئ، بحسب ما عاينه إبراهيم، وهو أحد أبناء بلدة تمراغت، وأدلى بشهادته لموقع “لكم”.
ويقول إبراهيم في شهادته: “توقف الملك عند إقامة “Solhaws” السياحية، التي تمثل جزءا من مشروع تغازوت السياحي، وسأل شخصا يحمل اسم “عزيز” التقاه هناك: من أين الطريق المؤدية إلى تغازوت؟. أرشده الطريق وواصل المسير”.
ويستمر إبراهيم في روايته، وهو العارف بخبايا المنطقة، أن الملك شرع في التجول ليلا بالمكان وحيدا، ليطلع على ما شيد هناك، حيث الهدوء والسكينة، لمدة قاربت الساعتين، ليعود فيما بعد لمقر إقامته بالقصر الملكي في “بنسركاو”.
بعدها، حلت لجنة مركزية بالمنتجع للتحقق من حقيقة ما شيد من بناءات، وما يجري من أشغال، وما يطابق الواقع والتصاميم.
لجنة مركزية يرأسها وال من وزارة الداخلية تحل بالموقع للتحقق من مدى مطابقة التصاميم لواقع البناءات المشيدة، وتستمر في عملها حتى يوم 13 فبراير الجاري لتَخلٌص إلى وجود اختلالات كبيرة شابت تنفيذ المشروع ولم تحترم تصاميمه على الورق.
هاته الاختلالات رصدتها السلطات المحلية، ممثلة والي جهة سوس ماسة، عبر محاضر معاينة (ما بين 12 و 14 فبراير 2020، استصدرت في شأنها أوامر بالهدم في اليوم الموالي (أي يوم 15 فبراير 2020)، وبلغت للمعنيين ممثلي الشركات نائلة المشروع.
ومن بين “الخروقات الخطيرة”، كما وصفتها أوامر الهدم، تلك المسجلة في مشروع “Fairmont” التابعة لشركة “Sud Partners “المملوكة لـ “AKWA”، كما هو متبث بيافطة المشروع على الموقع، لمالكها الوزير والمستثمر عزيز أخنوش، تجاوز المساحة المبنية والمرخصة في الطابق السفلي لمجموعة 24 فيلا، إضافة طابق جزئي في الأجنحة D و C وL ، وكذا الزيادة ف معامل استخدام الأراضي (COS) مع امتداد المنطقة المبنية على مستوى الأجنحة A و C و L، إضافة إلى تعديل الواجهة الشرقية للجناح B ، وتعديل موقع تركيب الغاز.
أما “Pickalbatros”، المملوك للمجموعة المصرية، فسجلت السلطات، وفق محاضر المخالفات، بناء غرفة تقنية بحوالي 100 متر، وغرف مماثلة غير مصرح بها على مستوى سطح المبنى مخصصة للاستقبال بمساحة 200 متر.
وبخصوص خروقات “حياة ريجنسي”، التابعة لـ” CDG”، فقد تمت إضافة أربع (04) فيلات على مساحة 140 مترا مربعا، وغرفتي نوم غير مصرح بها في الواجهة الجنوبية بالطابق الثاني.
الاختلالات المرصودة، وصفتها محاضر المخالفات وقرارات الأمر بالهدم الصادرة عن قائد تغازوت وقائد أورير بكونها “تشكل إخلالا خطيرا بضوابط التعمير”.
السلطات المحلية منحت الممثلين القانونيين للشركات، نائلة المشروع السياحي، مهلة 48 ساعة من أجل إرجاع الحالة لما هي عليه، تحت طائلة البطلان.
الوضع حدا بالشركات المخالفة للقانون بالمنتجع السياحي لاستقدام الجرافات والشروع في هدم “البناءات المخالفة للتصاميم، بعدما حولوا أقبية عدد من فيلاتها إلى مطابخ، وهو ما يتعارض مع التصاميم، وليضطروا لتعبئتها بالخرسانة، وفق ما عاينه موقع “لكم”، وأكده لحسن، وهو عامل بالورش، تفاديا لهدمها وبناءها من جديد.
[foogallery id=”163130”]
إخلال خطير بضوابط التعمير.. والإحالة على وكيل الملك
اختلالات محاضر المعاينة وأوامر الهدم ووصلات التوصل باستلام القرارات، أحالها والي جهة سوس ماسة، عامل عمالة أكادير إداوتنان، على النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية بأكادير من أجل ترتيب الجزاءات القانونية في حق المخالفين، من أجل استكمال المسطرة، وفقا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 63/5 من القانون 66.12.
وتستند “المخالفات الجسيمة التي تشكل إخلالا خطيرا بضوابط التعمير على مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 63/4 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء، بعد استصدار قرارات بالهدم الفوري للمشاريع المبنية خارج القانون.
وينتظر أن تستصدر النيابة العامة تعليماتها للضابطة القضائية بالاستماع للمخالفين وفق محاضر البحث التمهيدي من أجل ترتيب صكوك الاتها والجزاءات القانونية المصاحبة لها، على أساس تكييف التهم الموجهة للمسؤولين عن المشاريع المخالفة لقوانين التعمير والبناء، حتى يتسنى ترتيب المتابعة من عدمها.
وتتحدد الطبيعة القانونية لجرائم البناء والتعمير المنصوص عليها في القانون 12.66 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء، من كونها من الجرائم المتتالية (الفقرة الأولى)، بالإضافة أنها من الجرائم المبنية على شكوى (الفقرة الثانية)، كذلك بأنها من صنف الجرائم الشكلية (الفقرة الثالثة)، وتتسم بخاصية عدم اشتراط الركن المعنوي لقيامها (الفقرة الرابعة).
وعود المشروع على الساكنة تتبخر..
ما أن تحركت آلة الهدم، حتى تحركت مطالب ساكنة تغازوت وأورير من جديد، بعد 10 سنوات على انطلاق المشروع، رغم شروع عدد من المؤسسات الفندقية في الاشتغال وتسويق منتجاتها.
يقول سعيد أزكار رئيس جمعية “أيت تمراغت”: “هذا التخوف كان لدي منذ عام 2010 وهو ما أكدته في الندوة الصحفية لتقديم المشروع آنذاك، حينما ألححت على أنه لا وجود لضمانات نزع الأراضي من أجل إقامة هذا المنتجع السياحي على الساكنة”.
هاته الشكاوى نقلتها الساكنة، بحسب أزكار، لممثليهم بالجماعة الترابية أورير، حيث تداول أعضاء المجلس غير ما مرة في ذلك، ورفعوا ملتمسات للسلطات، ما تزال محاضر دورات المجلس الجماعي شاهدة على ذلك.
ومضى قائلا: “لم يشغل أبناء المنطقة في المشاريع التي فتحت أبوابها، ولم يحقق ذلك أي أثر على أهالي المنطقة، اللهم شكاوى الغبار وإغلاق المنافذ في اتجاه البحر، حيث كان شباب “تمراغت” و”تغازوت” يسدون رمقهم من أنشطة “السورف” التي تشتهر بها المنطقة عالميا”.
وحاول موقع “لكم” الاتصال برئيس جماعة أورير لحسن بلقاضي (الأصالة والمعاصرة)، غير ما مرة، سواء من خلال زيارات متكررة لمقر الجماعة الترابية، أو عبر الهاتف، غير أنه لا يرغب في الحديث حول الموضوع.
ويشرح محمد بوعود رئيس جماعة تغازوت (2010/2016): “كنت مع إجراء تغييرات على المشروع السياحي بما يؤمن مصالح الساكنة، خاصة وأن المشروع يقع على الحدود بين جماعتي (تغازوت) و(أورير)، شمال أكادير السياحي”.
الأهم، في ذلك، يشرح بوعود، أن وجود المنتجع السياحي “على الحدود الإدارية لجماعتين ترابيتين “تغازوت” و”أورير”، وسلطات الداخلية لم تحسم فيه، ساهم في خلق الفراغ وتقسيم المواقف وخلخلتها، بل وتشتيتها، بحسب مراقبين للشأن المحلي استقى آرائهم موقع “لكم”.
وقوف بوعود إلى جانب الساكنة لم يسلم من أذى وتهديدات، فكلما عقد اجتماع في الولاية بخصوص الموضوع، كان الرئيس السابق لتغازوت يشكل “نشارا في مواقفه، بينما كان الجميع يساند أي تعديل للمشروع، بعدما نبه الشركة إلى ذلك في مراسلة كتابية”، بحسب تعبيره.
هاته المواقف جنت عليه غضب مسؤولين غير ما مرة، وعلى رأسهم الوالي الأسبق محمد زلو، مما حدا به لمغادرة اجتماع خصص لهذا الأمر بسبب رفضه التأشير على تعديلات المشروع، التي لم تلب مطالب الساكنة وانتظاراتها.
وتتلخص مطالب الساكنة، وفق ما أوضحه بوعود لموقع “لكم”، في تعديل بعض من معالم المشروع حتى تحقق التنمية المستدامة التي تأسس عليها، وعلى رأسها التزامات شركة تهيئة خليج تغازوت (SAPST)، منها الزيادة في الممرات المؤدية للشاطئ في خمسة (05) بدل اثنتان (02) فقط وتوسيع ” لا كورنيش” إلى عشرة (10) أمتار بدل أربعة (04)، وأن تؤدي الشركة ثمن العقار الذي سيقام فيه المشروع لفائدة 175 أسرة تنتظر التعويض، وأن توفر وعاء عقاريا مساحته 11 هكتار لإقامة مشاريع عمومية لفائدة ساكنة تغازوت (مركز صحي/ ملاعب/ مصلى/ مستوقفات..)، وهو ما استجابت لبعض منه الشركة على الورق بعد مفاوضات و”قلق وضغوطات”، توج بتوقيع اتفاق عام 2013، بحسب تعبير المتحدث.
غير أنه إلى حدود اليوم (فبراير 2020) لم يتم الوفاء بتلك الوعود والعهد الاتفاقي، سواء ما اتصل بمصالح الجماعة أو الخصوصية لفائدة 175 أسرة في تغازوت من أجل تعويضها، بحسب توضيحات الرئيس السابق لجماعة “تغازوت”، وعضو مجلسها الحالي، ونائب رئيس مجلس عمالة أكادير إداوتنان.
تصريح وزير السياحة بالبرلمان لحسن حداد
وزاد بوعود موضحا: المشروع المقدم لأول مرة في شأن “تغازوت” ليس هو مشروع اليوم، مرر غير ما مرة في لجنة الاستثناءات الولائية وعبر سنوات.
يقول سعيد أزكار، وهو رئيس جمعية أيت تمراغت، إننا واكبنا المشروع من بداياته، ما زال هناك تباطؤ وتلكؤ في تعويض الأهالي، ومنحهم شواهد ملكية مبانيهم.
ويسير الناشط المدني سعيد أزكار إلى القول بأن “هناك رغبة المنعشين العقاريين لمشروع تغازوت في تسويق منتجاتهم، ووقف كل عملية بيع عقار أو منازل أو تحفيظها، والتي توقفت منذ انطلاق هذا المشروع عام 2011 إلى اليوم رغم كل المساعي، شأنها شأن الأماني التي تلقيناها بتعبئة 55 هكتار لإنجاز مشاريع عمومية لفائدة أهالي تمراغت، لم نر منها أي شي إلى اليوم”
يلخص أزكار وضعية شباب تمراغت بقوله: لا آلاف أشجار الأركان التي اقتلعت من أراضي المنتجع عوضت، ولا شباب شغلوا، ولا سكان عوضوا، ولا منافذ للبحر حررت لممارسة الرياضات المائية التي كانت تشكل مصدر عيش العشرات”.
فيديو وصور الممرات والأراضي التي انتزعت منها مئات أشجار الأركان
وبرأي عبد القادر زمور، وهو ناشط مدني من المنطقة، فإن مشروع “تغازوت باي” جاء مخيبا للآمال، إذ أن كورنيش المنتجع مزر لا يشرف المنطقة وسمعتها والمغرب، والمرافق العمومية التي وعدنا بعد لم تتحقق.
واعتبر الناشط الجمعوي أن ذلك “يحز في النفس ولا يليق بمشروع ملكي لتحقيق قاطرة التنمية في مشروع راهن على أنه قاري وكبير، استبشر به خيرا”.
من جهته،تأسف حسن الكردوم، وهو فاعل اقتصادي، في تصريحه لموقع “لكم”، من كون مشروع “تغازوت باي” لم يكن له أثر على تنمية المنطقة، فلا دور شباب فتحت، ولا ملاعب القرب شيدت، ولا مشاريع عمومة لفائدة الأطفال والشباب والشيوخ بنيت.
واستدرك قائلا: بل أغلقت كل المنافذ نحو الشاطئ، ومنع الشباب من ممارسة “السورف”، وصرنا مقهورين.
من المسؤول؟
سؤال نقلناه لعدد من الفاعلين المحليين وتفاوتت الاجابات والردود عن حدود المسؤولية والدعوة للمحاسبة.
تصريح لموقع “لكم”، لمسؤول منتخب سابق بجماعة تغازوت، اثر عدم ذكر اسمه، يؤكد أنه من الناحية القانونية، فالسلطات ممثلة في شخص الوالي والوكالة الحضرية لأكادير والمهندس المكلف بتتبع ورش كل مشروع، جميعهم مسؤولون أمام القانون على تتبع سير الأشغال ومدى ملائمتها لدفتر التحملات.
هاته المسؤولية الجسيمة قعدتها الدورية المشتركة عدد 17/07 بشأن تفعيل مقتضيات القانون 66/12، المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء، التي حصرت مسؤولية المراقبة والزجر على الوالي/العامل والوكالة الحضرية والمهندس المكلف بالمشروع (منسق المشروع) ورئيس الجماعة.
فأين كان هؤلاء جميعهم أثناء ارتكاب تلك المخالفات؟ وأين هي مصالح المراقبة المخولة قانونا للقيام بالمتعين؟ ولماذا صمتوا وتلكؤوا في مباشرة مهامهم تحت مسؤوليتهم القانونية طيلة مسار إنجاز مشروع “تغازوت باي”؟.
تساؤلات تنتظر..
لماذا لم تحقق التغييرات التي أجريت على المشروع الأصلي “تغازوت باي” أي أثر على ساكنة المنطقة؟ ولماذا لم تحرص السلطات على تنفيذ الالتزامات تجاه الساكنة من تعويض مادي وتوفير فرص عمل لشباب المنطقة وتعويض 70 هكتار من أشجار الأركان وتسوية وضعية أراضيهم في إطار لجنة تسوية الأملاك العقارية، والحرص على تنزيل مشاريع عمومية لفائدتهم في عقارات رصدت من أجلهم وطالها التأخر لسنوات؟.
ولماذا وصل الأمر إلى صار عليه المشروع بسبب عدم احترام المعايير والالتزامات القانونية والمجتمعية؟
ماذا غنم موقعو الاستثناءات من المشروع؟ وماذا ربحوا؟ وهل تم تعويضهم بشقق في مواقع أخرى مقابل الموافقة على التعديلات في المشروع الأصلي إلى أن صار على ما هو عليه اليوم؟.
والسؤال الأكبر: هل سيسير التحقيق إلى أبعد مدى في ما صار يعرف بقضية “تغازوت غيت” بعد تبني المغرب في دستور 2011 في زمن ربط المسؤولية بالمحاسبة أم سيقع له كما وقع لمشروع “باديس” شمال المغرب؟.
ومتى ستزول اللعنة التي ظلت تطارد المنطقة، كما ترددها الرواية الشعبية لدى الأهالي؟