الأسبوع المنصرم، أعلن والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، توقعاته التي تقول بأن معدل النمو الاقتصادي في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد لسنة 2016 لن يتجاوز الـ1% في المائة، وهو معدل دفع الخبراء إلى دق ناقوس الخطر، وإعلان ”حالة الاستثناء” الاقتصادي، في ظل ”انكماش” قيمة الصادرات المغربية، المتوجهة إلى السوق الأوروبية، بعد حكم 10  دجنبر 2015، التي قطع بموجبه الاتحاد الأوربي المنتجات الزراعية القادمة من الأقاليم الجنوبية، وفي ظل “شح” التساقطات المطرية، التي أثرت بشكل كبير في معدل النمو.

توقعات والي بنك المغرب، لم ترق حزب العدالة والتنمية، قائد التحالف الحكومي، والمعني الأول بتداعياتها، حيث اعتبر، بلسان مسؤوله في السياسة المالية، أن المؤشرات التي قدمها عبد اللطيف الجواهري بخصوص هذا الموضوع، “متناقضة وسابقة لآوانها”، خصوصا و”أنها تأتي في ظل ”مناخ سياسي” مشحون، على اعتبار أن الأحزاب السياسية تحاول ما أمكن استغلال لغة الأرقام والمؤشرات في صراعها السياسية، علما أن رئيس الحكومة الحكومة كان، قد أكد في وقت سابق، أن” نسبة النمو ستصل خلال هذه السنة إلى 3 في المائة”.

فهل يتعلق الأمر بـ”مضاربة” اقتصادية “حقيقية” بين بنك المغرب وحزب العدالة والتنمية حول نسبة النمو؟ ما خلفياتها؟ ومن المستفيد منها؟ وما ماذا حقيقة هذه الأرقام؟. موقع ”لكم” يعيد تركيب المعطيات المتعلقة ب”خرجة” والي بنك المغرب، وتنقل لكم تصريحات ووجهات نظر خبراء اقتصاد بخصوص هذا الموضوع.

سنة اقتصادية  “عصيبة” بكل المقاييس             

في الوقت الذي توقعت الحكومة ارتفاع نسبة النمو إلى 3 في المائة، رسم والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري صورة قاتمة عن الوضع الاقتصادي المغربي  لهذه السنة، حيث حدد  نسبة النمو في 1 في المائة، وهو ما يجعل “السنة الاقتصادية” الحالية “عصيبة”، خصوصا في ظل متغيرات إقليمية، وعلاقة السوق المغربي بشركائه التقليدين.

وقال والي بنك المغرب،  إنه تقرر الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي عند نسبة 50ر2 في المائة مع مواصلة تتبع كافة تطورات وآفاق الاقتصاد الوطني والدولي أخذا في الاعتبار “انسجام توقعات التضخم مع هدف استقرار الأسعار والشكوك المحيطة بآفاق الظرفية الاقتصادية على الصعيدين الوطني والدولي” ، من غير أن تأخذ هذه التوقعات بعين الاعتبار “رفع الدعم عن مادة السكر الذي سيصل تأثيره على التضخم إلى 27ر0 نقطة إضافية سنة 2016 و48ر0 نقطة في الفصل الأول من سنة 2017” .

تقديرات ”الجواهري” خارج السياق ويجب تحيين المعطيات

عبد اللطيف برحو، عضو الفريق النيابي لحزب “العدالة والتنمية”، أكد أن “تقديرات نسبة النمو الصادرة عن والي بنك المغرب، جاءت خارج أي سياق، فالمعطيات المتعلقة بالموسم الفلاحي تغيرت بشكل جذري خلال الشهرين الماضيين، فبعدما كان المغرب مقبل خلال شهري نونبر ودجنبر على موسم الجفاف بكل ما يحمله ذلك من آثار على القطاع الفلاحي وعلى نسبة نمو الناتج الداخلي الخام، أصبحنا أمام موسم ماطر نسبيا لا يمكن القول معه بأن الموسم الفلاحي سيكون ضعيفا، معتبرا أن “هذه المتغيرات تتطلب إعادة النظر في التقديرات الأولية لنمو القطاع الفلاحي والذي يتعذر في الوقت الحاضر”. 

وأشار الخبير في المالية العمومية، أن “النمو الفلاحي لم يعد يقتصر على زراعة الحبوب في موسمها التقليدي كما كان قبل عشر سنوات، وإنما أصبحت الفلاحة المغربية تتأقلم مع التغيرات المناخية ومع تأخر الأمطار منذ سنة 2013، كما أن سلاسل الإنتاج الفلاحي الأخرى خارج الحبوب أصبحت تساهم بشكل مباشر في نمو القطاع الفلاحي”. 

أما على مستوى القطاع الصناعي، يضيف برحو، فيعتبر تصريح والي بنك المغرب، أكثر غرابة، لأن الحديث عن نسبة النمو الذي ذكرها يعني أن الحكومة لا تقوم بأي مجهود، لأن هذه النسبة يمكن تحقيقها بشكل ذاتي دون أي مجهود للقطاعات الوزارية، ونحن نعلم أن استقطاب الاستثمارات في القطاع الصناعي عرف خلا الثلاث سنوات الأخيرة مستويات غير مسبوقة في تاريخ المغرب، وهو ما يؤشر على قرب تحول القطاع الصناعي رافعة تنموية حقيقية”، قبل أن يشير في ذات السياق، أنه ”لا يمكن هنا تبرير هذه لتقديرات بالسنة الانتخابية وبانكماش الاستثمار خلالها لأن المغرب أصبح يعيش استقرارا سياسيا نموذجيا بغض النظر عن الاستحقاقات الانتخابية التي يعرفها”. 

واستطرد ذات المتحدث لموقع “لكم ” يحق لنا أن نتساءل عن خلفيات خروج والي بنك المغرب في الوقت الراهن ليثير نقاشا حول معطيات غير دقيقة وسابقة لأوانها، ولا أعتقد هنا أن للأمر علاقة بالسنة الانتخابية، فقد سبق لوالي بنك المغرب أن أثار جدالا حول موضوعات مشابهة سنة 2013، وبالتالي أعتقد أن بنك المغرب كان يملك معطيات مبنية على موسم فلاحي جاف تكون نسبة النمو فيه سلبية، وقد كان عليه أن  يقوم بتحيين المعطيات، أو على الأقل انتظار وضوح الصورة.

السياحة الخارجية ستكون كارثية الصيف المقبل

من جهته، يرى المهدي لحلو، الخبير الاقتصادي، أن ”الواقع الاقتصادي الحالي يعرف تدخل العديد من المتدخلين في رصد ”أحوال الاقتصاد” فهناك ”البنك المركزي” والمندوبية السامية للتخطيط، والمؤسسات الدولية التي تستعين بالمعطيات الصادرة عن المؤسسات العمومية الداخلية. مشيرا إلى أنه “خلال هذه الولاية الحكومية، شهدنا تضارب في الأرقام وتزايدت حدتها مع الظروف الاقتصادية الأخيرة”.

واعتبر ذات المتحدث، أن “حزب العدالة والتنمية جاء بعدة مؤشرات أولية بخصوص تحقيق نسبة نمو تصل إلى 7 في المائة، وتراجع البطالة إلى أقل من 8 في المائة، ووصول إلى حد أدنى في الأجور إلى ما يقرب 3000 درهم، إلا أن” قانون المالية لسنة 2016، استثنى هذه المؤشرات”.

وسجل الأستاذ الجامعي، أن ”مجموعة من الملاحظات بهذا الخصوص، حيث اعتبر أن الإنتاج الفلاحي لهذه السنة سيكون ضعيفا مقارنة بالسنة الماضية،  وهذا ناتج بالأساس، لشح التساقطات المطرية، زيادة إلى هذا، يعتبر القطاع السياحي أهم مشغل داخل القطاع الاقتصادي، فالسياحة الخارجية في تراجع مضطرب منذ سنتين، الصيف المقبل، سيكون كارثي بكل المقاييس، فالتقديرات الآتية من السوق الفرنسي يقول إن نسبة النسيج قد تنخفض إلى 45  في المائة السنة 2017 .

إلى جانب القطاعات الحساسة، يرى لحلو أن ” هناك تحسن في صادرات السيارات والفوسفاط، إلا أنه لم يسمح من سد العجز الحاصل الذي يشهده القطاع الفلاحي، مستبعدا أن تكون مؤشرات والي البنك المغرب لها حمولة سياسية”.

المشكل في الحكامة الشاملة

وفي ذات السياق، أكد محمد حركات، أستاذ الاقتصاد في جامعة السويسي بالرباط، أن ”المغرب في سياقه الدولي و الإقليمي له علاقة وطيدة بدول الاتحاد الأوروبي ، الذي يعتمد على طلب صادرات المغرب فبتوجهه إلى منطقة “اليورو” التي تعيش أزمة كبرى بسبب البطالة و الانقسامات بخصوص قضايا الهجرة والأمن دون أن نغفل حكم 10 دجنبر 2015 المتعلق  بمقاطعة المنتجات الفلاحية القادمة من الأقاليم الجنوبية، وقد آثر هذا على الحصيلة الاقتصادية المغربية.

وأضاف ذات المتحدث، أن ”ارتباط المغرب بقطاع الفلاحة الذي يعتمد بالأساس على التساقطات المطرية، تسبب في حدوث أزمة و مضاربة حقيقية في الأرقام ، حيث قدمت الحكومة نسبة النمو تقدر ب 3 بالمائة خلال سنة 2016 ، أما تقرير البنك الدولي الصادر سنة 1996 فقد أشار إلى أن المغرب لن يحقق أي تطور إلا إذا وصل إلى 7 بالمائة من نسبة النمو”.

وأشار ذات المتحدث، إلى أن ”النسيج الاقتصادي المغربي هش، فخطة المغرب الأخضر حققت 80 بالمائة في مجال الحبوب ، 100 بالمائة نسبة اللحوم و الخضر و الفواكه ، إلا أن هذه الخطة لم تأخذ بعين الاعتبار التغيرات المناخية، و أرجع ذات المصدر، “تأخر المغرب في هذا المجال في مشكل الحكامة الاقتصادية ، فالإدارة المغربية تشكل 20 بالمائة من الناتج الإجمالي و 4 مرات من نفقة المقاصة و هي مكلفة للغاية و يجب إعادة النظر في الحكامة الشاملة”.