أشارت تقارير “بنك المغرب” التي صدرت في شهر دجنبر الجاري، أن نسبة النمو سنة 2017 وصلت إلى 4.2 في المائة وأن نسبة البطالة انخفضت هذه السنة من 10 بالمائة إلى 9.6 في المائة، هذا الانخفاض الطفيف تظهره بشكل فعلي تقارير المندوبية السامية للتخطيط التي حددت مستوى البطالة في صفوف الشباب الحاملين للشواهد العليا في 60 في المائة.

وبهذه فإن الحصيلة الاقتصادية  التي سجلت هذه السنة لا تختلف عن سابقاتها، لكن يضاف إليها أيضا تأخر سقوط الأمطار والارتفاع الصاروخي في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، المرشحة للارتفاع أكثر بسب الزيادات التي أقرتها الحكومة في قانون مالية 2018.

المغرب لم ينوع اقتصاده المرتبط بالمطر

يعتبر الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي عز الدين أقصبي بأن الأرقام المقدمة حول نسبة النمو سنة 2017 فيها تضارب كبير بين المعدلات التي يقدمها بنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط بالإضافة إلى الحكومة، لكن كيف ما كان الحال يضيف أقصبي فإن قانون مالية 2018 حدد نسبة النمو هذه السنة في نسبة 3.4 في المائة.

وأشار أقصبي أن آثار الجفاف لن تظهر في هذه السنة بل في السنة القادمة، مشيرا إلى أن المشكل الكبير الذي يعاني منه الاقتصاد المغربي هو تقلبات نسبة النمو من سنة لأخرى وذلك بسب عدم تنويع وتطوير الاقتصاد الذي لازال مرتبطا بالجو وهطول المطر.

وأضاف أقصبي بأن قطاع الفلاحة في المغرب يمثل 17 في المائة فقط من الناتج الداخلي الخام لكن تأثيره أكبر لأن نسبة الساكنة التي تشتغل فيه تصل إلى 42 في المائة، مشددا على أن وتيرة النمو الحالية لن تحل مشاكل المغرب، الذي يعاني من مأزق كبير هو البطالة فلكي نصل إلى مستوى اقتصادي جيد يجب أن تصل نسبة النمو إلى 7 في المائة، وليس هذا فقط  يضيف أقصبي بل يجب أن تبقى هذه النسبة مستقرة ولا تخضع للتقلبات، مضيفا أن هذا المستوى بعيد المنال وشروط تحققه غير موجودة حاليا.

الاستثمارات الاقتصادية ليست لها مردودية

وذكر أقصبي أن قطاع الصناعة بالمغرب فيه تراجع كبير على مستوى التشغيل، في حين أن القطاع الصناعي في الدول المتقدمة يكون رافعة للنمو ومعدلات التشغيل، لذلك فإن هناك فئة اجتماعية كبيرة في المغرب يضيف أقصبي، تعاني من البطالة وحتى المشتغلون يعانون من الهشاشة بحيث أن المغرب بحاجة إلى إصلاحات بنيوية.

وأكد أقصبي أن مستوى المديونية في المغرب مرتفع جدا والمشكلة أن الاستثمارات الاقتصادية ليست لها مردودية كبيرة وهذا ما تشير له تقارير البنك الدولي، وبالتالي يضيف أقصبي فان هذا الأمر يطرح سؤالا عريضا حول الخيارات الاقتصادية للمغرب لأن مشاكله الاقتصادية والتنموية لن تحل “بالتيجيفي” ومشاريع “البرستيج”.

وأشار أقصبي أن الاستثمارات المغربية في إفريقيا ليس لها تأثير على المواطن المغربي بل على بعض المجموعات الاقتصادية فقط، صحيح أن تواجد المغرب بإفريقيا مفيد من الناحية الاقتصادية لمجموعة من الشركات لكن من الأفضل أن يتكلف المغرب بوضعه الداخلي أولا.

وشدد أقصبي على أن الحلول موجودة لكي يتجاوز المغرب مشاكله الاقتصادية لكن المشكل هو مشكل إرادة وحكامة ومحاسبة، فالإصلاح الاقتصادي في نهاية المطاف يرتبط بشكل وثيق بالإصلاح السياسي الذي لازال معلقا لأن ما قرر في الدستور لا يطبق.

سنة 2017 ضعيفة اقتصاديا لأنها سنة جفاف

من جانبه قال المحلل الاقتصادي رشيد أوروز أن نسبة النمو التي قدمها بنك المغرب والتي تصل إلى 4.2 في المائة غير نهائية وهي مجرد توقعات لأن نسبة النمو السنوي العام غير معروفة، ولكن إجمالا يضيف أوروز نسبة النمو هذه السنة ستكون ضعيفة لإنها سنة جفاف.

وأشار أوروز أن مستوى التضخم بالمغرب في العشر سنوات الأخيرة كان متحكما فيه لأنه لدينا سياسية نقدية مضبوطة، فيما يبقى معدل البطالة مرتفعا خاصة في صفوف الشباب حاملي الشواهد العليا.

وأكد أوروز أنه بالرغم من محاولات تنويع مصادر النمو بالمغرب إلا أنه لازال مرتبطا بالمطر.

المغرب ملزم بتعويم الدرهم

وأفاد أوروز أن قرار تعويم الدرهم فشل فشلا ذريعا ولم يؤجل كما يقول بنك المغرب لأن السياق الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بالبلاد لا يسمح بالتعويم، مضيفا أن المبرر الذي قدمه بنك المغرب حول تأجيله لتعويم الدرهم بسبب المضاربات البنكية مبرر ثانوي لأن سبب التعويم هو أن  سنة 2017 هي سنة الاضطرابات الاجتماعية بامتياز، تضاف إليها هشاشة  النظام الاقتصادي المغربي و انتشار الفقر وعدم القدرة على التنويع في مصادر النمو الاقتصادي.

وأكد أوروز أن قرار التعويم سينفذ لا محالة لأنه ليس اختيارا فقطا بل نحن ملزمون بتنفيذه بحكم الواقع، فمصر كانت في ظروف اقتصادية واجتماعية أسوأ من المغرب وبالرغم من ذلك قامت بتعويم الجنيه، ويضيف أوروز أن تحرير صرف سعر الدرهم أمر مهم اقتصاديا لكن يجب أن يطبق بقواعد صارمة حتى ينجح.

معدل السياحة ضعيف

وبالنسبة للقطاع السياحي ذكر أوروز ان معدل 11 مليون سائح الذين زاروا المغرب في سنة 2017 يبقى رقما ضعيفا، خاصة أنه تم احتساب 3 مليون مغربي مقيم بالخارج زاروا المغرب هذه السنة ضمن لائحة السياح.

وأشار أوروز أنه يرى أن هذا المعدل ضعيف لأن الاستراتيجية السياحية للحكومة كانت مبنية على أساس أنه في أفق 2020 سيستقطب المغرب 20 مليون سائح، وعامين تفصلنا على هذه السنة يضيف أوروز والمؤشرات تدل على أننا لن نصل إلى هذا الرقم.

وأكد أوروز أن الوجهات السياحية المتوسطية المعروفة عالميا هي فرنسا،إيطاليا،إسبانيا وتركيا، والمغرب لا مكان له ضمن هذه الوجهات فلا يمكن مقارنة الخدمات التي يقدمها المغرب في المطارات والفنادق والبنيات التحتية بما تقدمه هذه الدول.

المدن الذكية .. أحلام مستقبلية

وأشار أوروز أن مشاريع المدن الذكية لازالت حبرا على ورق لأننا لا نعلم الكثير من المعلومات والتفاصيل حول مشاريع هذه المدن وأنها تبقى في نهاية المطاف أحلاما مستقبلية.

وشدد أورز على أن مشاريع تصنيع السيارات بالمغرب لها قيمة مضافة على الاقتصاد المغربي لأنها شغلت العديد من الناس، لكنها في نهاية المطاف تبقى شركات فرنسية رحلت خدماتها من بلادها الأم لكي تنتج وتصنع في المغرب.

وقال المحلل الاقتصادي بأن المغرب قام بمجهودات كبيرة على مستوى الاستثمار في البنيات التحتية، وهذا الاستثمار له مردود اقتصادي كبير يعود بالفائدة على المقاولات والمستثمرين لكن تبقى الكثير من الجهات غير مرتبطة بشبكة الطرق السيارة والقطارات والمطارات كما أن تكلفة النقل الجوي الداخلي مرتفعة.

الضرائب مرتفعة والمقاولات منهكة

وأكد أوروز أن نسبة الضرائب بالمغرب مرتفعة ويجب أن يعاد فيها النظر، لأنها تشكل ثقلا ضريبيا على المستهلك والمقاولات، مشيرا إلى أن المقاولات المغربية منهكة بالضرائب المرتفعة وسوء التدبير وبقانون العمل الذي يفرض التزامات كبيرة فوق طاقة تحمل هذه المقاولات لذلك ينبغي تعديله ليصبح أكثر مرونة.

وأوضح أوروز أن نسبة المديونية بالمغرب بالرغم من أنها مرتفعة، فالمديونية الخارجية على سبيل المثال تصل إلى 80 في المائة إلا أنها لا تشكل تهديدا للاقتصاد المغربي فالولايات المتحدة هي أكبر قوة اقتصادية عالمية ولها أكبر مديونية خارجية وداخلية في العالم.

الانضمام إلى “سيدياو”

المحلل الاقتصادي رشيد أوروز أشار أيضا إلى أن انضمام المغرب إلى مجموعة غرب إفريقيا المختصرة ب “سيدياو” في حالة إذا تم لن يجر اقتصاد المغرب إلى الأمام، لإن هذه المجموعة ضعيفة اقتصاديا ولن تعطينا خبرة في المجال الصناعي.

وأكد أوروز أن التقارير الإعلامية التي أشارت إلى أن المغرب من الممكن أن يتخلى عن عملته أي الدرهم لصالح عملة هذه المجموعة في حالة ما انضم إليها تقارير مجانبة للصواب وغير دقيقة، لأن هذه المجموعة في الأصل ليس لها لحد الساعة عملة موحدة وتدرس إمكانية تبنيها لمشروع هذه العملة الموحدة سنة 2020.