بعد يوم واحد من إصدار المندوبية السامية للتخطيط مذكرتها الإخبارية التي تضمنت معطيات وأرقاما سلبية حول سوق الشغل بالمغرب، خرج وزير الشغل والإدماج المهني، محمد أمكراز، ليقول “إن قطاع التشغيل ببلادنا سجل انتعاشا بكل القطاعات، ما عدا قطاع الفلاحة والغابات والصيد البحري”، الذي يرأسه الوزير عزيز أخنوش.

وأضاف الوزير أن وتيرة إحداث مناصب الشغل سجلت ارتفاعا صافيا خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، حيث تم إحداث حوالي 120 ألف منصب شغل صافي كمتوسط سنوي، كما عرف الحجم الإجمالي للتشغيل بين سنتي 2018 و2019 زيادة 165 ألف منصب شغل.

ومقابل هذه الأرقام، تسجل المندوبية في مذكراتها للسنوات الثلاثة الأخيرة، انخفاضا مستمرا في معدل الشغل، حيث تراجع من  46,7%إلى  46,2%  بين سنتي 2017 و2018، ليصل إلى 41,6% سنة 2019، ما يعني أن زيادة فرص الشغل صاحبتها زيادة أكبر في عدد السكان النشيطين غير المشتغلين.

كما تضمنت مذكرة المندوبية الصادرة يوم الثلاثاء الماضي، مجموعة من المعطيات التي تكشف هشاشة سوق الشغل بالمغرب، حيث يوجد بالمغرب أزيد من مليون نشيط عاطل، وما يزيد عن 14 مليون نشيط خارج سوق الشغل، ليكون عدد النشيطين المشتغلين أقل من 11 مليون شخص فقط.

وضمن هؤلاء 11 مليونا، كشفت المندوبية أن ما يزيد عن مليون شخص، يشتغلون شغلا ناقصا (بطالة مقنعة)، وحوالي 15% منهم يشتغلون دون أجر، وما يقارب واحدا من بين كل عشرة هم صدفيون أو موسميون.

وإضافة إلى الإدماج الهش في سوق الشغل، سجلت المندوبية ضعف تأهيل النشيطين المشتغلين، ناهيك عن ضعف الحماية، حيث إن نصف المأجورين لا يتوفرون على عقدة عمل، وما يزيد عن %40 في المائة من المشتغلين يشتغلون لساعات مفرطة لمدة تفوق 48 ساعة أسبوعيا، وربع المغاربة النشطين المشتغلين فقط يتوفرون على تغطية صحية، في حين أن ما يزيد عن 77 % من هذه الفئات لا تستفيد من نظام التقاعد، زيادة عن ضعف الانخراط النقابي.

أقصبي: الأرقام  تظهر هشاشة سوق الشغل في المغرب

اعتبر نجيب أقصبي أستاذ الاقتصاد أن أرقام المندوبية هي تحصيل حاصل، إذ إن هذه المعطيات يتم تأكيدها كل سنة، مشيرا إلى أن أخطر ما في هذه الأرقام هو انخفاض معدل الشغل الذي يصل إلى 41,6%، حيث إن أقل من 11مليون نشيط من أصل ما يزيد عن 26 مليون هم فقط من يشتغلون، متسائلا عما يفعله أزيد من 14 مليون مغربي نشيط لا يشتغل.

وقال أقصبي في تصريح لموقع “لكم” إن هذا المعدل جد منخفض حتى بالمقارنة مع الدول الإفريقية والعربية، بل هو من بين الأدنى على مستوى العالم، ويجسد هدر الموارد البشرية في هذه البلاد، والذي له وقع كبير على الإنتاج وعلى الناتج الداخلي الخام وعلى مستوى المعيشة وغيرها، كما يعتبر بؤرة من المشاكل الاقتصادية العويصة.

وأضاف المحلل الاقتصادي أن كون 4 أشخاص من بين 10 فقط هم من يشتغلون فهذا يعني أن الستة الباقين لا ينتجون أي شيء في الناتج الداخلي الخام الذي لا يتجاوز في المغرب 120 مليار دولار في أقصى حد، وهي أرقام تعكس بجلاء حجم الهدر، إضافة إلى أن الشخص الذي لا يشتغل وليست لديه أجرة معناه أن مستوى عيشه ومستوى طلبه واستهلاكه منخفض أو منعدم، وهذا له وقع سلبي على حركية الاقتصاد.

وفيما يتعلق بحضور النساء في سوق الشغل، لفت أقصبي إلى أن معدل الشغل ينخفض وسطهن ليصل إلى 21,5%، وهو ما يعني أن امرأة واحدة فقط من أصل 5 نساء هي التي تلج سوق الشغل، في حين أن حوالي 8 مليون امرأة لا تلج سوق الشغل وإن كن يشتغلن في المنازل أو في الحقول، إلا أن المحاسبة الوطنية لا تدرجهن في حساب الناتج الداخلي الخام.

كما أشار المحلل الاقتصادي إلى تضارب الأرقام بين الحكومة والمندوبية، واعتبر أنه ليس بالأمر الجديد، موضحا أنه وإلى حدود الساعة، المؤسسة المخول لها رسميا مسؤولية إنتاج الأرقام والإحصائيات هي المندوبية، والمفارقة الكبيرة هي أن المندوبية تمثل الدولة والحكومة تمثل الدولة، ما يعني أن الدولة لا تثق في الدولة، وهكذا فإما أن الحكومة تعتبر أن المندوبية السامية للتخطيط لا تشتغل جيدا، وفي هذه الحالة ينبغي أن توقفها ما دامت تصدر أرقاما ليست صحيحة، وإما أنه عليها احترام الأرقام التي تصدرها، فهذا التضارب يعكس ازدواجية في هياكل وبنيات الدولة، واستحضر المحلل التضارب الذي حصل بين المندوبية ووزير الفلاحة حول المخطط الأخضر؛ فحسب أرقام المندوبية لم تخلق الفلاحة ولا منصبا صافيا واحدا، بل فقدت أزيد من 200 ألف منصب، في حين يقول الوزير إنه خلق أزيد من 200 ألف منصب، وهذه مهزلة بكل المقاييس، ومسؤولية هذا الأمر ملقاة على عاتق الدولة.

كما أشار المحلل الاقتصادي إلى أن المذكرة تضمنت مشكلا آخر يعكس الهشاشة في الشغل في هذا البلد، فزيادة على المستوى الهزيل للمأجورين، هناك من يشتغل بدون أجر، وهذه فضيحة.

ولفت المتحدث إلى أن البنك الدولي كثيرا ما يتحدث عن “المرونة” التي تعني أن أرباب العمل الذين يرغبون في تسريح العمال يصطدمون بشروط كثيرة، لكن واقع الأمر في المغرب أن ما يزيد عن نصف المأجورين يشتغلون دون عقدة عمل، وبالتالي فنقاش “مرونة العمل” الذي يتحدث عنه البنك الدولي ينبغي أن يكون في بلد يشتغل فيه الناس بعقد عمل، مؤكدا أن طرح البنك الدولي إيديولوجي مغلوط، فمن لا عقدة له لا يمكن نقاش المرونة معه.

كما أضاف أستاذ الاقتصاد أن نقطة التغطية الصحية والتقاعد هي أيضا مهزلة، دون أن ننسى أن أزيد من مليون شخص يعيشون “البطالة المقنعة”، ما يظهر هشاشة سوق الشغل في هذا البلد ومأساة الواقع الاجتماعي، وهو ما يقتضي ضرورة النقاش العميق لهذه الأرقام لتغذية السياسات العمومية.

 الشعباني: انحصار سوق الشغل يضطر المغاربة للعمل في ظروف مزرية

وفي تعليق له على معطيات المندوبية، اعتبر علي الشعباني، أستاذ علم الاجتماع، أن هذه المعطيات هي تحصيل حاصل، فاقتصاد المغرب فوضوي، والمقاولات تشغل الناس كما لو أنها تشغل أحد أفراد العائلة؛ بدون عقد، وبدون إعطاء الحق للتفاوض حول الحقوق والواجبات، إضافة إلى أن القانون المغربي يعطي الحق للمقاولات لتشغل الأشخاص تحت الاختبار دون عقد أو حقوق، وبالتالي يتم تسريحهم بحجة أنهم لم يؤدوا الواجب كما كان منتظرا منهم، ما يفتح المجال لنوع من التسيب.

وقال الشعباني في تصريح لموقع “لكم” إن سوق الشغل في المغرب محصور، وتبعات الحياة كثيرة، وأن الحاجة تفرض نفسها على الإنسان، موضحا أن “الإنسان يكون تحت الحاجة وتحت ضغط الجوع، ويكون مضطرا للإنفاق على أبنائه وأسرته، وهذا ما يدفعه للدخول أحيانا للعمل دون السؤال عن الشروط أو الظروف التي سيعمل فيها لأنه مضطر، ولأن السوق محصور، فهو مخير بين أن يقبل هذه الشروط، أو يمكن تعويضه بكل سهولة”.

ولفت الشعباني أن طلب الأجير لبعض الحقوق أو توضيح بعض بنود العقد أو تفاوضه مع المقاولة، قد يؤدي بالأخيرة إلى الاستغناء عنه دون أن تكلف نفسها عناء الدخول معه في هذه الأمور، ليجد نفسه مخيرا بين أن يقبل العمل بشروطها أو ينصرف.

واعتبر السوسيولوجي أن الخلل يأتي من الدولة، وعليها أن تعالجه من خلال المشرع، فالدولة تخضع لأصحاب الشركات ورجال الأعمال حتى لا يغرق المغرب بالعاطلين وتكثر الاحتجاجات، ما يدفعها للتساهل مع الشركات والمقاولات تجنبا لهذه المآزق، وهو التساهل الذي يشمل أيضا شروط التشغيل.