تحل نهاية الأسبوع الجاري، الذكرى الأولى لإطلاق حملة المقاطعة التي خاضعها المغاربة في 20 أبريل الماضي.

وطالت الحملة شركة “إفريقيا” لتوزيع المحروقات، يملكها وزير الفلاحة، عزيز أخنوش، و”أولماس” للمياه المعدنية، تملكها “مريم بنصالح”، الرئيسة السابقة للاتحاد العام لمقاولات المغرب، إضافة إلى شركة “سنطرال دانون” الفرنسية للحليب ومشتقاته.

وانطلقت المقاطعة من العالم الافتراضي، ولقت صدى واسعا على أرض الواقع، حيث عرفت مشاركة واسعة للمغاربة، الذين أنهكوا بفعل ارتفاع الأسعار وتدني القدرة الشرائية، في غياب للمراقبة واحترام قوانين المنافسة.

بوعزة الخراطي رئيس جمعية حماية المستهلك اعتبر أن المقاطعة كان لها دور إيجابي في إعادة الاعتبار للمستهلك والرفع من تموقعه ودوره عند الحكومة التي كانت تهمله في السابق ولا تعطيه أي اهتمام.

وأوضح الخراطي في تصريح ل “لكم” أن المقاطعة نجحت أيضا في إثبات أن المستهلك فاعل اقتصادي يجب الانتباه له، كما دفعت الشركات المعنية بالمقاطعة إلى إعادة النظر في الأسعار والجودة.

وأضاف “الخراطي” أن جمعيته اتخذت في البداية موقفا سلبيا من المقاطعة خاصة أنها جاءت من جهات مجهولة، بحيث لم يعرف لحد الساعة من كان يقف وراءها، لكنها في كل الأحوال حققت نتائج إيجابية للمستهلك المغربي وأعادت له الاعتبار.

وأكد الخراطي أن تجربة المقاطعة تبقى إيجابية بالرغم من أن بعض الأسعار كأسعار المحروقات لازالت مرتفعة، لكن يجب أن لا ننسى أن أسعار المحروقات مرتبطة بالعرض والطلب وبتقلبات السوق الدولي، لذلك من الصعب التحكم فيها.

لكن هذا الوضع حسب الخراطي، يجب أن لا يمنعنا من التنديد بالارتفاع الجديد في أسعار المحروقات، وفي تلكؤ الحكومة في اتخاذ أي خطوة في هذا الاتجاه وكأن الأمر لا يعنيها، وهذا هو الأمر الخطير، على حد تعبيره.

من جهته، قال فؤاد عبد المومني المحلل الاقتصادي وعضو “ترانسبرنسي المغرب”، إن حملة المقاطعة لم تخلق ثورة في الأوضاع بالمغرب، لكنها رغم ذلك كانت لحظة مهمة جدا أظهرت تنامي الفعل الاحتجاجي في سلوك المستهلك المغربي.

وأبرز عبد المومني في تصريح ل “لكم” أن المقاطعة كشفت السخط العارم لفئات واسعة من المواطنين المغاربة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب، ومعاناتهم من جمود الأجور وتدني القدرة الشرائية.

كما ساهمت حسب عبد المومني في كشف الواقع الجشع لمجموعة من الشركات، وخاصة التي تتمتع بالريع وبالنفوذ والإمكانيات الهائلة، وأظهرت أن المجتمع لا يزال يفرز آليات جديدة للمقاومة والدفاع عن نفسه.

وأكد عبد المومني أن حملة المقاطعة فرضت مطالبها على الأقل على واحدة من هذه الشركات وهي “سنطرال دانون” التي خفضت أسعار الحليب، كما استطاعت تجاوز القمع الذي تعرضت له الحركات الاحتجاجية الأخرى في مناطق مختلفة من المغرب، بينها الريف وجرادة وزاكورة.

وبحسب عبد المومني تبقى المقاطعة لحظة إيجابية في تاريخ الفعل الاحتجاجي المغربي، رغم أنها حركة بدأت بشكل افتراضي ولم تكن لها قدرات كافية أو آليات تنظيمية وتأطيرية.

أما عن تأثير المقاطعة، فيرى عبد المومني أن خسائر الشركات التي طالتها المقاطعة لم تكن فادحة بشكل كبير، وعلينا أن لا ننسى أن شركتين معنيتين بها وهما “إفريقيا” و”أولماس”، قريبتان من دوائر النظام، وبالتأكيد سيتم تعويضهما بطرق ملتوية من بينها التماطل في تسقيف أسعار المحروقات التي لم تتم لحد الآن.

لكن عبد المومني يعود ويؤكد أن الهدف من المقاطعة ليس ضرب الشركات الثلاث، بل هو وضع الأصبع على داء الريع واستغلال النفوذ وغياب التنافسية والشفافية في الاقتصاد المغربي، في انتظار أن يفرز المجتمع المغربي آليات جديدة وفاعلة لمواجهة هذا الواقع.

وشدد عبد المومني على ضرورة عدم إغفال أن استمرار ارتفاع أسعار بعض المواد التي كانت هدفا للمقاطعة ومن بينها المحروقات، مرتبط بمعطي بنيوي دولي هو ارتفاع سعر المحروقات في السوق الدولية، والمشكل حسب عبد المومني ليس في السعر في حد ذاته بل في هامش ربح شركات المحروقات الذي يجب تقنينه.

وأكد عبد المومني أن المعركة طويلة في سبيل كبح جماح الرساميل الكبرى التي ترضع ثدي الريع الذي يغدقه عليها النظام، لذلك فمن المؤكد أن المجتمع سيستمر في المقاومة والدفاع عن نفسه، وسينتج آليات جديدة تطالب بإنتاج الثروة على أسس مبنية على الشفافية والتنافسية والتوزيع العادل للثروة.

تجدر الإشارة أن خسائر شركة “سنطرال دانون” من المقاطعة وصلت إلى 538 مليون درهم، كما تراجع رقم معاملات شركة “أولماس” من 1.95 مليار درهم في عام 2017 إلى 1.56 مليار في نهاية عام 2018 ، بانخفاض قدره 19.7 ٪، فيما تكتمت شركة إفريقيا” عن الخسائر التي طالتها.