بعض الناس لديها انطباع أن الديمقراطية والإسلام غير متوافقين، لكن لا نرى أي تناقض بين الديمقراطية والإسلام، على الرغم من الاعتراف بأن هناك بعض الاحتكاك بين الإسلام والليبرالية. عندما نقول إن هناك تناقضًا بين الإسلام والديمقراطية، فإننا نقوم بخطأ فئوي والذي يعد مغالطة منطقية خطيرة.

وهناك فرق جوهري بين الإسلام والديمقراطية، فالديمقراطية تقع في فئة السياسة والحكم في حين تقع الليبرالية في فئة الثقافة، ويجب أن تكون هناك دقة في تعريف المصطلحات المستخدمة في العلوم السياسية.

فإن الديمقراطية مجرد نظام سياسي تمثيلي يضمن التمثيل والمساءلة وحق الناخبين في التصويت للحكومات في الداخل والخارج، ومن هذا المعنى نستخدم مصطلح الديمقراطية ونقصد به نظام سياسي تمثيلي متعدد الأحزاب، والذي يمنح الشرعية للحكومة، التي تأتي إلى السلطة من خلال العملية الانتخابية التي هي مسابقة بين أكثر من حزب سياسي؛ لضمان أن تكون تطوعية، وهكذا الديمقراطية ليست أكثر من مجرد نظام سياسي متعدد الجنسيات.

واسترسل بعض علماء المقاييس في الحماس، ونسبوا معاني الديمقراطية إلى المصطلحات الفنية التي هي ذاتها مغالطات كبيرة، وسيستخدم البعض الليبرالية لوصف جوهر الديمقراطية على أنها ديمقراطية ليبرالية في حين أن آخرين سيعتبرونها ديمقراطية واعية أو مستنيرة، والبعض يرى أن الصفة الوحيدة الصحيحة التي يمكن استخدماه لوصف جوهر الديمقراطية هي الديمقراطية التمثيلية.

وبعد تسوية الجوانب النظرية، دعونا نطلق تلك المفاهيم على الواقع العملي العالمي، وخاصة على ظواهر الحركات الديمقراطية الوليدة نتيجة الربيع العربي، إنها حقيقية أن حقائق الوضع على أرض الواقع بالعالمين العربي والإسلامي أقل بكثير من النموذج الديمقراطي الليبرالي المثالي للعالم الغربي المتقدم. ومع ذلك، فهناك الكثير مما يجب أن نتفاءل بشأنه، فعندما اندلعت ثورات الربع العربي في تونس ومصر والبحرين واليمن، وقبل تحول الربيع العربي إلى شتاء سيء في ليبيا وسوريا، وبعض الحالمين متفائلين أكثر من اللازم نتيجة لتلك الحركات.

وعلى عكس الثورات الاشتراكية في الستينات والسبعينات، عندما اعتادت الرؤى في الأيام الخوالي أن يكون لديها عصا سحرية لإحداث تغيير هيكلي أساسي من شأنه أن يقوم بتوزيع منصف للثورة بين عشية وضحاها، والحركات الليبرالية الجديدة في وقتنا الحاضر هي مجرد خطوة بالاتجاه الصحيح، والذي سيهدي العالمين العربي والإسلامي لعصر من السلام والتقدم النسبيين.

لم تكن حركات الربيع العربي بقيادة جمال عبدالناصر وذو الفقار على بوتو وجوهر لال نهرو أو غيرهم من أصحاب الكاريزما ممن كان مغرم بهم المفكرين المثاليين، لكن هذه الثورات كانت الحركات الشعبية التي ساعدت المجتمع على الانتقال من حالة الركود البائس إلى المستقبل الحركي والتمثيلي.

ودعونا نكون واضحين بشأن شيء واحد أولًا وقبل كل شيء، وهو إن الحزب التونسي السياسي الإسلامي المعتدل، النهضة، وجماعة الإخوان المسلمين في مصر، والتي اتبعت نفس النموذج الاقتصادي القديم لزين العابدين بن علي وحسني مبارك، إنها نماذج قائمة على النمو الليبرالي الجديد بدلًا من الاشتراكي القائم على المساواة، كما أن هناك حقيقة وهي أن الاقتصادات النامية في العالم الثالث وفي وجود عدد كبير من السكان والموارد الضئيلة لا يمكن مقارنته مع البلدان الاشتراكية الديمقراطية في الدول الاسكندنافية.

ويأتي التساؤل بشأن ما ستنجزه حركات الربيع العربي إذا كانت الحكومات الديمقراطية ستتبع نفس السياسات الاقتصادية القديمة والتنمية المرتكزة لليبرالية الجديدة؟!، كما ينبغي أن نضع فى الاعتبار أن الديمقراطية ليست أفضل الأنظمة لأنها النظام الأكثر كفاءة للحكم، وإن الأنظمة الاستبدادية من أعلى إلى أسفل هي أكثر كفاءة بكثير من الديمقراطيات.

لكن الديمقراطية هي نظام سياسي تمثيلي، وبذلك تؤدي إلى تغيير اجتماعي جذري، فحق التصويت والتمثيل والشفافية والمسائلة والضوابط والتوازنات وسيادة القانون على المدى البعيد وبناء المؤسسات على المدى البعيد جميعها من ثمار الديمقراطية التمثيلية.

وافترض إيمانويل كانت، أن الحكم الاستقلالي الأخلاقي ينتج عنه المسؤولية الأخلاقية والنضج الاجتماعي. ويمكن أيضًا أن تلك البديهية الاجتماعية يتم تطبيقها على السياسة والحكم. وأن الاستقلال السياسي والحكم الذاتي يولدان المسؤولية السياسية والنضج الاجتماعي. والنظام السياسي من أعلى إلى أسفل يعتمد على قوة خارجية مصطنعة. وفي اللحظة التي يتم إزالة القوة الخارجية فيها، يعود المجتمع إلى حالته السابقة وينهار النظام. ولكن النظام السياسي الشعبي من أعلى إلى أسفل يتطور بشكل طبيعي في جوهره.

ويجب عدم التوقع من حركات الربيع العربي أن تحقق نتائج فورية، وينبغي الوضع في الاعتبار أن تطور الثقافة والسياسة الغربية حدث خلال عدة قرون، وعلاوة على ذلك، فالثورات العربية في الستينات والسبعينات حشدت الطبقات النخبوية فقط، وتورطت بعض الطبقات العاملة، لكن فحوى تلك الثورات كانت النخبوية وهذا هو سبب فشل تلك الثورات في تحقيق النتائج المرجوة، وحركات الربيع العربي، على النقيض من ذلك، فقد حشدت الطبقة الوسطى المتمدنة من المجتمعات العربية في عصر وسائل الإعلام الإلكترونية وتكنولوجيا المعلومات.

وباختصار، إذا لم تكن حركات الربيع العربي معنية بإعادة التوزيع الجذري للثورة، أو إنشاء المدينة الليبرالي الفاضلة بالشرق الأوسط بين عشية وضحاها، فماذا سيكون الهدف من تلك الحركات بعد ذلك؟، ويمكننا شرح أهداف حركات الربيع العربي بمثال رمزي. لو أننا اعتبرنا الديمقراطية مثل المدارس والناس مثل الأطفال. فلدينا خيارين فقط:

الأول، هو أن تبقي على الشعب تحت الديكتاتوريات الأبوية.

الثاني، قبولهم بالمدرسة الديمقراطية التمثيلية، والسماح لهم بتجربة الديمقراطية كحقيقة يمكن معايشتها وليس بعض النظريات القديمة والعقيمة، وإن الخيار الأول سينتج أنصاف أغبياء، ولكن الخيار الثاني سيولد موارد بشرية متعلمة، والتي لا تستهلك موارد فقط ولكن أيضا تخلق موارد جديدة.

وأخيرا، يجب التوضيح أن الظواهر المسلحة في ليبيا وسوريا كانت متميزة ومنبثقة عن الظواهر السياسية والديمقراطية لحركات الربيع العربي، كما هو الحال في تونس ومصر والبحرين واليمن. ويأتي التساؤل حول ما إذا كان تحرر الحركات السياسة سيتحول إلى عنف، وهل أهدافهم ستتخلى عن شرعيتها؟، هم لن يفعلوا ذلك، ولكن وجهة النظر السليمة هي أنه يجب التمييز بين الحركات السياسية، والتي يجب علينا تقديم دعمنا المعنوي لها، والظواهر المتشددة التي ينبغي تثبيطها.

وفي القانون المدني يجري التمييز عادة بين المشروع وغير المشروع. إنه الحق غير القابل للتصرف للشعب في التجمع السلمي للمطالبة بالإصلاح السياسي، لكن في اللحظة التي تصبح فيها تلك الاحتجاجات مسلحة وعنيفة، ففي هذا الوقت تصبح غير مشروعة. وإن توقع أن يقوم المسلحين المدججين بالسلام كما هو الحال في ليبيا وسوريا ممن يتم وصفهم من قبل وسائل الإعلام الرسمية الغربية بـ”المتمردين المعتدلين” بتحقيق الإصلاح السياسي والتغيير الاجتماعي الإيجابي لن يكون من السذاجة فقط، بلد يقترب من الجنون.

ومن في الحالة الأخيرة، من باب الحذر فقط على المجتمع الدولي الضغط على كلا الجانبين، على المسلحين والأنظمة بضبط النفس وتجنب استخدام القوة. وإعطاء الحق السياسي للمظاهرات السلمية من أجل الإصلاحات السياسية والاجتماعية. ويجب أن يكون لدى المتظاهرين الدعم السياسي والمعنوي بعيدًا عن أي تسليح وما يسمى بـ”التدخل الليبرالي” لدوافع خفية وبطريقة انتهازية من المحتمل أن تزيد من تفاقم الصراع.

مصدر المقال

ترجمة: موقع التقرير