في الوقت الذي اختار فيه سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، منذ تعيينة من طرف الملك محمد السادس، خلفا لسلفه عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب “العدالة والتنمية”، عدم الخوض كثيرا في كواليس تشكيل حكومته، سواء في علاقته مع الإعلام أو حتى في اللقاءات الداخلية الأخيرة التي عقدها في سرية تامة وبعيدا عن الإعلام مع أعضاء الحزب، إلا أن مؤشرات جديدة بدأت تظهر وتكشف عن سر صمت “طبيب البيجيدي” عن الأسباب التي جعلته يقبل بشروط سبق لأمانة حزبه أن رفضتها وأكد عليها المجلس الوطني لحزبه.

الحلقة المفقودة.. التي خلفت تصدعا داخل الحزب

كان يومه الجمعة 17 مارس من العام الحالي، لحظة استقبال الملك محمد السادس، لرئيس المجلس الوطني لحزب “البيجيدي”، وتعيينه رئيسا للحكومة، الأخير الذي وافق على مشاركة حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” في حكومته، دون الرجوع إلى قيادة حزبه للتشاور حول “شروط القصر”، بالرغم من أن مشاركة حزب “الاتحاد الاشتراكي” كانت خطا أحمر بالنسبة لإخوان بنكيران.

مصدر مطلع على كواليس لقاء الأمانة العامة بعد تعيين العثماني، كشف في حديثه مع موقع “لكم”، أن من الأمور التي خلفت التراشق الإعلامي بين أعضاء الحزب وقيادته، هي محاولة العثماني تغييب معطيات كانت حاسمة في تشكيل حكومته، ومنها قبوله مشاركة “الاتحاد الاشتراكي” في ثوان ودقائق معدودة دون أن يبدي أي تحفظ ولا ملاحظة بالإضافة إلى عدم الرجوع إلى الأمانة العامة لحزبه.

المصدر ذاته، كشف أن العثماني عندما رجع بهذا القرار إلى الأمين العام للحزب، عبد الإله بنكيران، الأخير لم يستسغه، واعتبره خطأ صادرا عن مسؤول في حزبه، وأن على الأمانة العامة أن تتحمل مسؤوليته.

بنكيران: “هذه دولة ماشي  اللعب”

العثماني أخبر الأمانة العامة لحزبه بالوضع، وخيرهم بين أمرين، إما القبول بالوضع والذهاب نحو الخطوة الموالية لتشكيل الحكومة، وإما رفض مشاركة “الاتحاد الاشتراكي” والتخلي عن تشكيل الحكومة بالرغم من موافقته الأولية في القصر، بالنسبة لبنكيران رفض الاعتراض على مشاركة الاتحاد بعد هذا المعطى بالقول: “هذه دولة ماشي اللعب”.

مصادر داخل حزب “العدالة والتنمية”، تحدثت عن وجود مؤشرات تؤكد على أن تعيين العثماني خلفا لبنكيران مع استحضار تاريخ الحزب ومواقف الرجلين، الهدف منه خلق “تصدع وانقسام داخل الحزب”.

بالرغم من أن بعض أعضاء أمانة “البيجيدي”، يشتكون من “القرارات الانفرادية” لزعيم حزبهم عبد الإله بنكيران، إلا أن مقربين من بنكيران يرفضون التهمة بالرجوع إلى البلاغات التي كانت تصدرها قيادة هذا الحزب بالإجماع طيلة مشاورات الحكومة التي كان يقودها بنكيران، عكس فترة “العثماني” حيث لم تصدر أمانة “البيجيدي” سوى بلاغا واحدا وكان مضمونه التفاعل الإيجابي مع بلاغ الديوان الملكي القاضي بإعفاء بنكيران وتعيين رجل ثان في الحزب.

 العثماني يتملص من قول الحقيقة لإخوانه

وحسب مصادر متطابقة، فبعد كل ما حدث منذ إعفاء بنكيران مرورا برفع “الفيتو” على “الاتحاد الاشتراكي”، إلى قبول تشكيلة حكومة العثماني بالرغم من الغضب العارم الذي يسود البيت الداخلي للحزب لرفضها، فإن المسؤولية وفق قياديين في الحزب، ملقاة على عاتق “الأمانة العامة للحزب” لا على العثماني وحده، لأنه كانت لديهم فرصة لرفض الشروط.

بنكيران دافع عن سعد الدين العثماني، بالقول: “هذا سعد مسؤول في الحزب” وأي خطأ يجب أن يتحمله الحزب.

معطيات أخرى توصلها بها موقع “لكم”، تكشف أن “فيتو” وضع ضد تولي مصطفى الرميد حقيبة وزارة العدل كما رفضت “جهات عليا” تولي عزيز الرباح لحقيبة التجهيز والنقل، وهي شروط قبلها العثماني وحاول إقناع الرميد بضرورة تولي حقيبة وزير دولة، وهو ما تم في نهاية الأمر.

غضب بعض قيادات الصف الأول أو الصف الثاني مرده محاولة العثماني التغاضي عن “قول حقيقة ما وقع لأعضاء الحزب” يضيف المصدر الذي فضل عدم كشف هويته في حديثه لموقع “لكم “.

تقوية العثماني  وإنهاء مرحلة “الجنرال”

حالة “الانقسام الداخلي” في حزب “العدالة والتنمية”، أصبحت اليوم وفق المصدر المطلع، تؤثر على السير التنظيمي للحزب، بحيث هناك “من يريد تقوية وضعية سعد الدين العثماني كرئيس حكومة، وإنهاء مرحلة بنكيران”، إذ يرفض البعض استمرار بنكيران بداعي “تحوله إلى شخص مقدس داخل الحزب”.

المصدر ذاته، كشف عدم رغبة عدة أطراف في الأمانة العامة استمرار بنكيران، وذلك بالرجوع للمؤتمر الثامن للحزب (المؤتمر الذي جدد لبنكيران ولاية ثانية)، خصوصا الحديث الذي جرى آنداك أثناء المداولات، منه قول لحسن الداودي: “لسنا مستعدين للاشتغال مع الجنرال” في إشارة إلى عبد الإله بنكيران.

لحسن الداودي، الذي رافق العثماني طيلة مشاوراته وتوليه لحقيبة الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشوؤن العامة والاقتصادية والحكامة، كان مساندا للعثماني في المؤتمر السابق الذي انتخب فيه بنكيران أمينا عاما لولاية ثانية.

المصادر لم تستبعد وجود خطة داخلية تحبك ضد الأمين العام لـ”البيجيدي”، لإبعاده عن دائرة المنافسة على قيادة الحزب، ويقودها أشد المخالفين له عزيز الرباح، الذي يجول عدة مدن لتأطير لقاءات داخلية، كان آخرها بمدينة تزنيت وبتنسيق مع أحد مقربيه في جهة سوس، وهو نفس الأمر الذي يقوم به سعد الدين العثماني، الذي وجد نفسه مدعوما من الرباح والرميد ومصطفى بابا، الأخير الذي فرض العثماني على ملتقى شبيبة حزبه بالقنيطرة بالرغم من أنه لم يكن مبرمجا.

العثماني وقبول حصاد وزيرا للتعليم

في اللقاء الذي جمع سعد الدين العثماني، بشبيبة حزبه، بمدينة القنيطرة، وبعدما أحرجه عدد من المتدخلين عندما ناقشوه في التشكيلة الحكومية، وقبوله باستوزار أشخاص كانوا في الحكومة السابقة وزراء في قطاعات سيادية مثل محمد حصاد وقبوله بأشد عدو لـ”البيجيدي” بالرباط عبد الوافي لفتيت، اكتفى العثماني بالقول: “حزب (الحركة الشعبية) هو من أتى بحصاد في لائحة وزرائه وأنا لم أتدخل في اختيار لائحة وزرائهم”.

لكن العثماني، فضل عدم إثارة استوزار عبد الوافي لفتيت وزيرا للداخلية (وزارة سيادية)، مفضلا الحديث عن منهج الحزب، والدعوة إلى الحكمة والتعاون مع المؤسسة الملكية.