فوجئ زعماء الغرب بقرار “أوبك بلاس” خفض إنتاجها من النفطـ مما يؤدي إلى رفع الأسعار وفي نفس الوقت توفير المال الكافي لفلاديمير بوتين للاستمرار في حربه بأوكرانيا.

وكان أول وأكبر المفاجئين بقرار خفض الإنتاج من النفط هو الرئيس الأمريكي جو بادين الذي أعرب عن خيبة أمله من حليفته السعودية التي تعتبر أول منتج ومصدر عالمي للنفط.

لكن ما وصفه الرئيس الأمريكي بخيبة أمل، يعتبره محللون أمريكيون طعنة في الظهر من الأمير السعودي محمد ابن سلمان الذي ذهب الرئيس الأمريكي عنده إلى السعودية للتوسل إليه لرفع إنتاج بلاده من النفط للحفاظ على استقرار الأسعار التي أدت الحرب في أوكرانيا إلى ارتفاعها بشكل مهول.

وبدأت الكثير من الأصوات في واشنطن ترتفع مطالبة بمعاقبة الأمير السعودي الذي تعتقد أنه كان المحرك الرئيسي في عملية تخفيض مستويات الإنتاج إلى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ويساور القلق إدارة الرئيس بايدن من أن يؤدي خفض إنتاج النفط إلى زيادة أسعار البنزين قبيل انتخابات التجديد النصفي الأمريكية في الثامن من نوفمبر، إذ سيدافع الديمقراطيون عن سيطرتهم على مجلسي النواب والشيوخ.

خيارات الرد

وعلى المستوى الرسمي قالت الخارجية الأمريكية الخميس إنها “تدرس عددا من خيارات الرد” بخصوص علاقتها مع السعودية بعد اتفاق الرياض مع بقية الدول الأعضاء في مجموعة “أوبك بلاس” لمنتجي النفط هذا الأسبوع على تخفيضات أكبر في إنتاج النفط.

ولم يشر بلينكن على وجه التحديد إلى الخطوات التي تدرسها واشنطن مؤكدا أن بلاده لن تفعل شيئا يضر بمصالحها وأضاف: “هذا أول وأهم ما سيوجهنا، وسنبقي تلك المصالح في أذهاننا ونتشاور عن كثب مع كافة الأطراف المعنية بينما نتخذ قرارا بخصوص أي خطوات للمضي قدما”.

وقدّم ثلاثة من النواب الديمقراطيين تشريعا لسحب القوات الأمريكية وأنظمة الصواريخ الدفاعية من السعودية والإمارات.

وشكك بعض أعضاء مجلس النواب في علاقات واشنطن الأمنية بالرياض، في ظل الغضب الذي يساورهم بسبب وفاة مدنيين جراء العمليات العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن فضلا عن انتهاكها لحقوق الإنسان.

كارثة.. وإهانة

وأعرب عدد من الديمقراطيين عن غضبهم من قرار الأربعاء الذي رأوا فيه إهانة مباشرة للرئيس الأمريكي ومحاولة لتقويض حظوظ الحزب في انتخابات نوفمبر النصفية نظرا لارتفاع أسعار الوقود أمريكا. ووجد المسؤولون الأمريكيون أنفسهم أمام معضلة حول كيفية الرد على احتمال ارتفاع أسعار النفط العالمية والتي قد تسهم في دعم آلة الحرب الروسية في أوكرانيا، ومنح الجمهوريين جدالا قويا حول التضخم.

ووصف مسؤول في البيت الأبيض قرار أوبك بأنه “كارثة”، وقال آخر إن المسؤولين في الإدارة رأوا في التحرك استفزازا مقصودا صمم لتعزيز حظوظ الجمهوريين قبل الانتخابات. وقال مسؤولون آخرون إنهم لم يروا تحركا شريرا في القرار السعودي ولكنهم يعتبرونه ضيق نظر لزيادة أرباح النفط رغم التداعيات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية.

إنهم يبصقون في وجه بايدن

من جهتها ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” أن الزيارة غير المريحة التي قام بها الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السعودية هذا الصيف أصبحت موضع تمحيص من نقادها، وأضافت أن قرار السعودية الانضمام إلى الشركاء وتخفيض معدلات إنتاج النفط أدى لتبادل الاتهامات بين المسؤولين حول زيارة الرئيس بايدن إلى السعودية التي أمل من خلالها إعادة ضبط العلاقات معها وتحسين التعاون في مجموعة من القضايا بما فيها إمدادات النفط العالمية.ذ

ورد بايدن يوم الخميس على منتقديه بالقول بأن زياته إلى السعودية “لم تكن الزيارة بالضرورة عن النفط، وكانت الزيارة حول الشرق الأوسط وعن إسرائيل ومواقف التطبيع” و”لكنها كانت مخيبة”.

لكن هذه التبريرات لم تكن كافية لكي تخفف من مستوى النقد للحكومة السعودية. وقال دين بيكر، الحليف للبيت الأبيض والاقتصادي في مركز أبحاث السياسة والاقتصاد “إنهم يبصقون في وجه بايدن” مضيفا أن “على كل شخص اعتقد أن الزيارة جيدة شرح هذا”.

وكان المسؤولون في البيت الأبيض يعرفون، وحتى قبل زيارة بايدن للسعودية وسلام القبضة مع ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للبلاد، أنها ستثير انتقادات، خاصة بعد تصريح بادين خلال حملته الانتخابية بأنه سيجعل الدولة الغنية بالنفط “منبوذة” بسبب حربها غير الشعبية في اليمن وسجلها الأسود في مجال حقوق الإنسان والطريقة البشعة التي نفذ بها قتل الصحفي جمال خاشقجي بأمر من ولي العهد السعودي.

الصفعة

من جهة أخرى ، وصفت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، قرار “أوبك بلاس”، الذي أثار غضب واشنطن، بأنه يمثل صفعة حقيقية وجهها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لحلفائه الغربيين، لا سيما الرئيسان الأمريكي جو بادين، والفرنسي إيمانويل ماكرون.

وأشارت الصحيفة إلى أن موسكو هي الرابحة من القرار لأنها تحتاج إلى أن يبقى النفط باهظ الثمن لتمويل حربها، مشيرة إلى أن روسيا كسبت 116 مليار يورو من صادراتها النفطية، منذ بدء غزوها لأوكرانيا، وفقا لتقرير صادر عن مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف، ومقره فنلندا.

واعتبرت الصحيفة الفرنسية أن القرار الذي اتخذته منظمة “أوبك بلاس” بقيادة الرياض، يُظهر أن دول الخليج تقف متضامنة مع موسكو وترفض إبعاد نفسها عن حليفها الروسي، العضو في تنفس المنظمة منذ عام 2016.

وأضافت الصحيفة أن السعودية مع جيرانها الخليجيين، رفضوا إدانة موسكو عند بداية الحرب مما أثار استياء الغربيين، مذكرة بأن الرئيس الأمريكي جو بايدن غادر السعودية خالي الوفاض من زيارتها لها في منتصف يوليو الماضي. بدوره، مشيرة إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يكن أكثر حظا خلال استقباله ولي العهد السعودي في نهاية شهر يوليو بقصر الإليزيه وإنما أعطى الفرصة لمحمد بن سلمان ليؤكد نفسه كقائد، وأن أزمة الطاقة الحاصلة تؤكد أنه لا مفر من التصالح بعد والتغاضي عن جرائمه من أجل مصلحة الغرب.

ضرب السعودية

أما وكالة “بلومبيرغ نيوز” الأمريكية فدعت الرئيس الأمريكي لضرب السعودية في المكان الذي يوجعها، وطالبت الوكالة بالرد على ازدراء محمد بن سلمان وتعاليه بنفس الطريقة.

وتبقى خيارات الرئيس الأمريكي محدودة في الرد على ابن سلمان، فمنع صفقات الأسلحة وسحب القوات الأمريكية من السعودية، سيضرّ بصناع الأسلحة الأمريكيين، ويقوي من ساعد إيران، التي تمثل تهديدا أكبر من برميل نفط بسعر 90 دولارا، لذلك يحاول مستشارو الرئيس الأميريكي أن يظهروا قرار خفض الإنتاج بأنه ليس انتقاما شخصيا، وإنما معوّق لتعافي الاقتصاد العالمي.

كما أن رسائل واشنطن بشأن سجل حقوق الإنسان في السعودية فقدت كل مصداقيتها بعد المصافحة التي تمت بين بايدن وابن سلمان.