“فيلا هاريس” في طنجة.. بناية يفوح منها عبق التاريخ كانت شاهدة على الحب ووكرا للجواسيس
اعتبرت فعاليات ثقافية بمدينة طنجة،أن الكيفية التي يتم بها استغلال فضاء معلمة “فيلا هاريس” التاريخية، كفضاء لعرض الأعمال التشكيلية لا تعكس الزخم التاريخي لشخصية والتر هاريس، معتبرين أن البناية لا ترقى إلى متحف له ضوابط خاصة ومعروضات تاريخية.
وأضافوا في حديث مع موقع “لكم”، أن البناية تشهد إقبالا ضعيفا رغم مرور شهور على الافتتاح، مما يحيلنا على ضعف التسويق والتعريف بالبناية، مؤكدين على أن الإقبال الجماهيري على التاريخ المحلي وفضاءاته ومواضيعه لن يتأتى بدون نشر البيانات عن المواقع والفعاليات السياحية في معاجم وخرائط وملصقات، كما لن يتأتى ذلك بدون إستراتيجية موازية تشمل تنظيم زيارات التلاميذ والطلاب والسياح وتخصيص يوم أسبوعي للزيارة المجانية وتطوير الخدمات التي وجب أن تقدم للزائرين في عين المكان.
من إهمال إلى تصنيف
وتعتبر “فيلا هاريس” التي شيدها “والتر بورتون هاريس”، المراسل الصحفي لجريدة التايمز بالمغرب، في نهاية القرن التاسع عشر، بمالابطا إحدى المناطق الشهيرة بطنجة، أقيمت على مساحة تناهز 9 هكتارات، وهي ليست مجرد بناية للسكن وفضاءات خضراء للتنزه، بل هي جزء من الهوية التاريخية، ومرجعا أساسيا للدبلوماسية، كما أن موقعها يجمع بين تيمات متداخلة: التاريخ والذاكرة والسياسة والصحافة والحب والكراهية والمؤامرات.
وأفاد الباحث خالد طحطح في حديث مع موقع “لكم”، أن “فيلا هاريس” ظلت مهجورة وخفية عن الأنظار، وقد أعيد ترميم البناية وتهيئة فضائها، وتم تسجيلها ضمن التراث الوطني، وبذلك غدت متحفا مفتوحا أمام الزوار والوافدين الراغبين في الاطلاع على المعلمة التاريخية من الداخل، وهي بناية أشرف على بنائها هاريس شخصيا، وجعل منها قصرا خاصا على النمط المعماري المغربي التقليدي، فقد أضفى عليه بهاء ورونقا من خلال الزخارف المنقوشة على الخشب والجبص، ويحيط بالبناية حديقة كبيرة على شكل واحة تقدر مساحتها بحوالي 9 هكتارات تضم أشجار ا نادرة مستوردة من عدد من البلدان الأجنبية، بالإضافة إلى أشجار محلية.
وحسب طحطح، فإن الفيلا كانت مقرا وطئه سفراء أجانب ورحالة مغامرون وجواسيس انجليز ورجال سياسة، وقد انتقلت ملكيتها من هاريس إلى مواطن اسباني، إذ يقال أنه باعها بسبب تراكم الديون المالية عليه، وقد حولها المالك الجديد إلى ناد للقمار، وفي ستينيات القرن الماضي انتقلت ملكيتها إلى نادي البحر المتوسط الذي حاول أن يجعل منها فضاء سياحيا حيويا، غير أنها تحولت إلى مكان مهجور بعد توقيف النادي لأنشطته بالمكان. ومن الواجب تثمين مبادرة تحويل البناية لمتحف فني والحديقة لمنتزه عمومي يضم موقف سيارات وملاعب للأطفال وممرات للمشي وكراسي للاستراحات.
قصة صحافي مغامر مهووس بطنجة
ارتبطت هذه المعلمة، من خلال اسمها بشخصية الصحافي الإنجليزي والتر بورتن هاريس (1866- 1933) المغامر المهووس بالرحلات في الفضاءات المغايرة، وقد استقر لمدة طويلة بمدينة طنجة التي أغوته بسحرها، حتى أنه أوصى بدفنه في حديقة الفيلا التي بناها على الشاطئ المعروف بالغندوري، لكنه سيُدفن بدلا عنها في المقبرة البريطانية التي تضم رفات عدد من الشخصيات الأجنبية التي استقرت بالمغرب ومنها قائد الجيش المغربي ماكلين وابنة السفير الإنجليزي الشهير دورموند هاي، وفق حديث للباحث خالد طحطح مع موقع “لكم”.
قدم والتر بورتن هاريس إلى المغرب أول مرة سنة 1887م، يضيف الباحث، وذلك في عهد السلطان الحسن الأول، ثم ما لبث أن تقرب من البلاط خلال فترة حكم السلطان عبد العزيز، فنقل لنا معلومات عن الحياة داخل القصر لا نجدها في المصادر المحلية، معتبرا كتابه “المغرب الذي كان” “Morocco that was” شهادة معاصرة منه للأحداث والصراعات التي عاشها المغرب قبل أن يفقد استقلاله. وهو يتضمن خلاصة التجارب التي عاشها في مختلف مناطق المغرب.
العديد من المصادر التاريخية أشارت إلى قضية تعرضه للاختطاف على يد رجالات أحمد الريسوني في 16 يونيو عام 1903، (القائد الجبلي الذي اتخذ من منطقة الزينات مقرا رئيسيا له ضواحي طنجة) وهي تجربة صعبة خصص لها أربعة فصول في كتابه السابق الذكر.
وفي سرده لتفاصيل الإفراج عنه بوساطة السير آرثر نيكولسون، الوزير البريطاني، يقول طحطح لموقع “لكم”، يحكي عن تسليمه من طرف الريسوني لقبيلة أنجرة كضمانة، ولم تكن هناك أي مطالب بالحصول على فدية مالية كما هو الشأن حين تم أسر “برديكاريس” والقائد ماكلين، بل تركز الطلب على إفراج السلطات على عدد من سجناء القبائل المحبوسين لدى السلطات في سجني طنجة والعرائش، ويعود السبب لفيلا هاريس التي تقع على بعد حوالي ميلين ونصف من وسط مدينة طنجة، على المسار الرئيسي الذي يمر بين قبيلة أنجرة وطنجة.
خارج الأراضي التي يملكها الصحافي الانجليزي يوجد نهر فياض (المعروف بواد الحلق) لايوجد عليه جسر أو ممر، وعبوره يتأتى فقط عند انخفاض المد. لكن غالبا ما يكون المد مرتفعا، فلا يتمكن الجبليون القادمون من انجرة وغيرها من المناطق المجاورة من عبوره، فيضطرون للانتظار لساعات طويلة تكون مرهقة في فصل الشتاء وفي الليل حيث يسود الظلام. ويكون من بين هؤلاء عدد كبير من النساء والفتيات اللواتي كن يحملن معهن كميات كبيرة من الفحم ليبعنه في الأسواق. لهذا اعتاد هاريس على أن يجعل من بيته مأوى لكل من هو في حاجة إليه، وقام ببناء غرفتين لهذا الغرض، وفي فصل الشتاء نادرا ما كان هناك من الفلاحين الذين يدركهم الليل يقضون الليلة عنده، وكانوا يتوفرون على تدفئة أيضا عندما يكون الجو باردًا، وفي كثير من الأحيان على وجبة عشاء. لهذا السبب حين طرحت الفدية من طرف أبناء قبائل جبالة رفضوا، لأنهم رأوا أنه بالنسبة لشخص أظهر كل هذا الكرم ووفر هذه الضيافة لنسائهم وأطفالهم، وأحيانا لهم شخصيا، لا ينبغي أن تكون هناك أية إشارة للمال، وفعلا لم تكن هناك أي إشارة له، ولم تدفع أي فدية مالية لإطلاق سراحه، وفق وجهة نظر الباحث خالد طحطح.
هاريس يرتدي الملابس المغربية ويتحدث بالدارجة المغربية
أما الباحث محمد عزيز الطويل فقد قال لموقع “لكم”، إن هاريس سكن أول الأمر بالقصبة (داخل المدينة العتيقة) لينتقل بعدها إلا فيلاه التي تمتد على مساحة 9 هكتارات ، كان يوجد بها أيضا مسبح كبير ومسرح صغير على شاكلة المسارح الرومانية.
وأشار عزيز الطويل إلى أن والتر هاريس كان يتميز بارتدائه للملابس المغربية ، كما كان يتحدث بالدارجة المغربية بطلاقة، مضيفا أن اسمه ارتبط بقضية اختطافه من طرف الريسوني سنة 1903, وأفرج عنه بعد تقديم ممثل بريطانيا بطنجة “السير آرثر نيكولسون” الفدية للريسوني. وقد خلف هاريس مقالات ومؤلفات عن أهم الأحداث بالمغرب ، ومن ابرزها مؤلفه ” المغرب الذي كان”,، الذي يحكي فيه عن أبرز الأحداث التي شهدها المغرب مع بداية القرن 20.
وعن تطور مسار هذه المعلمة، قال الباحث الطويل، إن والتر هاريس كان قد باع منزله إلى مواطن إسباني، ثم انتقلت الملكية إلى نادي المتوسط club med، لاستغلاله سياحيا، وبعد مغادرة “كلوب ميد” ظلت الفيلا معرضة للتدهور والانهيار، إلى غاية إدراجها سنة 2007 ، ضمن سجل التراث الوطني. كما أدرجت انطلاقا من سنة 2017 ضمن مشاريع التأهيل الموجه للتراث الثقافي. وافتتحت بداية سنة 2021 كفضاء متخفي للأعمال التشكيلية للفنانين المغاربة ، تحت إشراف المؤسسة الوطنية للمتاحف.
وأكد المتحدث، على أن فيلا هاريس ليست مجرد بناية للسكن وفضاء للتنزه، بل هي جزء من الهوية التاريخية والحضارية المعبرة عن العمق الحضاري للمغرب ورمزا للتعايش ومرجعا أساسيا للدبلوماسية. كما انه موقع يجمع بين تيمات متداخلة : التاريخ والذاكرة والسياسة والصحافة والحب والكراهية والمؤامرات.
الوضع الجديد لفيلا هاريس يزيح الغبار عن معلمة تاريخية
في تصريح لموقع “لكم”، اعتبر الباحث في التاريخ خالد طحطح، أن الوضع الجديد لفيلا هاريس يمثل حدثا محليا مهما، فهو يزيح الغبار عن معلمة تاريخية، وعن شخصية أجنبية مهمة تركت كتابات عن تاريخ المغرب في عهد السلطانين عبد العزيز وعبد الحفيظ، وخلالها عاش البلد مرحلة عصيبة من تاريخه تميزت بأحداث متسارعة انتهت بسقوطه في يد الحماية الفرنسية سنة 1912.
وأكد طحطح، على أن الاهتمام بالمعالم التاريخية لمدينة طنجة وإعادة ترميمها وجعلها متاحة أمام الزوار يُعطي نفسا جديدا للمدينة، ويجعلها مؤهلة على المستوى السياحي والاقتصادي، كما أن الاهتمام بتاريخ الأماكن يجعل الماضي قريبا من الفهم بل ومعيشا، وذلك من خلال استعادة الفضاءات المغلقة واستحضار تاريخ الشخصيات المشهورة وكذا المغمورة.
واعتبر الباحث، أن من المبادرات الجيدة التي وجب أن تنخرط فيها مدينة طنجة بمؤسساتها الرسمية وجمعياتها المدنية إحياء ذاكرة الأماكن والشخصيات التي تنتمي لحقب ومراحل تاريخية مختلفة، لأن ذلك يشعر الساكنة بالألفة والتفاعل مع جزء من كيانهم المفقود، مشيرا إلى أن أماكن الذاكرة مفهوم تاريخي معاصر شائع الاستعمال اليوم في عدد من البلدان الأوربية والأمريكية، وقد أشار المؤرخ الفرنسي بيير نورا إلى أن: مكان الذاكرة هو الكائن الأكثر جوهرية، ويمكن أن يكون نصب لشخص مهم، متحف، أرشيف. بشكل عام، يدخل ضمن هذا المفهوم أيضا الأماكن والفضاءات والمواقع من قبيل المقابر والتماثيل والنصب وأيضا الأماكن الفردية مثل المكتبات والمتاحف الشخصية، ولا نستثني التراث الفني والطقوس والاحتفالات.
وتشمل أماكن الذاكرة حسب طحطح، بنايات وتماثل وأعمال فنية ورسوم وبقايا معالم، وأيضا الأنشطة الرمزية والشخصيات التاريخية والأيام الاحتفالية والنصوص والوثائق الأدبية والتاريخية والفلسفية والأنشطة الرمزية، وغيرها.
وأشار الباحث، إلى أن الوضع الجديد لفيلا هاريس بمنطقة مالاباطا ومنزل بيرديكاريس بغابة الرميلات يحييان الآمال مجددا ويعطيان إشارات إيجابية لكنها تظل غير كافية، فهناك معالم كثيرة نراها تندثر، تقتل يوميا، متسائلا، أين هي ذاكراتها وأمكنتها ومعالمنا الثقافية؟ ليجيب، غالبيتها مهملة. نتحدث هنا عن مسرح “سيرفانتيس” وعن “دار النيابة” وعن “بلاصا طورو” التي دخلت مرحلة الترميم بعد إهمال دام لعقود طويلة، ونتمنى أن تترسخ ثقافة الذاكرة التاريخية للمدن من خلال ترميم المعالم المنسية، وإلا غدت مدننا بدون هوية، مؤكدا على أن معركة الحفاظ على هويتنا الوطنية والمحلية تتطلب تضافر جهود فردية وجماعية، ولعل الحفاظ على ما تبقى حتى لا يندثر هو بالطبع رهان يجب كسبه. أليس من حق الساكنة التمتع بحيّزها الجغرافي دون فصله عن إرثه التاريخي؟
ضعف التسويق
سجل الباحث محمد عزيز الطويل، مجموعة من الملاحظات بخصوص متحف فيلا هاريس، منها الكيفية التي تم بها استغلال فضاء البناية، كفضاء لعرض الأعمال التشكيلية، وهو ما يجعل البناية لا ترقى إلى متحف له ضوابط خاصة ومعروضات تاريخية.
وأبرز الباحث، أن البناية تشهد إقبالا ضعيفا مما يحيلنا على ضعف التسويق والتعريف بالبناية، كما أن اللوحات التشكيلية الموجودة بالمتحف، لا تعكس الزخم التاريخي لشخصية والتر هاريس ، ولا للفن المعماري المغربي الأصيل للبناية ولا الشخصيات والأحداث التاريخية المرتبطة بمدينة طنجة خلال عهدها الدولي، مؤكدا أن على الجهات الوصية إعادة التفكير في التوظيف الأمثل البناية باعتبارها معلمة تاريخية تمثل الفترة الدولية بطنجة، وهي المرحلة التي لم نجد لها بعد توظيفا بطنجة ، بما يضمن التعريف بهذه الفترة التاريخية ، ويساهم في توسيع العرض الثقافي ، والجاذبية السياحية بطنجة.
وأضاف المتحدث، كواحد من أبناء هذه المدينة العزيزة، نثمن جميع مشاريع تأهيل التراث الثقافي سواء داخل أسوار المدينة العتيقة، أو خارجها، غير أننا ننبه إلى مسألة جوهرية تتعلق بتحديات التسويق والتنشيط الثقافي والسياحي ، فبعدما كانت الجهود منصبة على تأهيل وتثمين المآثر التاريخية بطنجة، انتقلنا إلى مستوى آخر بتحديات جديدة تتعلق أساسا بحسن التوظيف والتسويق.
أما بالنسبة لخالد طحطح، فإن عملية بناء الذاكرة هي عملية بحث عن عناصر في الماضي وتسليط الضوء عليها وإحاطتها بهالة رمزية وبعث الحياة فيها من جديد، حتى لا يحدث ذلك الانقطاع التام، مشيرا إلى أن الذاكرة يجب تجسيدها في الأماكن التي لا يزال الشعور بالاستمرارية التاريخية موجودا فيها، وفي حالة غياب هذا الشعور وجب بعثه من خلال مبادرات تحسيسة وتعليمية، فنحن مدعوون اليوم إلى إحياء أكبر عدد من الأماكن والآثار والمحفوظات، والمتاحف، وغيرها لأنه لم يتبق لنا إلاّ القليل منها عمليا.
وأضاف طحطح في ذات الحديث مع “لكم”، أن فيلا هاريس تمثل فضاء متميزا بمدينة طنجة ومتنفسا لكثير من العائلات التي تحج إلى هذا المكان لمزاولة رياضة المشي والتمتع بجمالية الحديقة المحيطة بالبناية.
أما عن أسباب تواضع الزائرين للمعلمة، قال طحطح ربما لكونها لم تحظ بعد بتغطية إعلامية كافية، إذ لم يتم مواكبة افتتاحها بعلامات إشهارية وسط المدينة وفي أطرافها، مضيفا بدون شك، لا يمكن إصدار أي حكم في ظل الوضعية الوبائية وتراجع السياحة الداخلية والخارجية، حيث القيود على السفر والتنقل. هذه وضعية استثنائية ستتغير مستقبلا.
وزاد الباحث، عموما لن يتأتى الإقبال الجماهيري على التاريخ المحلي وفضاءاته ومواضيعه بدون نشر البيانات عن المواقع والفعاليات السياحية في معاجم وخرائط وملصقات، فهذه الأخيرة هي مسؤولية وزارة السياحة بالدرجة الأولى، فواجبها أن تجعل من معالم المدينة مناطق جذب سياحي. كما لن يتأتى ذلك بدون استراتيجية موازية تشمل تنظيم زيارات التلاميذ والطلاب والسياح وتخصيص يوم أسبوعي للزيارة المجانية وتطوير الخدمات التي وجب أن تقدم للزائرين في عين المكان.
معالم كثيرة مهملة
أما بشأن الإهمال الذي تتعرض له مجموعة من المعالم بطنجة، قال الباحث طحطح، هذا يحز في النفس، وهي علامة على أننا افتقدنا الإحساس بالذاكرة التاريخية، وهذا واقع كثير من البلاد العربية، حيث القطيعة بين الحاضر والماضي متجذرة، مؤكدا على أن المجتمعات المعاصرة ذات المنحى الاستهلاكي في حياتها اليومية تشهد تحولات ذات وتيرة متسارعة لا يمكن التحكم في مآلاتها، وهذا ما يؤدي إلى انفصالها أو إن لم نقل فك ارتباطها بماضيها وتاريخها وتراثها. هذه الوضعية تجعل اليوم العديد من المؤسسات والمعاهد التاريخية والأثرية تفكر في تخليد أماكن الذاكرة لكنها لا تجد المساندة الكاملة ولا الدعم المادي اللازم لتحقيق أهدافها.
وأشار المتحدث إلى أن مشروع أماكن ذاكرات المدن هو مشروع مجتمعي، تتحمل فيه الدولة والجمعيات المدنية مسؤولية كبيرة، لأن الهدف هو تحديد المواقع، وتثبيتها، والأهم من ذلك نقل الذاكرة الجماعية عبر الأجيال، فعبرها يمكن التأسيس لهوية مشتركة، ولن ينجح الأمر دون إضفاء الطابع المؤسساتي على الأماكن الأثرية والشخصيات والرموز.
واعتبر أن آثار الماضي تأخذ معنى جديدا عندما تصبح الذاكرة محفوظة سواء عبر التدوين أوعن طريق استخدام وسائل الإعلام المعاصرة أو عبر تأهيل المعالم وإنقاذها من الاندثار. ما يهم اليوم هو الحرص على الحفاظ على ما تبقى من مآثر، مبرزا أن واجب الحفاظ على ذاكرة مدننا اليوم ليس أمرا شخصيا أو ذاتيا، بل هو واجب عام وجماعي، إنه دين اتجاه أسلافنا، إننا مدينون لمن سبقونا في جزء مما نحن فيه اليوم، ونحن ملزمون ليس فقط بحفظ الآثار المادية أو المكتوبة في مدننا، ولكن أيضا استحضار الأسلاف ممن كانوا موجودين في السابق وإنصافهم، هذه رسالة المؤرخين أيضا.
وختم خالد طحطح حديثه مع موقع “لكم”، هناك مجتمعات كثيرة استطاعت المحافظة على شخصيتها الاجتماعية من خلال تمسكها بهوياتها الوطنية واعتنائها بذاكراتها، وقد وجدت من يبصرها بقيمة أماكن الذاكرة، وينير لها الطريق ويضع لها المقدمات، فهل في مدننا إرادات جادة وحريصة على إعادة الاعتبار للأمكنة الذاكراتية ولوجودها المادي والمعنوي.