على هامش الحكم على أبوعلين.. التهميش والنسيان يغذيان “ثورة” القيمين الدينيين القادمة
أعاد الحكم على الإمام سعيد أبو علين الذي أدين الأسبوع الماضي بسنتين سجنا نافذا، بعد اعتقاله من أمام مقر إقامة وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، تسليط الضوء على قضية القيمين الدينيين، الفئة الأكثر تهميشا داخل المجتمع، والمنسية من طرف وسائل الإعلام.
هذا التقرير يلقي القليل من االضوء على معاناة هذه الفئة وأوضاعها المزرية بالرغم من دورها الحيوي في توفير “الأمن الروحي” للمواطن، وبالرغم من انتسابها لواحدة من وزارات السيادية، وزارة الأوقاف، التي تعتبر أيضا من أغنى الوزارات بفضل مداخيل الأوقاف.
وفيما يلي التقرير
عبر مجموعة من القيمين الدينيين، عن رفضهم لمنهج ما يسمى بـ”شرط الجماعة” القائم على الصدقات والعطايا، معتبرين إياه، لا يحفظ كرامتهم ولا اعتبارهم داخل مؤسسة المسجد.
وقالوا في تصريحات متفرقة لموقع “لكم”، إنهم لم يجدوا من يستمع إليهم ولا إلى مطالبهم، وهو ما يفسر خروج فئات منهم للشارع إلى الاحتجاج، وفئات أخرى سلكت مسار القضاء، فيما ذهبت طائفة ثالثة إلى التواصل مع الأحزاب السياسية والجمعيات في محاولة لإيجاد مخارج لوضعيتها الصعبة التي تعيشها.
وأوضحوا في تواصل مع “لكم”، رافضين الكشف عن هويتهم مخافة الاستغناء عنهم، على أن ما يتقاضوه من وزارة الأوقاف، متواضع جدا لا يكفيهم حتى للمصروف اليومي لأسرهم، وهو ما يجعلهم عرضة للعديد من الأمور الغير مقبولة منها انتظار العطايا والصدقات وما تجود به فتات الموائد على حد قولهم، مشيرين إلى أن أجرة القيم الديني الشهرية، تترواح ما بين 500 درهم و1000 درهم بالنسبة للمؤذن والمنظف والحارس وغيرهم، في ما يحصل من يمارس الخطابة والإمامة وغيرها على مكافأة شهرية تترواح ما بين 800 درهم و 2500 درهم، حسب الموقع والمدينة، ففي المدينة عادة ما تكون الوضعية مختلفة نوعا ما عن ما هو عليه الحال بالبادية حيث الوضعية أكثر صعوبة وقساوة.
وتعيش هذه الفئة، سواء تلك المكلفة بمهام، أو تلك المتعاقدة مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وضعية جد صعبة حسب العديد من المتابعين للملف، وهو ما دفعهم إلى الاحتجاج عبر مجموعة من الوسائل، كمراسلة الوزير المعني، أو الديوان الملكي، قبل أن تتطور احتجاجاتهم في سابقة بالخروج إلى الشارع للاحتجاج عبر وقفات ومسيرات، حيث كان أول خروج سنة 2005 قبل أن يتطور ويتعزز مع سياق الربيع الذي عرفه المغرب سنة 2011، حيث نظموا مسيرات احتجاجية حاشدة بالعاصمة الرباط، والتي كانت تنتهي عادة أمام مقر البرلمان، لكن دون أن يستمع إليهم أحد، لوضع مشاكلهم ومعاناتهم على الطاولة.
وتأتي هذه التصريحات، في الوقت الذي اعتقلت فيها السلطات المغربية نهاية الشهر الماضي (24 غشت)، سعيد أبو علين صاحب كتاب “مساجد المغرب رؤية من الداخل”، أحد أبرز الأئمة المحتجين على الوضع الحالي، والذي يشغل في نفس الوقت مدير مدرسة عتيقة بمدينة كلميم، حيث تم الحكم عليه بسنتين حبسا نافذا، بعد اعتصامه أمام مقر سكنى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، في سياق رفض جميع الإدارات المعنية الاستماع إليه، في إطار مطالب بتحسين وضع القيمين الدينيين.
وجاء اعتقال والحكم على الإمام أبو علين، ليعيد الاهتمام بهذه الفئة التي يصل عددها على المستوى الوطني إلى أزيد من 110 ألف قيم ديني، حيث ولأول مرة تتوالى بيانات وبلاغات الهيئات الحقوقية الوطنية بهذا العدد الكبير، لتعبر عن تضامنها معهم وتطالب بإنصافهم وإعادة الاعتبار إليهم، كما فتحت عريضة تضامنية مع الإمام المعتقل والتي وقعها حتى الآن أزيد من 300 إطار ينتمون لمختلف المشارب والطيف الوطني.
واعتبرت تصريحات باحثين لموقع “لكم”، أن القيمين الدينيين يشتغلون تحت رقابة أمنية في شخص وزارة الداخلية، ورقابة إدارية تقودها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بالإضافة إلى رقابة الجماعة (رواد المسجد)، وبالتالي فهم أضعف حلقة في منظومة الموظفين بالمغرب، لأنهم يعيشون في وضعية ما قبل الوظيفة العمومية، بدون حقوق، وبدون أي ضمانات الاستقرار الوظيفي.
وطالبت التصريحات، بالاستماع إلى مطالب هذه الفئة وتغليب منطق الحوار بدل القمع والترهيب، حيث تتوالى قرارات التوقيف دون أسباب مقنعة، كما حدث هذا الأسبوع مع الشيخ عبد القادر العوامي الذي تم توقيفه عن منبر الخطابة بعد إبداء رأيه في التباعد خلال الصلاة، فيما مسموح به في أماكن أخرى، وأيضا مع الداعية محمد الهبطي الذي تم توقيفه لأنه تعرض في خطبته قبيل الانتخابات الأخيرة إلى ضوابط تحمل المسؤوليات داعيا إلى التحلي بالأمانة والنزاهة والصدق والأخلاق في خدمة الصالح العام، وهو ما اعتبرته وزارة الأوقاف خروج عن مهام خطيب الجمعة.
المقصود بالقيم الديني
وحسب مفهوم الظهير رقم 1.14.104 الصادر في 20 من رجب 1435 (20 ماي 2014) في شأن تنظيم مهام القيمين الدينيين وتحديد وضعياتهم، فإن المقصود بالقيمين الدينيين، الأشخاص المتعاقدين مع الدولة ممثلة في السلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف والشؤون الإسلامية، وكذا الأشخاص المكلفون من قبلها للاضطلاع بمهام دينية أو مهام مساعدة بسائر الأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي.
وقسم الظهير المشار إليه، القيم الديني إلى فئة متعاقدة، وهم المتعاقدون مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بموجب عقد يبرم وفق أحكام المادة 25 من الظهير في شأن إحداث معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، وينقسمون بدورهم إلى فئتين، الأئمة المرشدون والمرشدات خريجو معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، والقيمون الدينيون المكلفون المزاولون لمهمة الإمامة أو الإمامة والخطابة الحاصلون على شهادة الإجازة الذين تم التعاقد معهم طبقا لمقتضيات المادة 40 من نفس الظهير.
أما الفئة المكلفة، فإنه بقصد بها المكلفة بمهام الإمامة، والخطابة، والآذان، ورواية الحديث، وقراءة الحزب، وأيضا المكلفة بمهام مساعدة كالحراسة، والنظافة، والتفقد.
110 ألف قيم ديني
حسب إحصاء سبق وأن قدمها أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، في 20 ماي 2014 في ندوة صحفية خصصها لتقييم الظهير المنظم لمهام القيمين الدينيين وتحديد وضعياتهم، فإن عدد القيمين الدينيين يصل إلى حوالي 110 ألف قيم ديني، يديرون حوالي 50 ألف مسجد، منهم حوالي 80 ألف ينهضون بمهام الإمامة والخطابة والآذان، وحوالي 17 ألف ينهضون بمهام رواية الحديث وقراءة الحزب، في ما كلف 13 ألف منهم بمهام النظافة والحراسة، وينهض حوالي 577 بمهام تفقد المساجد.
ويرفض من تحدث إليهم موقع “لكم” من القيمين الدينيين، المقاربة التي تنهجها وزارة الأوقاف والتي سبق وأن أكدها الوزير أحمد توفيق في ظهور له أمام البرلمان بتاريخ 4مايو 2021 وذلك جوابا على سؤال للفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس المستشارين، حول موضوع الطريقة الجديدة لتأهيل القيمين الدينيين،والقائمة على مكافأة الوزارة وما يسمى ب”شرط الجماعة”، معتبرين إياها قائمة على الإحسان والعطايا ولا تحفظ كرامة القيم الديني.
وفي كلمة له قبيل اعتقاله يتوفر “لكم” على تسجيلها الكامل، أكد الإمام سعيد أبو علين على أن الأئمة يعانون في صمت، والصمت لم يعد يسعهم، مشيرا إلى أنهم لم يجدوا قنوات للتواصل والاستماع، لذلك ليس غريبا أن نرى أو نسمع خروج فئات من الأئمة الى الشارع، وفئات تحمل ملفاتها المطلبية وتطوف بها على الأحزاب السياسية، وطائفة أخرى تسلك المسار القضائي، مؤكدا على أنه لا يزال في عمق وزارة الأوقاف فئة من الموظفين غارقة في الاستبداد.
وعبر أبو علين في ذات الكلمة عن رفضه ورفض القيميين الدينين العيش على الصدقات ويقتات على فتات الموائد، أريد حقي من المال العام النظيف الذي لا منة فيه لأحد.
الحرمان من التنقيب
تجد الإطارات الممثلة لشريحة واسعة من القيمين الدينيين صعوبة كبيرة في التواجد، كما أنها تعاني من تضييق مستمر خاصة على مستوى أعضاء مكاتبها المسيرة، ونورد في هذا الصدد ما تعانيه “الرابطة الوطنية لأسرة المساجد بالمغرب”، فبالرغم من بين أهدافها، توفير مناخ الحوار لإعادة الثقة بين وزارة الأوقاف والقيمين الدينيين في وضعية استثنائية، وأيضا تعزيز الروابط مع المجالس العلمية والجمعيات والمنظمات الأخرى ذات الاهتمام المشترك، إلا أنها لا زالت لم تحصل بعد على الوصل القانوني، رغم مرور سنوات على التأسيس، بل إن رجل السلطة (القائد) رفض حتى تسلم الملف القانوني للجمعية، أكثر من هذا بمجرد التأسيس وإعلان أسماء المكتب حتى سارعت وزارة الأوقاف إلى توقيف رئيسها وعدد من أعضاء المكتب من مهامهم كقيمين دينيين، والعمل على تخويف الناس منهم، وفق ما صرح به لنا أعضاء من مكتب الرابطة.
وقالمسؤول في رابطة اسرة المساجد في تصريح لموقع “لكم”، إن من بين أهداف رابطة اسرة المساجد الأخرى، النهوض برسالة المسجد المقدسة واحياء دوره في مجتمعنا المسلم دون غلو او جفاء، بالإضافة إلى العمل على جمع كلمة اسرة المساجد من ائمة ومؤذنين وباقي القيمين الدينيين والمطالبة بتحسين الوضعية الاجتماعية ورد الكرامة لأسرتنا اسوة بباقي القطاعات، مشيرا في حديث مع “لكم”، أن عملهم بين “شرط الجماعة” (ما يقدمه المحسنين لهم)والتكليف المفتوح من الوزارة كلاهما لا يكفل ضمانات الاستقرار في العمل وتأدية الواجب ،والقلة القليلة الحاصلة على بعض الشواهد من تعين بصيغة التعاقد.
وأكد المسؤول المشار إليه على أن ما تسعى إليه الرابطة، وما يجب على مسؤولي الوزارة والدولة استيعابه، هو المساهمة في اصلاح قطاع القيمين ما استطعنا، مضيفا أننا لا نسعى للخراب كما يتوهم البعض ويردد للأخرين فلسنا ضد اي أحد بعينه بقدر ما نكافح لتغيير السياسة اللامسؤولة للوزارة ضدنا.
واعتبر المتحدث، أن سياسة الاقصاء وتكميم الأفواه والاعتقالات والاحكام الجائرة المسيسة (الحكم يوم 15شتنبر2021 على الامام ابي علي سعيد بسنتين نافذتين وغرامة 10.000) لن تزيد الوضع الا سوء وتعقيدا.
اما بخصوص الاحتجاجات والوقفات الميدانية التي عرفتها مجموعة من المدن ومنها العاصمة الرباط، قال المتحدث، في الحقيقة الاحتجاجات ليست ضمن قاموسنا، الا ان الكثير اضطر اليها كما يضطر لأكل الميتة (مكره اخاك لا بطل)، معتبرا إياها ليست وليدة اليوم فهي قديمة بقدم وزارة الأوقاف، فبعد وقفة الامام المعتقل سعيد ابي علي ورفيق دربه علي حسو امام قبة البرلمان بعد تأليف كتابهما عن اوضاع اسرة المساجد “المساجد بالمغرب رؤية من الداخل” جاءت الوقفات تلو الاخرى في المدن والقرى وكان من ابرزها ما شهده الرباط من مسيرة وطنية مشهودة في صبيحة بيضاء يوم الاحد 24ابريل 2011، حيث تعرض البعض حينها للاعتقال والاختطاف، فيما هدد البعض، وأعفي البعض الآخر، لكن بعدها جاءت بعض الانفراجات والالتفاتات و الاصلاحات التي لا تنكرها.
أما عن الحكم الذي صدر في حق الإمام أو علين، فقد طالب ممثل رابطة المساجد بإطلاق سراحه وتبرئته من كل ما نسب اليه، مشيرا إلى أنه لم يعرف عنه لا الغلو ولا التطرف ولا اختلس اموال الوزارة والدولة ولم يدنه المجلس الاعلى للحسابات، ولم يكن له ذنبه إلا أنه نادى بأعلى صوته بالإصلاح، معتبرا أن ما يضر الوزارة ان سمعت ووعت واصلحت، لا ان توقف وتوصد الابواب وتعتقل وتسجن في السجون انه عمل المعتوهين والجبابرة وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون، يختم المتحدث.
مطالب عاجلة
في تواصل مع موقع “لكم”، قال مسؤول ب”الرابطة الوطنية لأسرة المساجد بالمغرب”، أن هناك مطالب عاجلة للقيمين الدينيين المكلفين، وفي مقدمتها، إطلاق سراح الإمام سعيد أبي علين ، وفتح حوار اجتماعي مع فعاليات العاملين في رحاب المساجد قصد تسوية أوضاعهم الهشة، داعيا إلى اعتماد معيار الأقدمية في تسوية وضعية كل قيمي المساجد المكلفين، مع استمرار التغطية الصحية والمكافأة الشهرية عندما يغادر القيم المسجد الذي كان يعمل في رحابه ويكون في حالة بحث عن مسجد آخر لمواصلة العمل أداء لرسالته الربانية وقياما بواجبه الشرعي ثم الوطني.
وطالب المسؤول، بإنهاء قرارات الاعفاء الصادرة في حق القيمين الدينيين المكلفين غير المتورطين في جرائم أو جنح وإنما حصلت منهم أخطاء مهنية تعالج بعقوبات تأديبية أخرى كالانذار والتوبيخ والاقتطاع من المكافأة الشهرية.
احتقار وإذلال
في حديث مع موقع “لكم” ، وصف الحقوقي خالد البكاري،وضعية القيمين الدينيين بالمزرية، مشيرا إلى أن الوزارة لا زالت تنظر لهم بنفس المنظار القديم، أي ليس باعتبارهم موظفين في وزارة يفترض أن تكون مدافعة عن حقوقهم، بل هي تستنسخ المنظور القديم لعمل القيم الديني، الذي يجعل رعاية شؤونه الاجتماعية هي مرهونة بالمجتمع، في إطار رؤية إحسانية تجاوزا، فيها نوع من الانتقاص من قيمته ومن قيمة أدواره الاجتماعية والتربوية، مشيرا إلى أنه حتى مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية للقيمين الدينيين تبقى خدماتها ضعيفة فيما يخص خدمات السكن والنقل والتطبيب والقروض إذا ما قورنت بمؤسسات الأعمال الاجتماعية في وزارات أخرى مثل التربية الوطنية مثلا.
وأكد البكاري، على أنه نوع من الاحتقار والإذلال الذي لا يراعي أن هذه الفئة أصبحت تضم مجموعة من حاملي الشهادات الجامعية، الأمر الذي يتطلب تحفيزها، مبرزا أنه لا يفهم إصرار الوزارة على جعل صورة القيم الديني لا تخرج عن ذلك التنميط الذي يأسره في صورة “الطالب” بمعناها التقليدي الموروث.
واعتبر الحقوقي، أن هناك انتهاكات لحقوق القيمين الدينيين، لا على مستوى الحقوق المدنية، حيث يتم تجريم تعبيرهم عن الرأي، خصوصا فيما يتعلق بما يقع في الوزارة، وبما له علاقة بوضعيتهم الاجتماعية والاعتبارية، أو على مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالأجور والترسيم والترقية، والحقوق النقابية حيث يمنع أي شكل من أشكال التنظيم النقابي، بدعوى واهية، وهي حساسية مهمة القيم الديني.
أما بخصوص ما سجله البعض من أن هناك نوع من الضعف على مستوى تعاطي المنظمات الحقوقية مع هذه الفئة، قال خالد البكاري، لا أعتقد أن الجمعيات الحقوقية المستقلة والجادة والمدافعة حقا عن حقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها لها موقف من حقوق هذه الفئة، مشيرا إلى أن تروج البعض أن ضعف مواكبة نضالات هذه الفئة من طرف الجسم الحقوقي، مرتبط بالمرجعية الدينية لهذه الفئة، وهذا غير صحيح، فالجمعية المغربية لحقوق الإنسان دافعت عن تيارات ومواطنين يحملون خذه المرجعية حين انتهكت حقوقهم، كما أن الجمعية سبق أن نددت بالتدخلات العنيفة التي استهدف وقفات سابقة لهذه الفئة.
وأضاف الحقوقي، لكن ما يجب الاعتراف به، أن هناك ضعفا في التواصل بين القيمين الدينيين ممن يناضلون لتحقيق ملفهم المطلبي، وبين الجسم الحقوقي، وقد يكون الأمر مرتبطا بتوجس من القيمين الدينيين أو من تمثل خاطئ عن أدوار الجمعيات الحقوقية، مشيرا إلى أن في محنة الإمام سعيد أبوعلين، أصدرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بلاغا يندد بالحكم الجائر، كما أصدرت لجنة التضامن مع كافة معتقلي الرأي بلاغا تضامنا معه، ومع ذلك أعتقد أن هذه الفئة كما فئات أخرى تستحق المزيد من الدعم والمؤازرة الحقوقية والقانونية والترافعية.
المقاربة الأمنية
وعبر البكاري عن أسفه، من كون وزارة الأوقاف خاصة والدولة عامة تتعامل مع العاملين في الحقل الديني بمنظار أمني صرف، بحيث تكاد وضعية العاملين في وزارة الأوقاف تشبه وضعية حاملي السلاح الممنوعين من العمل النقابي، بحيث إنه حتى العقوبات التأديبية قياسا للعقوبات في الوزارات الأخرى نجد أنها مبالغ فيها، بحيث أصبح التوقيف والطرد هو الإجراء الأول، دون المرور من أي مجلس تأديبي يوفر للخطباء والأئمة وسائر القيمين الدينيين ضمانات الدفاع عن أنفسهم.
وأضاف البكاري في ذات التصريح لموقع “لكم”، لا نبالغ إذا قلنا بأن ممارسات وزارة الأوقاف تجاه القيمين الدينيين فيها الكثير من الترهيب والتخويف، فهي تريدهم منفذين للأوامر دون تمتيعهم بأي حقوق، ودون إشراكهم، وكأنها تخاف من تنامي الوعي النقدي داخل هذه الفئة، مستغرب كون الوزارة تسهب في الحديث عن الحفاظ على الأمن الروحي للمغاربة، فكيف يستقيم هذا الأمن الروحي في غياب أمن نفسي واجتماعي لفئة القيمين الدينيين، وهم أكبر قناة تنزيل للسياسة الدينية، ويشكلون القاعدة الأكبر للوزارة في احتكاكها بالمواطنات والمواطنين.
وختم البكاري تصريحه قائلا، أعتقد أن بدايات الحل تنطلق أولا من وقف كل الإجراءات التأديبية لخلق جو من الثقة بين الوزارة وبين القيمين الدينيين، ثم فتح حوار حقيقي على قاعدة الإنصات الجدي، وبما يفضي إلى نظام أساسي منصف وعادل.
توقيف الأئمة
عبد القادر زعري الباحث في علم الاجتماع السياسياعتبر في تصريح لموقع “لكم”، أن هذا المجال لا يحظى باهتمام كبير للأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني، مضيفا أنهم يعتبرونه تابعا للمجال السيادي التابع لإمارة المؤمنين.
واعتبرالزعري،أن لا أحد كان يتصور أن القيميين الدينيين يمكنهم أن يخرجوا للشارع للاحتجاج، لما كانوا يحظون به من مكانة حيث يعتبرون من العاملين في المجال الديني المحفوظ للملك عبر إمارة المؤمنين، مشيرا إلى أن الجميع كان ينتظر منذ تعيين أحمد التوفيق منذ 20 سنة أن يتم الالتفات إلى هذه الفئة، كما هو حال الموظفين بباقي الوزارات، كالأمن ووزارة الداخلية والعدل والتعليم والطب وغيرها، فإذا به يقع نوع من التخلي عن هذه الفئة، لدرجة أننا بدأنا نرى خطباء وأئمة يتظاهرون في الشارع.
وأبرز الباحث، أنه إذا كانت هذه الفئة تعتبرها الوزارة أنها توفر الأمن الروحي للمغاربة، فإن المنطق يقتضي يقول أن تكون وضعيتهم بنفس الدرجة التي تتوفر عليها قطاعات وزارية أخرى التي توفر أنواع أخرى من الأمن، كالأمن على الأرواح والممتلكات، والأمن المعلوماتي، والأمن الغذائي، وغيرها.
أما بخصوص الطريقة التي يتم بها توقيف الخطباء والأئمة، فقد اعتبرها زعري أنها تغيب عنها المساطر الإدارية، مشيرا إلى أنه عند توقي الخطيب أو الإمام فإنه عادة لا يجد مع من يتحدث، ويبقى موقوفا أو مطرودا إلى ما لا نهاية، خاصة وأن أغلب التوقيفات تعتمد على تقارير رجال السلطة، مشيرا أن الأمر عند التوقيف يحتاج إلى لجنة مع محضر والتثبت مما يقوله الخطيب، ثم نقدم له استفسار للمعني بالأمر، ونعطيه فرصة حق التوضيح والرد إلى غير ذلك، داعيا إلى استعمال التدريج في المساطر من الإنذار إلى التوبيخ فضلا عن النقاش، ثم بعد ذلك تأتي مرحلة أخرى.
رقابة الداخلية والأوقاف ورواد المسجد
أما بالنسبة عبد الرحمان العشيري منظور الباحث في العلوم السياسية والمجال الديني، فقد أشار في معرض حديثه لموقع “لكم”،أن مجموعة من الإصلاحات التي قامت بها الدولة بخصوص منظومة القيميين الدينيين، جاءت في إطار استراتيجية إعادة هيكلة حقل الدينيوضبطه، مشيرا إلى أننا مع ضبط وترشيد الحقل الديني ومغربته، لكن ليس إلى درجة التضخم الأمني الكبير حتى أنه لا يكون هناك تفاعل مع الشأن العام، إلا إذا كان مؤيدا لوجهة نظر السلطة.
صاحب أطروحة “مؤسسة العلماء في المغرب”، أكد على أن القيميين الدينيين، يعانونمن هشاشة على مستوى الوضعية القانونية الضامنة لحق الاستقرار الوظيفي، معتبرا أن التوقيف عادة يكون شفوي ثم بعد ذلك يتبعه الكتابي، مبرزا الصعوبة التي يجدها المعني بالأمر في الطعن لأن اللجنة الوطنية المعنية ثبت مع الوقت أنها صورية، ولا يلتجأ إليها الأئمة لأنها تعتبر خصم وحكم في نفس الوقت.
وأشار منظور، إلى أن التضخم في الرقابة، وصل إلى درجة أن القيم الديني يكون عرضة للوشاية الكاذبة، لأنه تحت الرقابة الأمنية لوزارة الداخلية، والرقابة الإدارية لوزارة الأوقاف، بالإضافة إلى رقابة الجماعة، معتبرا إياه أضعف حلقة في منظومة الموظفين بالمغرب، لأنه يعيش في وضعية ما قبل الوظيفة العمومية، بدون حقوق، بدون أي ضمانات الاستقرار الوظيفي.
هذا الضبط المبالغ فيه والذي يعتمد على التوقيف لأبسط الأشياء بدون أي نقاش أو مجالس للتوجيه، يؤكد الباحث، جعل المسجد والخطباء آليات بخطاب بارد يهدد الطمأنينة والاعتدال المفروض أن يكون في الخطاب الديني المغربي.
مطالب بإعادة الاعتبار
في هذا الصدد، طالبالباحث عبد الرحمان العشيري منظور، بإعادة الاعتبار لهذه النخبة الدينية المهمة في المجتمع المغربي، خاصة وأنها تقوم بمهمة تأطير الشعائر الدينية للمغاربة الذي في عمومه مسلم ومتدين، وإعادة الاعتبار لكرامة هذه الفئة تكون وفق المتحدث، بالاحتضان والتكوين المستمر، مقترحا في الشق المعنوي أن تتكفل به المجالس العلمية المحلية، بشكل علمي وأخلاقي مع الابتعاد عن السطوة التعسفية الإدارية التي تمارسها وزارة الأوقاف.
ودعا الباحث، إلى شفافية ودمقرطة الحقل الديني، وبمنهج الحوار الذي هو مرتبط بالديمقراطية بشكل عام في المغرب، خاصة وأن هناك تحول كبير وسط هذه الفئة حيث أصبحوا يتوفرون على شواهد جامعية ، داعيا المجتمع إلى المزيد من احتضان هذه الفئة لأنها مهمة في الاستقرار وفي النهوض الإيجابي بقيم المجتمع المغربي .
أما بخصوص الجانب المادي، فدعا المتحدث إلى الزيادة في أجور القيميين الدينيين، خاصة وأن الوزارة تعتبر من أغنى الوزارات، مؤكدا على ضرورة الاستثمار في الأوقاف كما سبق وأن اقترح الراحل إدريس الكتاني، لتطوير منظومتها لتتوسع وتساعد في الرفع من الحجم المادي لهذه الفئة.
أما على المستوى الاستراتيجي فالمطلوب دمقرطة المجال وإشراك الفاعلين بشفافية أكبر في القرارات وفق منظومة دستورية ديمقراطية، يختم منظور.
يشار إلى أن موقع “لكم” تعذر عليه الوصول إلى وزير الأوقاف لأخذ رأيه في مجموعة من الاتهامات الموجهة إلى وزارته المعروفة بضعف تواصلها مع وسائل الإعلام.