دأبت “جمعية أصدقاء كمال العماري”، على تخليد ذكرى استشهاد هذا الشاب في مظاهرة إبان حِراك 20 فبراير عام 2011، وتستعد الجمعية هذه السنة في أجواء استثنائية تتعلق بجائحة فيروس كورونا لتخليد ذكرى وفاته في 29 ماي. السلطات المحلية في آسفي عزت استشهاد عماري إلى أزمة قلبية، مدعية أنه كان يعاني من مرض في الرئة.

موقع “لكم” أعاد تركيب قصة استشهاد كمال العماري من خلال شهود ونشطاء الحركة وعائلة العماري الذين عاشوا يوما أسود في 29 من ماي 2011 عندما تعرضت احتجاجات الحركة الاسبوعية إلى المنع والتفريق باستخدام القوة العمومية والضرب المفرط.

يقول مصطفى الساندية وهو أحد أبرز النشطاء الحركة في آسفي ، غداة المسيرة التي سيلقى فيها كمال العماري مصرعه، قررت الحركة في جمع عام استمر إلى حدود الثالثة صباحا، أنَّ تُنظم 3 مسيرات احتجاجية في المدينة، واحدة من الشمال، وأخرى من الجنوب، ومسيرة أخرى تنطلق من شرق المدينة، وتلتقي كلها وسط المدينة.

يؤكد الساندية، أنَّ هذا القرار اتخذ بعدما كانت بوادر “القمع” تلوح في الأفق، ولاسيما بعدما اقدمت السلطات على منع توزيع المنشورات والتعبئة للمسيرة يوما قبل “اليوم الأسود”، وأضاف أيضًا أنَّ تلك المسيرات كانت قد سببت ارهاقا للعناصر الأمنية التي كانت تهدف إلى منع التظاهر في ذلك اليوم.

إعلان خبر استشهاد العماري

في ذلك اليوم سيتعرض كمال العماري للضرب المبرح من طرف عدة عناصر أمن، قاموا بجره إلى أحد الأزقة الجانبية وانهالوا عليه بالضرب والرفس حتى أسقطوه أرضا وتركوه مدرجا في دمائه. ظل العماري يُصارع جروحه وكدماته التي غطت جميع أنحاء جسمه طيلة 3 أيام في منزله، وفي مناسبتين قررت عائلته حمله إلى طبيب عام، وأخرى إلى طبيب اختصاصي في العظام قام بوضع الجبص على كسر في رجله اليسرى، وبعدما ساءت حالته الصحية أكثر، نُقل إلى قسم المستعجلات بمستشفى محمد الخامس في آسفي إلى حين وافته المنية هناك متاثرا بجروحه.

فور اعلان خبر وفاة كمال العماري، بدأت الاحتجاجات ليلا في آسفي، لتتحول المدينة من شبه حالة حظر للاحتجاج إلى مسيرات ومظاهرات في كافة أرجاءها، وكتبت أنداك، مصادر اعلامية، أنَّ اوامر اعطيت لجميع المصالح الأمنية بعدم الاحتكاك مع المتظاهرين.

تقرير حقوقي مثير للجدل

بعد مضي 4 سنوات على وفاة كمال العماري، سيُقدم ادريس اليزمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الانسان، أمام البرلمان، تقريرا عن وضعية حقوق الإنسان والحريات بالمغرب وخصوصا الشق المتعلق بـ “الحق في التظاهر السلمي” حين تحدث عن “الاستعمال المفرط وغير المتناسب للقوة أحيانا مما تسبب في بعض الحالات في المس بالحق في الحياة،” مشيرا في ذلك إلى أحداث آسفي (ماي 2011)، وأحداث آسا .

هذا التصريح رأت فيه جماعة العدل والإحسان “إقرارا واضحا ومباشرا”، لأنها المرة الأولى التي تعترف فيها مؤسسة رسمية (المجلس الوطني لحقوق الإنسان)، وأمام البرلمان، بمسؤولية الدولة في “المس بالحق في الحياة” في بعض الحالات ومنها وفاة الشهيد كمال عماري بعد أن تعرض للاعتداء من طرق القوات العمومية.

هذا التقرير الذي لم يُعثر له على اثر بعد ذلك، أثار جدلا واسعا في المغرب، وتتحدث مصادر موقع “لكم” على أنَّ اعضاء في المجلس تعرضوا لتوبيخات من جهات نافذة في الدولة بسبب صدور التقرير وحديثه عن مسؤولية الدولة في حالات معينة تتعلق بالتظاهر والمس بالحق في الحياة.

وقبل انجاز التقرير وإعلان نتائجه أمام خلال البرلمان، بعث المجلس الوطني لحقوق الإنسان بلجنة تتشكل من: عبد الرزاق الحنوشي، بوشعيب ذو الكيفل ومصطفى الناوي، وحددت مهمتها في الانتقال إلى مدينة أسفي من أجل جمع كافة المعطيات والوثائق المفيدة والضرورية بشأن تداعيات التظاهرة الاحتجاجية التي عرفتها مدينة أسفي وواقعة الوفاة وظروفها وسياقها، ومقابلة مختلف المسؤولين والفاعلين والشهود والفعاليات السياسية والنقابية والجمعوية، وإجراء المعاينات اللازمة وإنجاز تقرير يتضمن عرضا للأعمال المنجزة في إطار التحري والنتائج المتوصل إليها مع خلاصات وتوصيات حول الموضوع.

ويقع التقرير في واحد وأربعين صفحة بالإضافة إلى عشرات الوثائق والمستندات المرفقة والمعززة لخلاصاته وتوصياته في الموضوع، حيث ثم الاستماع فيه إلى أزيد من خمسين شخصا ليستغرق هذا العمل حوالي اثنين وثلاثين ساعة، من الجمعة 03 يونيو إلى الثلاثاء 07 يونيو 2011.

ونشرت جماعة العدل والإحسان على موقعها الرسمي، مجموعة من خلاصات التقرير،التي تقول إنه في يوم الاثنين، حسب أقوال الأسرة، حُمل كمال العماري إلى عيادة الطبيب الدكتور محمد البحبوحي، الاختصاصي في جراحة العظام، بشأن إصابة في ركبته ففحصه ووضع له جبيرة بسبب التواء الأربطة المفصلية، وأكدت الأسرة أنه لم يكن يشكو، قبل إصابته، من أي مرض، وأنه زار بعد إصابته عيادة الدكتور بن عزوز فوصف له بعض الأدوية.

لكن مع مرور الوقت بدأ يعاني من صعوبة في النوم، فبقي ملازما للبيت، لكن يوم الأربعاء فاتح يونيو بدأ يحس ببعض التعب فتم نقله إلى مستعجلات مستشفى محمد الخامس بأسفي صباح يوم الخميس 02 ماي 2011 في الساعة الثامنة والنصف صباحا، حيث كان في شبه غيبوبة وكان يعاني من صعوبات في التنفس، لكن لم يتم الاهتمام بحالته بما تقتضيه من استعجال وعناية، إذ لم يفحصه طبيب المستعجلات إلا في حدود الساعة العاشرة والنصف، وبعد إجراء بعض الفحوصات بالصدى والسكانير أحيل على مصلحة الإنعاش حيث ظل بها حتى وافته المنية في الساعة الثانية بعد الظهر من يوم الخميس 02 يونيو 2011.

أين تقرير التشريح الطبي؟

مازالت عائلة واصدقاء كمال العماري، ونشطاء الحركة، ينتظرون إلى حدود اليوم بعد مضي 10 سنوات، تقرير التشريح الطبي لجثة كمال العماري، ويقول عمر ايت لقتيت، عضو جمعية اصدقاء كمال العماري لموقع “لكم” إن المعطيات التي توصل لها محاميي الجماعة، تؤكد أنَّ التقرير الطبي يؤكد أن وفاة كمال العماري كانت نتيجة الضرب المبرح، وهي الرواية التي تُناقض بلاغ السلطات المغربية أنداك، التي قالت إن وفاة كمال العماري كانت بسبب سكنة قلبية.

وقالت جماعة العدل والإحسان، إن كمال – الناشط في حركة 20 فبرايرـ لم يكن يعاني من أي مرض في الرئة كما زعمت السلطات، وحمّلت العائلة وحركة 20 فبراير السلطات الأمنية مسؤولية وفاة عماري وطالبت بمحاكمة الجناة.

وخلال جولة الاستماع التي اجرتها لجنة من المجلس الوطني لحقوق الإنسان مع عدد من نشطاء حركة 20 فبراير، صرحوا أنه قبل انطلاق مسيرة 29 مايو ثم وضعهم في سيارات تابعة للشرطة قبل نقلهم إلى سيارة أخرى “صطافيت” ونقلهم إلى خارج المدار الحضري مع إخضاعهم لإهانات وحصص من السب والشتم والضرب في أنحاء مختلفة من أجسامهم، وقد عاينت اللجنة أثارا للضرب والعنف: كدمات، كسر، كسر أسنان، جرح غائر في الرأس تم رتقه بسبع غرزات، معززة بصور فوتوغرافية، مع التجريد من الهواتف النقالة التي تم تكسيرها ومن بعض الوثائق الشخصية، وقد صرح المعنيون أن أكواما من الحجارة التي تتواجد عادة قرب السكك الحديدية، كانت مجمعة في علب كرتونية بالسيارة المذكورة وثم أخذ صور لبعضهم بجانبها، وقد التحق بعض المعنفين بمدينة أسفي في ساعات متأخرة مشيا على الأقدام، بعدما تم تركهم في الخلاء بعيدا عن المدار الحضري.

ومنهم من التحق بالمستعجلات لتلقي العلاج، غير أن مصالح المستشفى امتنعت عن تسليمهم شواهد طبية رغم إلحاحهم على ذلك، وينبغي التنبيه في هذا الصدد إلى وجود بعض الأسماء في سجل الدخول الخاص بالمستعجلات، وأفادوا أيضا أن رئيس مصلحة الشرطة القضائية كان يشرف شخصيا على هذه العمليات.

وقالت هيأة الدفاع عن ملف كمال عماري أن قاضي التحقيق لم يستمع إلى أي من المسؤولين الأمنيين، أو عناصر القوات العمومية، أو مسؤولي الإدارة الترابية، الذين ساهموا في التدخل الأمني، الذي تزامن مع وقوع الأفعال، التي يفترض أنها تسببت في إصابات، ثم وفاة كمال عماري، مشيرة إلى أن بعض وثائق الملف، خصوصا تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، المقدم في الملف من طرف النيابة العامة، تشير بوضوح إلى مسؤولية هذه الأطراف.

وفي سنة 2016، أصدر القاضي، الذي أحيل عليه الملف منذ عام 2012، بناء على ملتمس من النيابة العامة بإجراء تحقيق ضد مجهول من أجل ارتكاب جناية العنف العمدي، المؤدي إلى الموت دون نية القتل، وجنحة العنف العمدي، قرارا بعدم المتابعة، مما أعاد الجدل مجددا حول القضية، التي تتهم فيها عائلة وأصدقاء عماري وعدد من الحقوقيين عناصر الأمن بالضلوع فيها.

وإلى ذلك، ذكرت جمعية أصدقاء كمال العماري بما اعتبرتها خروقات شابت الملف، منذ بدايته، من قبيل منع العائلة من حقها في الإطلاع على تقرير التشريح الطبي، وإخفاء تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ما يؤكد النية في التلاعب وطمس الحقيقة.