يخلد عمال العالم  اليوم الجمعة عيدهم الأممي، الذي يحل هذه السنة في ظروف وأجواء استثنائية فرضتها التدابير المتخذة ضد تفشي وباء كورونا، فغابت المسيرات، وغابت الأصوات التي اعتادت أن تصدح في كبريات الشوارع المغربية حاملة الشعارات، ومطالبة بالحقوق، ومنددة بالسياسات.

ولم يتوقف تأثير الجائحة على الاحتفالات المخلدة للذكرى العمالية، بل كان لها انعكاس مباشر وعميق على العمال وعلى ظروف اشتغالهم وعيشهم، إذ وجد الآلاف منهم أنفسهم بين ليلة وضحاها بدون عمل، أو براتب خُصم نصفه، أو في ظروف عمل صعبة في مواجهة عدو خفي ومزعج.

عمال بلا عمل وآخرون في مهب الريح

تشير الأرقام الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط إلى أن جائحة كورونا تسببت في وقف الأنشطة الاقتصادية بجل القطاعات، وتضررت منها المقاولات والعاملون بها، فحسب المندوبية تم فقدان ما يقارب 726 ألف منصب شغل، أي ما يعادل 20٪ من اليد العاملة في المقاولات المنظمة، وذلك إلى حدود بداية شهر أبريل الماضي، جراء وقف آلاف المقاولات لأنشطتها.

كما صرحت ما يقارب من 142 ألف مقاولة، أي ما يعادل 57٪ من مجموع المقاولات، أنها أوقفت نشاطها بشكل مؤقت أو دائم، لتجد جحافل من العمال أنفسها في خبر كان، ولا يبقى من العمال إلا الاسم بعد أن تحولوا إلى عاطلين، وفي وضعية اقتصادية واجتماعية صعبة، كما أن عددا كبيرا منهم في مهب الريح، مهدد بفقدان عمله إذا استمرت الجائحة.

ويُرجع عزيز غالي رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، هذا الأمر إلى أن عددا كبيرا من العمال لا يتوفرون على التغطية الاجتماعية، التي كان من الممكن أن توفر صمام الأمان للطبقة العاملة ضد تداعيات جائحة كورونا.

غالي: أغلب العمال غير مصرح بهم

وأضاف غالي في تصريح لموقع “لكم” أنه لو توفرت الحماية الاجتماعية للجميع، وتم تعويض العامل في حال التوقف الاضطراري عن العمل، بـ70 في المائة من أجرته، لما وصل حال العمال لما هو عليه اليوم، مضيفا أن تعويض ألفي درهم أعطي فقط للأشخاص المصرح بهم في الضمان الاجتماعي، مع العلم أن عددا كبيرا من العمال يشتغلون دون التصريح بهم.

وأرجع غالي سبب هذا كله، إلى غياب دور مفتشي الشغل قبل الجائحة، فمؤسسة مفتشي الشغل في طريقها للانقراض بالغرب، لذلك لا يوجد تصريح بالعمال في الضمان الاجتماعي خاصة العمال الذين يشتغلون بالمناولة، حيث بات من الملاحظ أن الشركات الكبرى لم تعد تشغل العمال، وإنما تبحث عن شركات المناولة، وهذه الشركات لا تصرح بالعمال، وفي مثل هذه الظروف يجد العامل نفسه بدون حقوق.

فراشين: العمال أكبر متضررين من الجائحة

وبدوره، أشار يونس فراشين عضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، في تصريح لموقع “لكم” إلى أن أكبر متضرر من الانعكاسات السلبية جراء جائحة كورونا هي الطبقة الشغيلة، إذ إنها الضحية الأولى للجائحة، مشيرا أيضا إلى أن تعويض العمال منح فقط للمصرح بهم في صندوق الضمان الاجتماعي، إلا أن مجموعة كبيرة منهم غير مصرح بها، والمبلغ المالي الذي قدم لهذه الفئة الأخيرة لا يمكن أن يضمن الحد الأدنى من العيش الكريم.

وهو ما يجعل هذه الفئات، في وضع اقتصادي واجتماعي صعب، لا يملكون أمامه حيلة مع حالة التوقف الناجمة عن حالة الطوارئ الصحية، رغم أن عددا من العمال الذين فقدوا مناصبهم لجؤوا إلى بعض الأنشطة المهنية التي لم يطلها المنع، من أجل سد جوعهم، وتوفير القوت اليومي لأسرهم، خاصة وأن توزيع الدعم الاجتماعي المقدم للفئات المحتاجة والمتضررة من جراء الأزمة، وعلى رأسها الأشخاص الفاقدين لعملهم، جر عليه الكثير من انتقادات المواطنين والجمعيات الحقوقية بسبب صرفه لأشخاص أقل حاجة إليه.

بؤر وبائية وغياب للتدابير الوقائية

ورغم أن عددا كبيرا من المقاولات والوحدات الإنتاجية توقفت عن العمل، إلا أن بعضا منها لا يزال يمارس نشاطه، وإن بشكل جزئي، وهو ما دفع الحكومة إلى التأكيد على ضرورة اتخاذ واحترام مجموعة من التدابير الوقائية في الوحدات الإنتاجية، بهدف حماية الشغيلة من العدوى، ودفع العديد من الجمعيات الحقوقية والنقابات إلى التنبيه إلى خطورة استمرار العمل في ظل هذه الظروف، خاصة بالنسبة للوحدات الإنتاجية غير ذات الأولوية، مشددين على ضرورة مراقبة احترام التدابير الوقائية في أماكن العمل، إلا أنه ورغم كل هذه التحذيرات تحولت بعض المصانع والوحدات الإنتاجية إلى بؤر وبائية في عدة مدن.

وحسب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فقد فُرض على العمال خلال الجائحة الالتحاق بالعمل في ظروف وشروط عمل غير سليمة، فإضافة إلى ضعف مدونة الشغل فيما يتعلق بالسلامة والصحة في العمل، تبين اليوم أن الدولة فرضت على العمال الاشتغال حتى في الظروف غير الصحية، إذ لم يتم احترام التدابير الاحترازية في كثير من المؤسسات، وفي ظل ظروف نقل غير صحية، إذ لا يزال نفس عدد العمال يركب في وسيلة النقل للعمل دون أي تقليص، بالإضافة إلى أن نفس عدد العمال يشتغلون في نفس الشروط السابقة…، وكذلك الحال بالنسبة للعاملات الفلاحيات.

وأضاف غالي أن الطبقة العاملة تدفع ثمن الجائحة، في حين أنه كان على الدولة أن تتدخل بقوة من أجل توقيف العمل في قطاعات غير ضرورية، والتعامل بصرامة في تطبيق الحماية وظروف الشغل للعمال في القطاعات الضرورية، مشيرا إلى أن الدولة إذا كانت قد تعاملت بصرامة وتشدد مع المواطنين الذين يخرقون الحجر، فإننا لم نلاحظ نفس التشدد مع المؤسسات التي تفرض على العمال والعاملات الاشتغال في ظروف صعبة جدا.

وبدوره لفت فراشين إلى وجود تقصير في الإجراءات الوقائية المتخذة في الوحدات الإنتاجية، إذ لا توجد لجان الصحة والسلامة المهنية بالمقاولات، فـ 17 في المائة فقط من المقاولات في المغرب هي التي تحترم مدونة الشغل، ولديها لجان الصحة والسلامة المهنية، لذلك لا يتم احترام التدابير الوقائية رغم توصيات الجهات الرسمية، وهو ما يفسر أن أكبر البؤر الوبائية الموجودة في المغرب توجد بالوحدات الإنتاجية والصناعية.

وأكد عضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية على ضرورة أن تصبح إجراءات وتدابير الوقاية  إلزامية لأرباب العمل، حتى تكون صحة وسلامة العمال أولوية، وهو نفس الأمر الذي أكد عليه غالي، الذي أشار إلى ضرورة توفير مهنيي الصحة بشكل دائم في الوحدات الإنتاجية، ومراقبة حرارة العمال والعاملات بشكل يومي، وكذا تحسين ظروف النقل من خلال تقليص العدد، وضمان مسافة أمان بين العمال داخل المعامل.

وقد كشفت الجائحة، حسب غالي، عن واقع آخر للعمال والظروف الصحية التي يشتغلون فيها، وهذا يرجع بالأساس إلى قلة مفتشي الشغل، ما أدى بالعديد من الشركات إلى عدم تطبيق مدونة الشغل، ما يفرض اليوم إعادة القيمة لهذه المؤسسة للسهر على توفير الشروط الصحية والمهنية للعمال.

مآل صعب ومصير مجهول

وأمام هذا الواقع الصعب الذي يعيشه العمال، وأمام فقدان الكثير منهم لمصدر عيشهم، يبقى السؤال والتخوف حول مصير هؤلاء العمال بعد الجائحة يطرح نفسه، خاصة وأن حالة الركود التي تعيشها مجموعة من القطاعات ستستمر لمدة طويلة، حسب فراشين، وسيفرض هذا الوضع الدخول في سياسة تقشف، وبالتالي سيكون الوضع الاجتماعي والطبقة العاملة هما الضحية، ما سيضعنا أمام تحد كبير في المستقبل،  وهو مستقبل سيكون أصعب على الفئات العاملة، خاصة المشتغلة في قطاعات مثل الفنادق، وشركات الطيران والنقل، ومجموعة من القطاعات المهنية الأخرى التي سيجد عمالها أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه.

وهذا الوضع سيفرض، بحسب النقابي، على الحركة النقابية على المستوى الدولي أن تناضل من أجل الحفاظ على استقرار الشغل وتوفير المناصب والحفاظ على المكتسبات الاجتماعية وفي صدارتها الحماية الاجتماعية، كما سيفرض على الدولة إنعاش الاقتصاد والحفاظ على الدورة الاقتصادية، إذ ينبغي أساسا التعويل على الطلب الداخلي والطلب الداخلي لا يمكن أن يكون إلا بالاستقرار الاجتماعي والقدرة الشرائية، التي ينبغي توفير الحد الأدنى منها لكافة المواطنات والمواطنين.

وأضاف المسؤول النقابي أنه سيكون على الدولة، دعم المقاولات الوطنية أساسا، خاصة الصغرى والمتوسطة، لأن أغلب المقاولات في المغرب تنتعش من خلال الاستثمار العمومي، وعلى الدولة من خلال هذا الاستثمار ومن خلال مجموعة من البرامج أن تدعم المقاولة الوطنية لتحافظ على مناصب الشغل.

كما تطرق فراشين إلى ضرورة مأسسة الحوار الاجتماعي، معتبرا أن الإطار الذي وضعته منظمة العمل الدولية لتدبير مرحلة ما بعد كورونا مهم، إذ إن الحجر الأساس فيه هو الحوار الاجتماعي الممأسس، والذي يمكن من خلاله إيجاد الحلول لكافة المشاكل المطروحة.

وأكد المتحدث في الأخير أن الظرف الصحي الناجم عن كورونا جاء بشكل مفاجئ للجميع، والعالم اليوم بصدد التفكير في مرحلة ما بعد كورونا، وإنتاج بعض الأفكار وبعض الحلول، مشيرا إلى أن هذا الأمر يظل رهان الجميع، فالمرحلة المقبلة ليست مرحلة مزايدة، وينبغي علينا جميعا تكثيف الجهود للخروج من هذا الوضع الذي سيكون صعبا.