كشف المنع “الشفوي” لوزارة الداخلية لعدد من أنشطة حزب “العدالة والتنميةّ”،  الأسبوع قبل الماضي عن طبيعة العلاقة “المتوترة“، التي تجمع بينهما مع اقتراب كل محطة انتخابية، وهو ما أعاد للأذهان لعبة شد الحبل بين الطرفين كما سبق أن حدث عشية استحقاقات سابقة. 

ففي الأسبوع قبل الماضي قررت وزراة الداخلية الأسبوع الماضي منع أنشطة لحزب “العدالة والتنمية” بمدينة الرباط، ونشاط لشبيبه بمدينة الدار البيضاء، نهاية نفس الأسيبوع.

مفارقة عجيبة

وفي اتصال مع خالد البوقرعي، برلماني حزب “العدالة والتنمية”، عن دائرة الحاجب، قال لموقع “لكم“، “إن  منع أنشطة حزبية اتخذت جميع الإجراءات القانونية لتنظيمها، تعسف على الدستور وعلى القانون وعلىحقوق الانسان”.

وأضاف البوقرعي في تعليقه عن منع أنشطة حزبه بكل من الرباط والدار  البيضاء بحر الأسبوع الماضي، أنه لايحق لأي سلطة كيفما كانت تقديراتها أن تمنع أنشطة حزب خلفيته معروفة.

وتابع أن منع حزب يرأس الحكومة من المفارقات العجيبة، موضحا أن حزبا آخر “يقيم الخيام الكبيرة التيتحتضن المائات من الناس بتسهيل وتيسيير من السلطات المعنية“، وذلك في إشارة منه لحزب “التجمع الوطنيللأحرار”.

وأشار  البوقرعي إلى أن “مثل هذه السلوكات تعيدنا إلى الوراء لأنها مخالفة لكل القوانين ومن شأنها أن تساهم في خلقالتوتر في العلاقات ما بين الفاعلين السياسيين”.

وفي سياق متصل أكد البرلماني الإسلامي أنه اذا كان الهاجس الانتخابي هو سبب منع أنشطة حزبه، فذلك من “المفارقات العجيبة لهذا البلد، لأنه في الوقت الذي تحت فيه الدولة على التسجيل في اللوائح الانتخابية والمشاركة السياسية، يتم منع الفاعل السياسي الذي يقوم بدوره بهذه الطريقة“، يضيف المتحدث.

قيادة الحزب تتجنب التصعيد

وبعد صمت، خرجت قيادة الحزب في تصريح منسوب لسليمان العمراني، نائب الأمين العام للحزب، في تصريح للصحافة عقب اجتماع الأمانة العامة للحزب  الإثنين الماضي،وصف فيه قرارات المنع بأنها “حالات محدودة ومعدودة” لرجال السلطة المحلية.

ووصف العمراني هذه “الحالات” بأنها  “لا تعبر عن القاعدة العامة”، معتبرا أن “هذا التضييق على قلته يمس في الجوهر بأدوار الأحزاب السياسية في تأطير المواطنين وهذه وظيفة دستورية”.

وفي تفسيره لهذا الموقف الذي يفيد تجنيب الحزب الدخول في مواجهة مباشرة مع الداخلية، قال عبد الصمد بلكبير، الأستاذ الجامعي، و القيادي اليساري السابق، في تصريح لموقع “لكم“، إن رد فعل قيادات “العدالة والتنمية” علة ما يتعرض له حزبها ليس بجديد، لأن الذين يستفزونهم يتقصدون ردود فعلهم.

وأضاف بلكبير أن غاية من يمنعون أنشطة “العدالة والتنمية” هو دفعهم للخروج من الحكومة، موضحا أن قيادات  الحزب الإسلامي،  “تشعر بالإحراج لأنها وكما نقول بالدارجة (عندهم العافية في الحجر )، سيتعرضون للحرق في كلالحالات ولذلك يقبلون أخف الضررين وهو ضرر (الكرامة والإهانة)، عوض الخروج من الحكومة وهذا ما يريده أعداؤهم”.

تكرار أخطاء الماضي

موقف قيادة الحزب سبقته تصريحات منسوبة لمسؤولين في نفس الحزب تحذر من تكرار أخطاء الماضي، في إشارة إلى لعبة شد الحبل التي شهدتها العلاقة الملتبسة ما بين الحزب الإسلامي الذي يقود الحكومة ووزارة الداخلية التي تشكل عمق “الدولة العميقة في المغرب”.

فقد كتب نبيل شيخي، رئيس فريق “العدالة والتنمية” بمجلس المستشارين، في صفحته الرسمية على فيسبوك محذرا من تكرار ما وصفه  “سلوكا اعتقدنا أن بلادنا قطعت معه، بعد أن تقدمنا أشواطا على طريق التحول والبناء الديمقراطي” .

وتمنى الشيخي أن يستفيد من يقفون وراء قرارات المنع، دون أن يسميهم “من أخطاء وتجاوزات مماثلة سابقة، كانت نتائجها، في جميع الحالات، معاكسة للمراد والمأمول منها، وتجنبا للإصرار على الوقوع ضمن محضور الحكمة القائلة: من لم يعتبر بأخطاء الماضي محكوم عليه تكرارها”.

وفي هذا الصدد أكد مصطفى السحيمي، المحلل السياسي، أن المنع الذي طال أنشطة “العدالةوالتنمية”، نهاية الأسبوع قبل الماضي، ليس بجديد فقد سبق وأن منعت أنشطته قبل انتخابات 2011 وفِي 2013 وفِي 2015 و2016.

وذكر  أستاذ القانون الدستوري، بالمنع الذي طال لقاء  لعبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق،في شتنبر 2012،  عندما أصدرت السلطات المحلية بمدينة طنجة قرارا بمنع تنظيم الحفل الختامي للملتقى الوطني لشبيبة “العدالة والتنمية” بساحة الأمم، و التي تحتضن عادة حفلات وأمسيات الهيآت الحزبية والجمعوية بالمدينة، لدواعي وصفتها بالأمنية، كما منعت السلطات المحلية بمدينة كلميم، في فبراير 2019، “الترخيص للكتابة الاقليمية لحزب “العدالة والتنمية”، باستغلال عدد من القاعات بالاقليم لاحضتان نشاط تواصلي للوزير مصطفى الخلفي، الناطق الرسمي باسم الحكومة آنذاك.

وقال السحيمي في تصريح لموقع “لكم“، إن “دور وزارة الداخلية كما هو الحال في جميع البلدان هو ضمان تطبيق القانون والسهر على احترامه، لأن لديها مسؤولية سياسية وأمنية، لكن شريطة أن تمنع جميع الأحزاب من تنظيمأنشطتها، وليس منع هذه والسماح لتلك“.

وأكد السحيمي أن “تحرك الداخلية لمنع بعض الأحزاب من تنظيم أنشطتها، ونحن على أبواب الانتخابات مرده تخوفها من استغلال الأحزاب خاصة المتواجدة في الأغلبية، لمواقعها في مناصب المسؤولية بالإدارات العمومية والجماعات الترابية والوزارات لتنظيم مهرجانات ولقاءات لاستمالة المواطنين، وكأنهم في حملات انتخابية سابقة لآوانها”.

وأضاف السحيمي أن بعض الأنشطة رغم طابعها الثقافي والاجتماعي، تكتسي صبغة سياسية، ولهذا تتدخل وزارة الداخليةلمنعها.

ولم يستبعد المتحدث أن تكون وزارة الداخلية تضطر لمنع بعض الأنشطة بهدف بعث رسائل لحركات الإسلام السياسي كـ “العدل والإحسان” و”التوحيد والإصلاح”، “لأنها تستغل مجال حرية التعبير لتحقيق أغراض أخرى” على حد تعبيره.

من جهة ثانية طالب السحيمي، وزارة الداخلية بالتعامل مع الأحزاب بشكل متساو وعدم تفضيل حزب على آخر،كما كان الأمر يحصل من قبل مع “الأصالة والمعاصرة ” واليوم يتكرر مع “التجمع الوطني للأحرار” ، موضحا أن عدم تطبيق القانون ومعاملة الأحزاب بشكل غير منصف لن يساهم في بناء الثقة بالعمل السياسي عامة وفي نتائج الانتخابات مستقبلا.

“بعبع” العدالة والتنمية

لكن عبد الصمد لكبير، اعتبر أن  “جزء كبيرًا  من رجال الادارة الترابية لهم موقف ايديولوجي وسياسي، من (العدالة والتنمية) ولا يشتغلون كأداة لتنفيذالسياسات العمومية للدولة في شخص الحكومة%.

وأوضح بلكبير في تصريحه لموقع “لكم”، أن %عدم  خضوع الإدارة الترابية لرئيس الحكومة، يعني هذا أن ديمقراطيتنا منقوصة جدا في ركن مهم من أركانها، والمتمثل في  كون السلطات أداة في يد الحكومة لتنفيذ سياساتها، مضيفا أن السلطات الترابية تشتغل لعرقلة سياسة الحكومة في أحيان كثيرة”.

وأضاف بلكبير مسترسلا “لنفترض أن رئيس الحكومة جاء بغتة لوزارة الداخلية، فلن يتمكن من الدخول، مما يدل أنه ليست لدينا حكومة واحدة، ومصدر واحد للسلطة”.

واستشهد بلكبير بكلام سبق أن سمعه عن عبد الرحمان اليوسفي، الوزير الأول في حكومة التناوب التوافقي، مفاده “لقد اكتشفنا أن الحكومة شيئ والحكم شيء آخر“.

في ذات السياق أكد الأستاذ الجامعي أن “شق الإدارة الترابية لعصا الطاعة الحكومية، عطب بنيوي ورئيسي في تجربة الانتقال الديمقراطي، لأن الذين يحكمون يقبضون على مواطن السلطة الحقيقية بيد من حديد ويرفضون تفويضها الى غيرهم”.

وأردف بلكبير أن ما اعتبره “بعبع وشبح وخطر وتهديد (العدالة والتنمية) لأعداء الديمقراطية،  مازال يقض مضاجعهم ولهذا فهم يحاولن  بواسطة الأموال التي لا يعرف مصدرها، وبواسطة بعض رموز السلطة الفاسدين المتضررين من الانتقال الديمقراطي عرقلة (بعبع البيجيدي)، سواء من خلال تجربة (الاصالة والمعاصرة) من قبل ، و (التجمع الوطني للأحرار) حاليا”.

وخلص لأستاذ الجامعي إلى القول أن نفس تجربة  تفضيل “الأصالة والمعاصرة” على “العدالة والتنمية”، والتي استفاد منها هذا الأخير يتم تكرارها اليوم عندما يتم تمييز “التجمع الوطني للأحرار” بين كل الأحزاب، موضحا بأن “الأخطاء الجسيمة لعزيز اخنوش (الأمين العام لحزب الأحرار) تقتل رهانهم خصوصًا بعدما أظهر الى جانبه أحمد عصيد، وهو ما يوحي أنه سيكرر تجربة (الاصالة والمعاصرة) في معارضة الدين ولعقائد والأخلاق وقيم  الناس وذاكرتهم”، يضيف المناضل اليساري السابق.

واستشهد بلكبير بالخطاب الأخير لعزيز أخنوش الأمين العام لحزب “التجمع الوطني للأحرار”، حيث أكد أنه تضمن “درجة متقدمة من خطورة استعمال العنف، عندما تحدث عن المغاربة وقال إنهم  يحتاجون لإعادة الترابي“.