طيلة السنوات التي أعقبت اتفاقية “أوسلو” عاشت إسرائيل فترة من الانفتاح في علاقاتها التجارية والدبلوماسية مع العديد من الدول العربية، حتى أن ثمة اليوم من سارعوا إلى وصف العلاقات السرية التي تجمعها مع عدد من دول الخليج في الميدان الأمني بأنها تطور سياسي مهم سيمكن لإسرائيل من أن تصبح أخيراً جزءً لا يتجزأ من المنطقة. وبينما لا ينبغي التقليل من أهمية هذه العلاقات، فمن المهم أن نستحضر أن هناك بنية تحتية مهمة لروابط أعمق وأكثر “طبيعية”، ظلت موجودة منذ القدم، ويتعين على إسرائيل أن تبني عليها علاقاتها مع الدول العربية: إنها الروابط المتعلقة بالثقافة والهوية.

لقد حظي تعيين روني الطرابلسي، رجل الأعمال اليهودي المنحدر من جزيرة جربة، وزيراً للسياحة في تونس، في 4 نوفمبر 2018، باهتمام دولي كبير، وبالمقابل، فقد أثار الجدل في الاوساط السياسية والإعلامية المحلية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، في تونس التي لا تقيم اليوم أية علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل رغم العلاقات الإيجابية التي كانت تجمعهما في الماضي.

ثمة في تونس من يعارضون بشدة تطبيع العلاقات مع اسرائيل، ويدعمون بشكل مباشر الحركات التي تدعو إلى مقاطعتها، ومنع استثماراتها، وفرض العقوبات عليها. وبالنظر إلى هذه العقلية، فإن تعيين الطرابلسي ــ مالك وكالة سفر يهودية استضافت إسرائيليين في تونس على مدى سنوات وزار إسرائيل ويدعم السلام معها ـــ في منصب رسمي يخول له تحقيق أفكاره النظرية وتحويلها إلى سياسات، أمر غريب.

الطرابلسي هو اليهودي الوحيد الذي يشغل حاليا منصب وزير في دولة عربية، وثالث يهودي شغل هذا المنصب في تونس منذ استقلالها سنة 1957. هذه التمثيلية، من ناحية، هزيلة إلى حد ما بالنسبة للطائفة اليهودية التي عاشت في المنطقة منذ خراب الهيكل الأول. ومن ناحية أخرى فإن تعيين الطرابلسي مهم بالنظر لطبيعته وتوقيته، ناهيك أنه يحمل العديد من الرسائل المهمة، سواء في ما يخص إسرائيل أو في ما يخص الدور المحتمل الذي يمكن أن يلعبه اليهود التونسيون ــ أينما كانوا ــ في إقامة العلاقات بين البلدين.

تعيين الطرابلسي ليس المثال الوحيد للمواقف الإيجابية تجاه اليهود في تونس. خلال الانتخابات المحلية التي جرت في مدينة منستير في أبريل 2018 تم ترشيح يهودي على قائمة مرشحي حزب النهضة. ورغم أنه لم ينتخب لعضوية المجلس البلدي، فإن ترشيحه ضمن القائمة يروم نقل رسائل التسامح والانفتاح.

تونس ليست الدولة العربية الوحيدة التي وصل فيها اليهود إلى مناصب عليا وحظوا بمعاملة جيدة من طرف النظام والساكنة المحلية،. المغرب يحتل الصدارة في هذا الصدد، حيث سبق أن شغل فيه اليهود مناصب وزراء وموظفين سامين. وإلى يوم الناس هذا لا يزال أندري أزولاي، أعلى اليهود شأنا في المملكة، يشغل منصب المستشار الرئيسي للملك. إن أزولاي شخصية رئيسية في العلاقات بين الأديان والطوائف، لا سيما في مجالات الثقافة والفن، التي يوجد فيها تعاون حيوي بين الإسرائيليين (والكثير منهم من أصول مغربية) والمغاربة اليهود والمسلمين.

الطوائف اليهودية في الدول العربية والإسلامية، واليهود الذين يعيشون في اسرائيل وينحدرون من تلك الدول، يشكلون جسرًا طبيعيًا ــ لم يتحقق حتى الآن ــ بين هذه الدول وإسرائيل. أكيد أن هذا ينطبق على تونس والمغرب، حيث ما تزال طوائف يهودية نشيطة، ولكنه ينطبق أيضاً على العراق الذي أوى في الماضي طائفة يهودية مزدهرة ومؤثرة.

وهذا لا يعني أن العلاقة المهمة الوحيدة هي تلك التي تنسج مع كبار الدبلوماسيين والسياسيين اليهود. إن جعلهم يركزون بشكل مبالغ على الاتصالات مع إسرائيل قد يضر بجهودهم ويضيق نطاق أنشطتهم المحتملة تجاه إسرائيل. إن المقصود هو إرساء روابط تاريخية وثقافية وشخصية وجماعاتية بين الطوائف اليهودية في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجاليتها في إسرائيل.

بالإضافة إلى ذلك هناك علاقات تربط إسرائيل بسياسيين ورجال الأعمال غير يهود في تونس والمغرب وبلدان أخرى، ويمكن لها أن تصبح أكثر جدوى من خلال “دعم” العلاقات التاريخية والحالية مع اليهود في تلك البلدان.

لا ينبغي التقليل من أهمية الشراكات الاستراتيجية والأمنية والاقتصادية بين إسرائيل ودول المنطقة. ومع ذلك، عوض الركض وراء الاتصالات السطحية والسرية والقصيرة المدى مع رؤساء الأنظمة السلطوية، يتعين على إسرائيل أن تنصت إلى الإشارات القادمة ــ بشكل مباشر أو غير مباشر ــ من الدول الأكثر اعتدالاََ، مثل تونس والمغرب، التي تستطيع أن تبني معها علاقات ذات طبيعة مدنية وثقافية أكثر أهمية تقوم على علاقات عميقة وحقيقية. إن المبالغة العلنية في أهمية تعيين الطرابلسي قد تضر بإمكانياته، لكن الاهتمام بالفرص الحقيقية الموجودة فيه ــ دون شعارات وعناوين صاخبة ـــ قد يفتح أبواباً مهمة.

– المقال الأصلي