صدر تقرير عن المرصد العربي للعلوم الاجتماعية، بعنوان “العلوم الاجتماعية في العالم العربي: مقاربات الإنتاجات الصادرة باللغة العربية (2000-2016) “، من تأليف الدكتور عبد الله حمودي، وهو تقرير يقارب الإنتاجات الصادرة باللغة العربية، حول العلوم الاجتماعية في العالم العربي، استنادا إلى جملة معطيات تعكس واقع العلوم وتطور الإنتاج في مجالاتها.

وبلغ عدد الكتب المدروسة كمًّا وكيفاً 1480 كتاباً، وكيفاً 383 كتاباً. أما المقالات فلامس عددها 366 مقالاً. وشمل التقرير الكتابات المنشورة باللغة العربية بين عامي 2000 و2016 من قبل باحثين وباحثات يشتغلون في ميدان العلوم الاجتماعية وينتمون بشكل أو بآخر إلى المنطقة العربية.

ويتوزع التقرير على أربعة أقسام بعد المقدمة، منها ثلاثة خصصت للعلوم المدروسة وواحد للدوريات، تليه الخلاصات والتوصيات (المفصلة والعامة) والملاحق. والمادة الخاصة بالكتب تشمل ثلاثة علوم فقط: علم الاجتماع، وعلم الانتروبولوجيا وعلم النفس الاجتماعي. في حين أحاطت دراسة المقالات، إضافة إلى الثلاثة المذكورة، بالعلوم الأخرى ( علم السياسة، وعلم الاقتصاد، والتاريخ).
التقرير عرض على أربعة فصول، مرتبة كالآتي، فصل واقع علم الاجتماع، وفصل واقع الانتروبولوجيا في البلدان المغاربية ودول المشرق، وفصل علم النفس الاجتماعي، وفصل واقع العلوم الاجتماعية في العالم العربي من خلال الدوريات.

وقارب الفصل الأول من خلا الجانب الكمي، عدد كتب علم الاجتماع التي صدرت ما بين 2000 و2016 في البلدان المغاربية، مبرزا أن السوسيولوجيا الثقافية والسوسيولوجيا السياسية والسوسيولوجيا النظرية والمنهجية تأتي في صدارة الإنتاج في الدول المغاربية الثلاث (المغرب تونس والجزائر). حيث تصدر الإنتاج الإجمالي السوسيولوجيا الثقافية بمعدل 124 كتاباً، توزّعت على المغرب في الدرجة الأولى بنسبة 66%. وفي الجانب الكيفي أطر الفصل مفاهيم البحث في حقل السوسيولوجيا ببلدان المغرب العربي.

وتناول الفصل كذلك بلدان المشرق، فلسطين ولبنان وسوريا والعراق، وكيف تطور البحث السوسيولوجي فيها، فلاحظ أن غياب مواضع التحديث، والتنمية والشغل، والصناعة والثقافة الشعبية، وهي مواضيع نعرف أنها كانت حاضرة بقوة منذ الستينات حتى الثمانينات من القرن العشرين.

وأرجع المؤلف هذا التحول إلى أن الباحثات والباحثين باتوا يهتمون أكثر بأزمات المنظومات الاجتماعية والسياسية والثقافية عوض التركيز على التحولات وبمفاهيم منشقة عن المادة التاريخية، وحسب المؤلف فهذا لا يعني أن إشكاليات الهيمنة الإمبريالية أهملت، إلا أن مواضيع جديدة تركز على الأزمات الراهنة أصبحت تحتل حيزا كبيرا.

كما سجل الفصل في خلاصاته، العوامل التي أدت إلى الوضع الراهن للبحث السوسيولوجي العربي، كاكتظاظ مؤسسات التدريس، وتعدد مؤسسات البحث مع ضعفها ومحدودية الدعم من جانب الدول، ولجوء الباحثين إلى الاستشارة والمنظمات غير الحكومية، مما أدى إلى تسليع البحث كما أشار إلى ذلك محللون من المنطقة. وأن الدولة تتعامل مع العلوم الاجتماعية سواء بتشجيع المشاريع التي تنطوي تحت سياساتها، أو بتهميش الأخرى.

وسجل البحث في فصله الثاني، أن الأنتروبولوجيا في المغرب الكبير والمشرق مكانة متواضعة مقارنة بالسوسولوجيا. وأن هناك غياب التعاطي مع مواضيع جديدة في حقل الانتروبولوجيا، وأن هناك تنامي بطيء من حيث وتيرة البحوث والإصدارات في المراحل الثلاث في تونس والجزائر وفي المغرب بنوع خاص، إثر كتابة بحوث تأسيسية أنجزت في أواخر السبعينات وظهرت في مقالات وكتب في الثمانينات من القرن الماضي.

وأكد التقرير، على أن في المشرق كما في المغرب، كانت هناك قطيعة بسبب التحفظ على الانتروبولوجيا من قبل النخب القومية، صاحبة القرار في الدولة والمؤسسات الأكاديمية. وذلك بفعل النقد الشديد الذي تعرضت له مع موجة تقويض الاستشراق.

كما سجل الفصل، ظاهرة سلبية فحواها أن مجموعة من الأعمال تستعمل عناوين تحيل إلى الأنتروبولوجيا من دون الالتزام بالمناهج والمقارنة التي تنتمي إلى هذا الميدان.

وفي فصل واقع علم النفس الاجتماعي، أكد الدكتور عبد الله حمودي، في تقريره، أنه رغم الحذر في ما يخص عينة الكتب، يظهر أن لبنان ومصر من أكثر البلدان إنتاجا للكتب والمقالات. أما بالنسبة إلى المقالات فيتضح أن العراق والأردن من البلدان الأكثر إنتاجا بشكل عام، فيما تعد السعودية الأكثر إنتاجا للمقالات في شبه الجزيرة، والجزائر والسودان الأكثر إنتاجا في المغرب العربي وشمال أفريقيا. ولا يمكن غض الطرف عن تدني البحوث في بعض البلدان إذ إن هذه الظاهرة يمكن أن تكون مرتبطة بلغة النشر.

وفي الفصل الأخير، واقع العلوم الاجتماعية في العالم العربي من خلال الدوريات، سجل حمودي، في التقرير، أن هناك إسهام فعال للدوريات في تقويم المعرفة في ميادين العلوم الاجتماعية بصفة عامة.

وأشار الى أنه رغم طغيان البحث النظري على الساحة العلمية، إلا أن هناك ارتفاعا مطردا في البحوث التي صنفناها في خانة “الميداني” وذلك في خلال المراحل الثلاث. وهذا مؤشر إلى أن العلوم الاجتماعية تنحو بشكل تصاعدي إلى مراكمة المعرفة لكن تبقى الحاجة ملحة إلى وسائل الدعم من مؤسسات أكاديمية ومنظمات وجمعيات علمية.

كما أشار التقرير، في تركيب خلاصاته، إلى أن هناك قلة أو انعدام مدارس نظرية ومنهجية مكونة من المنطقة. فإلى زمن قريب اعتمدت نظريات ونتاجات غربية وطبقت على الماضي المنطقة وحاضرها، إلا أننا لا نجد مدارس في الفكر السوسيولوجي بالمعنى الدقيق.