في العالم الإسلامي، تعتبر تاريخ العبودية والعنصرية الموجهة ضد السود والتي رافقتها لفترة طويلة مجهولة بشكل كبير. ومع ذلك، فإنها تعود بقوة في ظل الحملات العنصرية التي تشهدها بلدان المغرب، كما هو الحال في تونس على سبيل المثال. من خلال تتبع المسارات التاريخية والمعاصرة للعبودية، يسلط المؤرخ محمد والدي الضوء، على تنوع حالات العبيد في هذه المنطقة، وعلى التناقضات في النهج الغربي تجاه هذا الموضوع.

في هذا العرض للكتاب الصادر جديثا، تقدم الباحثة التونسية خديجة محسن فِنان، قراءة سريعة للتاريخ المنسي أو المسكوت عنه لتاريخ العبودية والعنصرية ضد السود في العالم الإسلامي، وهو التاريخ الذي لا يُعرف عنه سوى القليل، كما كتبت فنان في مقالها المنشور على موقع “ميديا بارت”.

تتسم العبودية في العالم الإسلامي بتاريخ معقد وتأثيرات متعددة، حيث يعود تاريخها إلى فترات قديمة وتبقى آثارها ماثلة في المجتمعات المعاصرة. يعتبر كتاب “العبودية في العوالم المسملة” للمؤرخ محمد والدي مرجعا مهما يسلط الضوء على هذا الموضوع الحساس والمعقد، مقدما لنا تحليلا شاملا للتطورات التي شهدتها العبودية في عالمنا اليوم.

كتب محمد والدي، المؤرخ في فترة العصر الحديث، في هذا الكتاب حول مسألة العبودية في العوالم الإسلامية. يعتبر العمل مثيرا للاهتمام من عدة جوانب: فهو يظهر كيف استخدمت المجتمعات الإسلامية العبيد وسيطرت عليهم في نفس الوقت، وكيف أثرت وما زالت تؤثر في هذه المجتمعات ذات التسلسلات الهرمية التي نتجت عن العبودية. ويبين أيضا كم نحن لا زلنا متأثرين بالصور النمطية للأوروبي المحرر والمسلم الذي يعتبر ذوي العبيد.

ينقسم الكتاب إلى أربعة محاور رئيسية؛ أولا، أصول العبيد وطرق تهجيرهم، ويشرح هذا المحور من أين أتى العبيد وكيف تم نقلهم إلى مختلف أنحاء العالم الإسلامي. ثانيا، دور العبيد في العالم الإسلامي، حيث يبحث هذا المحور في الوظائف المختلفة التي شغلها العبيد في المنازل والجيش والحكومات والاقتصاد الريفي. ثم الحركات المناهضة للعبودية وإلغاؤها، ويتناول هذا المحور الجهود المبذولة للقضاء على العبودية في القرن التاسع عشر. وأخيرا، محور آثار العبودية على المجتمعات الإسلامية المعاصرة، الذي يناقش الطرق التي لا تزال بها العبودية تؤثر على المجتمعات الإسلامية الحديثة، بما في ذلك العنصرية ضد السود.

يتناول الكتاب مجموعة من النقاط الرئيسية، بما في ذلك الصمت حول موضوع العبودية، حيث يجادل والدي بأن هناك صمتا كبيرا حول موضوع العبودية في العالم الإسلامي، ويعود ذلك جزئيا إلى الخجل من الاعتراف بممارسات العبودية في الماضي، والاعتراف بأن بعض أسلافهم كانوا عبيدا.

ويتصور محمد والدي وجود صلة قوية بين تاريخ العبودية الطويل والعنصرية ضد السود في العالم الإسلامي اليوم. ويستخدم المصطلح “العنصرية ضد السود” لوصف الظواهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تسهم في تهميش السود في هذه المجتمعات. حيث يعتبر والدي أن هذه العنصرية تتغذى من جذور عميقة في تاريخ العبودية وتعتبر استمرارا للتفكك الاجتماعي الذي أحدثه العبودية.

وفي السياق ذاته، يناقش والدي ثلاثة أنواع رئيسية من العبودية في العالم الإسلامي: العبودية المنزلية، والعبودية العسكرية والإدارية، والعبودية الريفية. يقترح أن هذه الأنواع المختلفة من العبودية لها تأثيرات مختلفة على الهياكل الاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات الإسلامية، وتشكل أساسا للتفاوتات والتمييزات الاجتماعية التي تشهدها هذه المجتمعات حتى اليوم.

كان العبيد العسكريون والإداريون غالبا من الرجال والنساء القادمين من السهول الآسيوية أو القوقاز، بالإضافة إلى شمال الساحل المتوسط. كانوا يعتنقون الإسلام ويتلقون تعليما، وفي بعض الأحيان كانوا يحتلون المناصب الحكومية والعسكرية العليا، مما يعطيهم بعض السلطة لقيادة السكان الحرين، مثل سلطنة المماليك في مصر على سبيل المثال.

بالإضافة إلى ذلك، كانت العبودية الريفية مختلفة تماما عن العبودية في المزارع، على الرغم من أنها قد تحولت إلى عبودية المزارع في القرن التاسع عشر. كان كل هؤلاء العبيد الذين عاشوا جنبا إلى جنب متميزين عن طريق العنصرية. كما كان كذلك لأسيادهم، مثل أعضاء المجتمعات الأخرى، حيث كانت هناك تفرقة هامة بناء على الأصول الجغرافية، بين الحبشة والجورجيين والجنويين، وما إلى ذلك. كما كانت التفرقة تتم أيضا بناء على لون البشرة، سواء كانت فاتحة أو داكنة.

وعلى الرغم من هذه التشابهات، يشير الكاتب إلى تنوع الممارسات العبودية في مناطق مختلفة، ويؤكد على أنه من الخطأ التحدث عن “التجارة الشرقية” أو “الإسلامية” بسبب الفروق الإقليمية في الممارسات العبودية والأطر القانونية التي تنظمها. يلاحظ أيضا أن الممارسات العبودية تأثرت بمصادر البحر الأبيض المتوسط القديمة والعادات القبلية الإسلامية مثل تلك الموجودة في الجزيرة العربية.

وبالإضافة إلى ذلك، يحذر الكاتب من التفسيرات الخاطئة والتلاعب بالتاريخ المتعلق بالعبودية في العالم الإسلامي. ينتقد المبالغات في التقارير الدبلوماسية الأوروبية حول تجارة العبيد في الصحراء، بالإضافة إلى محاولات تحميل المسؤولية العبودية للمسلمين وتقليل العبودية التي تمارسها الدول الأوروبية. ويبرز كيف استغل بعض المؤرخين الحقائق التاريخية لخدمة أجندات سياسية أو إيديولوجية، بما في ذلك بالمقارنة بين التجارة “الإسلامية” و “الأطلسية” بشكل مبسط.

وأخيرا، يناقش الكاتب الحركات الإلغائية في المجتمعات الإسلامية في القرن التاسع عشر، متحديا الافتراض الشائع بأن الإلغاءات كانت محركة بشكل رئيسي من قبل الأوروبيين. يستكشف التحديات المستمرة في مكافحة العبودية وآثارها، بما في ذلك العنصرية المضادة للسود وأشكال الاستعباد المعاصرة والتهميش الاجتماعي لأحفاد العبيد في إفريقيا جنوب الصحراء في المنطقة.

ـ قرائة خديجة مٌحسن فِنان

ـ بتصرف عن موقع “ميديا بارت”