قال أستاذ السوسيولوجيا محمد الطوزي إن الثقافة ليست بقطاع بل رابط يمثل كنه المجتمع، فهي مفهوم ضيق نوع ما، وعلى المستوى الأنثربولوجي هي التمثلات والمعتقدات والقيم، والعلاقة بالله والكون والزمن والمجال، إضافة إلى العلاقة بالآخر.

وأشار الطوزي في مداخلة له ضمن أشغال المنتدى البرلماني الدولي السابع للعدالة الاجتماعية، أمس الثلاثاء، بمجلس المستشارين، أن الثقافة هي مجموعة مهارات تكون نتيجة لتجارب مئات السنين، وتتبلور في مجالات عديدة، والمغرب في هذا الباب معروف بتدبير الخصاص والمجال الصعب مثل الجفاف وقلة الموارد، وحتى الفقر والمجاعة والأمراض المعدية.

وأوضح أن جانبا كبيرا من الطريقة التي تعامل بها المغرب مع جائحة كورونا لم تأتي من نجاعة الإدارة أو الحكومة، بل 90 في المائة منه من الرصيد الثقافي للمغاربة.

ولفت إلى أنه في أدبيات العلوم السياسية هناك تطابق كبير بين ثقافة الاختلاف والثقافة الديمقراطية هذا على المستوى الدولي، لكن على المستوى الوطني، المغرب يتوفر على مرجعيات متعددة منها الدستور الذي ينص في ديباجته، وفي الفصل 5 و 31 على الإبداع الثقافي، وعلى مجلس الثقافة واللغات.

وأضاف ” ديباجة الدستور جد غنية في التعبير على مسألة الاختلاف كمرجع مشترك يؤسس لثوابت البلاد الكبيرة، إلى جانب المخيال المشترك للمغاربة، الذي يعطي مفهوما للوطن بعيدا كل البعد عن المقاربة اليعقوبية”.

وأبرز الطوزي أن النقاش حول الجهوية المتقدمة، المشاكل التي يعرفها المغرب، وقضية الصحراء كلها معطيات موضوعية لكن يواكبها المخيال الذي يؤسس لتصور من نكون”.

وتابع “هذا شيء جيد لتأسيس وبناء الفرد والرابط المجتمعي الذي يعطي قيما تؤسس لديمقراطية مستقبلية، لأنه يعطي مكانة للاختلاف والرفض”.

وأكد أن النموذج التنموي الجديد لا في جلسات الإنصات ولا في النقاش داخل اللجنة أعطى أهمية كبيرة للثقافة ليس كمجال، لكن كمؤسسة ولحمة ومعطى أساسي لبناء دولة قوية ومجتمع قوي.

وسجل الطوزي أن اللجنة رصدت طلبا كبيرا على الثقافة وعلى حرية التعبير، لا في المجال القروي أو المدن الكبرى والصغيرة، يواكبه طلب كثيف أيضا على حرية التعبير.

واعتبر أن المغرب يعرف التعدد بما فيه الكفاية ورصيد البنى التحتية الثقافية موجودة، ولكن الغائب هو التنشيط الثقافي والاهتمام بالحرف الثقافية ودعم الابتكار والإبداع الثقافي بجميع تجلياته.

وأوضح الطوزي أن تعامل الدولة مع الثقافة كقطاع يظهر أن هناك عدة متدخلين في الثقافة ولا يعرفون ذلك، وذلك يبدأ بالتعمير وينتهي بالكرة، وهذا يعكس أيضا غياب رؤيا وطنية للثقافة وغيابها يجعلنا نعيش على الفوضى لا على المستوى المعماري والثقافي وغيرها من المجالات.

وأكمل بالقول “ما وقفنا عليه أيضا في اللجنة هو ضعف الإمكانيات لا على مستوى الإمكانيات المالية المرصودة لوزارة الثقافة، ولا الموارد البشرية، وهناك تقصير كبير في هذا المجال”.

وشدد الطوزي على ضرورة أن تكون هناك رؤيا واضحة للثقافة تدبر التعدد والاختلاف وحق المجموعات والجماعات في ثقافتهم المحلية، لأنه إذا عدنا بالذاكرة الوطنية إلى فترة الخمسينات والستينات، كانت الأغنية الوطنية، ثم الشعبية، وكانت الأولى تحتل مكانة “الفوق” والثانية في الأسفل.

ودعا إلى رصد علمي للثروات الثقافية المتجسدة في تقنيات ومهارات وطريقة التعامل مع المجال الطبيعي، بدء من تقنيات البناء والري وتدبير الجفاف والمياه، وهي غير معترف بها وغير مقننة ولا ترى.

وألح على أهمية النهوض بالصناعة الثقافية، مشيرا أنه اليوم الجميع يعرف ما يمكنه أن يحققه “كليب” مقارنة بحملة تواصلية مؤسساتية، وهذا يتطلب اهتماما كبيرا من الدولة ومؤسساتها والقطاع الخاص أيضا.