تكتب فاطمة البوعاني في صمت العاشقين بلغة موليير، بحكم تكوينها. صبابتها أنها مدمنة على فعل القراءة في طقس يومي يتكرر ويتجدد. جعلت من لغة موليير وسيلة للتعبير عن أحزان البسطاء ومعاناة المهاجرين والنازحين وخاضت في كتاباتها معارك ضد الظلم ودعوة للتحرر المرأة من الاستيلاب والقهر. ببساطة حينما تمتزج الكتابة بقضايا البسطاء والمحرومين بدموع الكاتبة.

في نظر الكاتبة المغربية فاطمة البوعناني في حديثها لموقع لـ” لكم ” أن “أجمل الكتب بالنسبة لي ذلك المنطوي، المحترس، المتطرف في الحذر، المتدثر بالصمت. أحاوره، أعيد قراءته مرارا إلى أن يبوح لي بأسراره، تنزع الكلمات خجلها وترقص فتسكرني. أحب أن أمتصه لآخر قطرة. من هنا نتجت دراساتي النقدية الأولى بعضها ما نشر على هيئة مقالات في مدونتي أو في صحف إلكترونية فرنسية. ومنها من لازالت طي الإهمال في إحدى الأدراج “. وتضيف ” في بداية مشواري الأدبي كنت أعتبر نفسي مجرد ناقدة مستهلكة، تعيش على ما ينتجه الأدباء، تتذوق نصا أو قصيدة وتنتشي لجمالها، فتصفق دموعي لكنني، ربما لكثرة ما قرأت، امتلأت حتى التخمة، فأصبح لزاما علي أن أفرغ ذلك واتجهت صوب الكتابة”.

وعن علاقتها بالمنجز الابداعي الأول لها وهي رواية “حلم في حداد ” تقول” كتبت روايتي الأولى، حلم في حداد.. أردتها صرخة لكل من فقد صوته في معركته ضد الظلم.. لكل النساء اللواتي ترزخن تحت ظلم القبلية. أردتها دعوة للتحرر من كل أشكال الاستيلاب والقهر. كتبت الرواية من جزئين تتحدث عن النجاح وكيف نصنع من عقباتنا جسرا نعبر به نحو حياة من نحب”.

وعن رواياتها الجديدة تقول” انتهيت لتوي من كتابة رواية عن سوريا، تحكي قصة عائلة سورية، أرغمتها ظروف الحرب على اللجوء للمغرب. رواية كلفتني الكثير من الوقت والجهد والدموع والصرخات المكتومة، صرخة شعب ينزف في صمت “.

ولدت الكاتبة فاطمة البوعناني بمدينة الشماعية عام 1975 باقليم أسفي. حاصلة على الإجازة في اللغة الفرنسية. الكتابة بالنسبة لها هي “تلك القصبة التي تربط غريقا غمرته المياه والأوحال بالحياة ليست القشة لكن القصبة التي تزوده بالأوكسجين تعينني على الحياة وتجمل واقعا قذرا.. فقد استعضت عن الهواء بالحبر”.

تقول عن بطلة رواياتها وهي تتابع حديثها لموقع ” لكم ” قائلة: ” (حلم في حداد)، أردتها صرخة لكل شخص مستلب الحقوق. لينهض وينتزعها. بطلتي حورية، إنسانة متعلمة ومثقفة، أم لطفلتين وزوجة لشخصية وازنة. لكن كل رغد العيش الذي تنعم به تعيش حياة بئيسة. هي الزوجة الفاقدة لجل حقوقها، الموظفة المحرومة من أجرتها، الأم الممنوعة من تربية بناتها، والإنسانة الفاقدة لكرامتها والمحكوم عليها بوحدة قاتلة.. ممنوعة من الكلام والتواصل والانفتاح على العالم الخارجي. ستحاول بمعية أمين أن تفلت من هذا الوضع وأن تستعيد حقوقها المغصوبة. ولأن طريق الحرية طويل وشائك ستفقد مخلصها.. لكن جدوة الأمل لا تنطفئ في أعماقها.. لأن البقاء على قيد الأمل هو بقاء على قيد الحياة “.

وعن اختيار هذا العنوان تقول “اخترت عنوان حلم في حداد رغم غرابته. نحن من نحمل حداد الأحلام لا العكس. لكن صدقني أن تحمل الأحلام حدادنا، أن نمضي ونتركها خلفنا، ستجد حتما من يحققها. لكن أن تتبخر الأحلام، وهي كل ما يربطنا بالحياة، لن نكون حينها سوى جثثا هائمة حلى سطح الوجود، ترفضها المقابر “.

أما عن بطلة روايتها فتتحدر من واقع مر وهش تقول عنها “روايتي الثانية تتحدث عن فتاة يتيمة، فقدت والديها الطبيبين في حادث سير. لتنقلب حياتها رأسا على عقب، تسحب من دراساتها الى البادية، حيث الرعي والفقر والجهل والظلم وضنك العيش. تتذوق انواع القهر والذل خصوصا بعد وفاة جدتها. تزوج وهي لازالت طفلة من قروي في سن والدها، يستلم مشعل إذلالها. تلوذ بالفرار، وتبدأ رحلة تصحيح الاوضاع بدء بدراستها و تحقق نجاحا باهرا في عالم الأزياء… روايتي تتحدث عن مفاتيح النجاح العشر “.

وبخصوص مشروع روايتها الجديدة “دموع الياسمين” فتتحدث بلوعة وتضع نفسها محل أبطالها ومعاناتهم عن عائلة سورية لاجئة بالمغرب مع رؤية شمولية لكل ما يقع في سوريا على مدى ثلاث سنوات عن أوضاع اللاجئين والنازحين والمعتقلين. صرخة انسانية ضد التهجير والقمع قائلة ” انتهيت من تحرير روايتي عن سوريا. سوريا التي اتعبتني كثيرا وكلفتني الكثير من الجهد و الوقت و الدموع. سنتان من التوثيق، وسنة كاملة من التحرير. غصت في المستنقع السوري، وامتلأت بالصرخات والأنات و ملح العيون.أحيانا وأنا أشاهد فيديو عل اليوتوب، تنفجر الصرخة في داخلي : لماذا؟ فظيع ما يحدث لهذا البلد! أبكي بحرقة، و أنصرف لأيام دون أن أكتب سطرا. ظللت على مدى سنتين أتحسس أبطالي ينمون في أحشائي. يركلون و يرفسون واقعا يأبى إلا أن يجرفهم إلى ضفاف التشتت والتمزق. يلملمون جروحهم من أرصفة التشرد ويمضون من قطر لقطر بحثا عن سلام تقبره طائرات الروس مع حقول الفستق “.

تضيف الكاتبة “عندما أستكين في الليل، محاولة إراحة رأس ضج بالصرخات، يتناهى الى مسمعي صوت عويل. إنها ياسمين تنتحب في ركنها القصي. كيف أواسيها، وكلماتي أقصر من أن تبلغ جرحها الغائر؟ تخنقني العبرات وأبكي بدوري. اليوم وصلنا للنهاية. كان الفطام صعبا. هذه أول مرة، اتركهم منذ سنتين. أودعهم قبرهم الورقي، في انتظار أن يأتي قارئ ويمنحهم قبلة الحياة. يدثرهم بأنفاسه الحارة، ويحتويهم قلبه الحنون. في انتظار ذلك، أقول لكم، وداعا صغاري ! لم يعد في أعماقي ما تقتاتون عليه. لعل خيالا خصبا يتبناكم “.

أما عن مكان النشر والطباعة فقد اختارت فرنسا “لأنني اعتقدت أن الرواية ستحظى بفرصة انتشار أكبر وبحكم تدني منسوب القراءة في المغرب”. مضيفة أن ” الكتاب بدون تسويق يصبح غنيمة للعناكب على رفوف المكاتب … والمفاجأة روايتي القادمة ستكون باللغة العربية”.