“ضريح ابن بطوطة”.. “تاريخ ضائع” بسبب “البلوكاج المالي” لمجلس طنجة
لا شيء هنا بحومة “جنان القبطان” بالمدينة القديمة لعاصمة البوغاز، يوحي أنك تسير في اتجاه ضريح أشهر أبناء طنجة على مر التاريخ، والذي يحج إليه السياح من كل فج عميق لإلقاء نظرة على قبر هذا الرحالة الذي يصفه الشعب الصيني ب”الأسطورة” باستثناء إشارة صغيرة بلون أحمر باهت، مكتوب عليها “ضريح ابن بطوطة”.
ضريح متواضع لرحالة أسطوري
“هل هذا هو ضريح ابن بطوطة الذي يتحدث عنه الجميع؟ إنه كقبر شخصية يتيمة لم يشغل اسمه الدنيا؟ وجدنا صعوبة وتعبنا في الوصول إليه ؟ إنه مكان ضيق؟” ، هكذا يتهامس بصوت خافت وفد من سياح أجانب صباح يوم الأحد الماضي، فلا مجال هنا لرفع الأصوات فالساكنة المجاورة لابن بطوطة لا زالت نائمة كما هو شأن “طنجاوة” عندما يتعلق الأمر بيوم عطلة.
اقترب موقع “لكم” من مرشد سياحي كان يتحدث بحماس كبير عن هذا الرحالة الأسطورة، سائلا إياه عن ظروف الاشتغال، وتصور السياح عن الرحالة “الطنجاوي”، فقال: “معظم السياح الذين يأتون لطنجة يسألون عن ضريح ابن بطوطة، لكن للأسف نصطدم بالعديد من المعوقات، منهاـ يضيف المرشد السياحي الشاب ـ ضيق المكان، فلا مرافق ولا أي شيء، هذا إذا علمنا أن أغلب السياح من كبار السن يصعب عليهم الوصول إلى هنا بسبب الأزقة الكثيرة والملتوية، هذا فضلا عن الصعود والنزول، وبالتالي نحس في الكثير من الحالات باستهزاء غير معلن”.
مغامرة ابن بطوطة
وابن بطوطة كما تعرفه لوحة اسمنتية مثبتة على واجهة الضريح باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية دون الإسبانية، هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة، والمزداد بمدينة طنجة يوم 24 فبراير 1304م، الموافق ل17 رجب 703ه.
وأضافت اللوحة أن رحلة ابن بطوطة ابتدأت عندما غادر مسقط رأسه سنة 1325م، ليؤدي مناسك الحج بمكة المكرمة ولم يعد إلا بعد مرور حوالي 29 سنة، من المغامرات في 44 بلدا ومنطقة بأسمائها وحدودها الحالية (إفريقيا الشمالية، ومصر والعراق، وبلاد فارس وشرق الجزيرة العربية، واليمن وإفريقيا الشرقية وآسيا الصغرى، والقسطنطينية، وروسيا الشمالية وآسيا الوسطى، والهند الإسلامية وجزر المالديف، وجزر سيلان، وسومطرة والصين).
وأشارت اللوحة المشار إليها والتي أغفلت اللغة الإسبانية من اللغات التي كتبت بها، إلى أن ابن بطوطة وبعد استراحة قصيرة بطنجة، من سنة 1346 إلى سنة 1349، قام برحلة ثانية إلى الأندلس والمغرب ومنطقة الصحراء وإفريقيا الغربية، مخلفا وراءه كتابه المشهور “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار”.
السلطات ملزمة بالتحرك
وجه عدنان معز رئيس مركز ابن بطوطة للدراسات وأبحاث التنمية المحلية، انتقادات شديدة للتهميش الذي يعاني منه ضريح ابن بطوطة، معتبرا في حديث مع موقع “لكم” انك تجده “عبارة عن مرحاض عمومي على الطراز المغربي عوض ان تجد مرقدا ومزارا او متحفا لهذا الرجل الطنجاوي العظيم” .
وأضاف معز “ورغم توافد بعض الزيارات الرسمية المهمة لقبر الرحالة من قبيل رؤساء دول افريقية وأوربية، وتزايد عدد السياح المضطرد لقبره الا ان الجهات المعنية سواء وزارة الثقافة ، والأوقاف ، والسياحة و جماعة طنجة، لم تحرك ساكنا لإعادة الاعتبار لمرقد هذا الرجل البار لمدينته” .
واعتبر الفاعل المدني في ذات الحديث مع “لكم”، أن ابن بطوطة صار جزء من تاريخ البلدان التي زارها، مشيرا إلى أن تلك الأقوام تتوافد على المدينة لتكتشف جزء من حضارتها التي امتزجت بطنجة عبر ابن بطوطة، مذكرا بما سبق وأن وصفته به جامعة “كامبريدج” في كتبها بأمير الرحالة المسلمين الوطنيين.
مقترح لإعادة بناء الضريح
وقال عدنان معز أن مركز ابن بطوطة للدراسات وأبحاث التنمية المحلية، يتداول في قضية رفع مذكرة للجهات المعنية بإعادة بناء مرقده خارج شعاب المدينة القديمة الضيقة والتي لاتسع زواره، مقترحا تشييده بهضبة مرشان بالقرب من حجرة غنام المطلة على البحر.
وأشار معز إلى “الدور التاريخي للمكان المقترح، والفضاء الرياضي الجميل الذي عوض ملعب مرشان، مع تعزيزه ببناء متحف رحب يجمع آداب الرجل وتمثيلا لملابسه ومراحل أسفاره واهم مجرياتها ، وبذلك يصبح فضاءا رحبا للزوار ومرقدا جميلا لرجل احتفى بطنجة لدى ملوك وزعماء زمانه فكيف لا نحتفي به نحن في متحف له وباسمه ؟”.
غياب مبادرات جادة
بدوره اعتبر عبد العزيز الجناتي رئيس مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية، الوضع الذي يوجد عليه “ضريح ابن بطوطة” لا يشرف المدينة و قيمة هاته الشخصية ، فمن العار أن يبقى ضريح أشهر شخصية ترمز للمدينة في وضع سيء وصعب الولوج إليه وسط أزقة المدينة القديمة.
وقال في تصريح لموقع “لكم”، انه وبالرغم من كل التنبيهات التي أفردتها تقاريرنا الست حول هذا الوضع الغير السار و عديد مراسلات و لقاءات للمرصد مع مسؤولي المدينة بمستوياتهم المختلفة للفت الانتباه و التدخل العاجل للنهوض بالصريح و الفضاءات المجاورة له و كذا التشوير لتسهيل ولوج الزائرين إليه، فان مجهوداتنا لم تسفر عن نتائج كبيرة شأنها شأن كل مطالب القوى الحية بالمدينة التي لم يخفت صوتها قط عن طرح هذا الوضع الغير مشرف.
وأضاف الجناتي أنه وإلى “حدود الساعة و بحسب ما يتوفر لدينا من معلومات لا توجد مبادرات جادة و مشاريع واضحة لتجاوز هذا الوضع البئيس ، فقط هناك فقاعات كلامية بين الحين و الآخر تظهر و تختفي بحسب السياق و الظرفية.
وحول مقترحات المرصد لإخراج الضريح من وضعه، قال المتحدث، “نقدر أن تأهيل الضريح لا يمكن أن يتم بمعزل عن تأهيل المدينة العتيقة التي تعتبر منطقة جذب سياحي لما تتوفر عليه من كنوز ثقافية و تاريخية هامة، لم تستطع طنجة بفعاليات المختلفة تسويقها و استثمارها بشكل ناجع في مشروع واضح المعالم”.
ومن جهة ثانية ـ يضيف المتحدث ـ فإنه وأمام الصعوبات التي يطرحها فضاء الضريح و الولوج اليه، فان سيناريوهات أخرى كذلك تطرح على محك النقاش و المساءلة، من قبيل نقل الضريح الى فضاء آخر يكون أكثر تأهيلا و معد خصيصا لاحتضان الضريح و إسهامات الرحالة بشكل سهل الولوج و مندمج في المسارات السياحية و الثقافية للمدينة، مؤكدا أن هناك سيناريوهات عدة يمكن أعمالها لتثمين هذا الرصيد الغني بما يجعله رافدا من روافد الإنتاج فقط ينقص الإرادة و إطلاق المبادرة الجادة و سنرى العديد من الاجتهادات البناءة، يختم رئيس المرصد حديثه مع “لكم”.
أزمة مالية حالت دون خروج مشاريع
من جانبه فاجأ أحمد الطلحي رئيس لجنة التعمير وإعداد التراب والمحافظة على البيئة بجماعة طنجة موقع “لكم”، وهو يكشف ولأول مرة عن تفاصيل أفكار مشاريع تناقش في دائرة ضيقة بدعم كبير من عمدة طنجة، حالت الأزمة المالية التي تتخبط فيها مالية جماعة طنجة دون المضي قدما في تنزيلها على أرض الواقع .
وقال الطلحي وهو ايضا باحث في العمارة الإسلامية، “عندما تسلمنا تسيير جماعة طنجة سنة 2015 كان طموحنا كبير، وكان المكتب المسير مهووس بالمشاريع المتعلقة بهوية وتاريخ وتراث المدينة، مشيرا في جلسة مع “لكم” إلى أن أحد مكونات الهوية الطنجية، توجد شخصية ابن بطوطة، فبالنسبة للباحث في التنمية، “فابن بطوطة ليس رحالة فقط، بل هو أيضا رمز للسياحة، رمز للمغامرة، رمز للاستكشافات الجغرافية، رمز للخرائطية، هو رمز لأدب الرحلة الذي اشتهر به المغرب”، مضيفا “أن ابن بطوطة مارس في ترحاله القضاء والدعوة”، وتأسف المتحدث عن “عدم خروج مشاريع أفكار لحيز الوجود لتعنى بهذه الشخصية من هذه الزاوية” .
ابن بطوطة جزء من هوية طنجة
واعتبر الطلحي، أن ابن بطوطة هو جزء من هوية مدينة طنجة، كما هو الحال مع شخصية “هرقل” و”مضيق البوغاز” و”طارق ابن زياد”.. كل هاته الأسماء تمثل أجزاء من الهوية الطنجية، وأضاف المتحدث، أنه وعلى “الرغم من أننا نجد مؤسسات أو مرافق عمومية، أو شوارع أو أحياء أو فضاءات عامة، تسمى باسم هذه الشخصية العظيمة التي مرت في تاريخ طنجة، ومع ذلك لا نجد في الفضاء العمومي أي إشارة للتعريف بها، مشيرا إلى أنه “رغم عظمة هذه الشخصية فهي غير معروفة بالشكل المطلوب محليا ولا وطنيا أو حتى عربيا”، مؤكدا على أن “الشعب الأكثر معرفة بهذه الشخصية هو الشعب الصيني، لدرجة أن من الجيل الجديد من يعتقد أن هذه الشخصية صينية وليست مغربية مسلمة”.
مشروع تثمين شخصية ابن بطوطة
وكشف الطلحي لموقع “لكم” أن “مشروع تثمين شخصية ابن بطوطة”، يتكون من 3 أفكار مشاريع، وهي “ضريح ابن بطوطة”، “متحف ابن بطوطة”، والمشروع الثالث هو “التعبيرات الفنية حول ابن بطوطة”، مؤكدا على أن هذه أفكار مشاريع أصبحت تسكننا، ولولا الأزمة المالية التي تعاني منها جماعة طنجة لكان خرج إلى حيز الوجود إما جزئيا أو كليا.
فالنسبة لمشروع الفكرة الأولى وهي الضريح، قال المتحدث ان المشكل الذي يطرح بهذا الخصوص، تواجد الضريح في جوف المدينة العتيقة، مما يعني صعوبة في الوصول إليه، خاصة لكبار السن، كما أن التشوير رغم وجوده يضيع مع مرور الزمن، وحتى ساكنة طنجة لا يعرفون أين يوجد ضريح ابن بطوطة، وان كانت الصعوبة في الوصول لها جانب إيجابي يتعلق باكتشاف عمق وجوف وخصائص المدينة العتيقة، وهذه من مميزات هذا الموقع.
فتح ممر للولوج
في هذا الصدد، أفاد المسؤول الجماعي أنه “ونظرا لهذه الصعوبة في الوصول، طرحت فكرة نقل الضريح، لكن قلنا نحن أننا نترك الضريح في مكانه، على أساس أن نفتح مسار جديد يحل مشكلة صعوبة الوصول، وفي نفس الوقت يمكن من وصول العربات إليه.
وأوضح المكلف بالموضوع، أن “الكثير من الناس لم يتفطنوا إلى موقع الضريح وهو قريب من الأسوار، وبالتالي يعطينا إمكانية فتح فتحة صغيرة، هي عبارة عن ممر بسيط للولوج إلى الضريح مباشرة، مشيرا إلى أنه تم الاشتغال على هذا الموضوع مع مهندسة معمارية لمدة، باهتمام بالغ من السيد العمدة، حيث عرضت علينا المهندسة مجموعة من الأفكار خلال جلسات عمل عقدت لهذا الغرض، خرجنا منها بالعديد من السيناريوهات، مؤكدا أنه لولا الأزمة المالية لكنا ذهبنا بعيدا في هذه الأفكار، كاشفا “أن الضريح سيتم توسعته من خلال ضم بعض الفضاءات العمومية إليه حتى نخرج من الضيق الموجود حاليا”.
متحف ابن بطوطة
المشروع الثاني ـ يزيد المتحدث بحماس كبير ـ هو المتحف، فلا بد لهذه الشخصية أن يكون لها متحف خاص بها، كان يمكن أن نقيمه بالمكان الذي سكن فيه ابن بطوطة لكننا لا نعرف أين كان يسكن، وبالتالي لدينا اختيارات أخرى لمكان المتحف.
وعلى هذا المستوى تحدث الطالحي عن 3 أمور: البناية، والتجهيزات ثم المضمون أو المعروضات، بالنسبة للبناية، هناك العديد من الأمكنة، وبعد استشارة مع العديد من الخبراء والمهتمين، ظهر لنا بناية السجن المدني التاريخي بالقصبة مكان مناسب، بحكم أنه يطل على ساحة القصبة، فالولوج إليه بالعربات أمر ميسر، والمكان الثاني هو “برج النعام” التاريخي، بدوره يطل على الساحة وبجانبه مرآب للسيارات، وهو موقع ممتاز، وله اطلالة على البحر ومجموعة من المآثر محيطة به، وأكد الطالحي أن كلا الموقعين لهما إيجابيات وسلبيات ولكن ايجابياتهما كثيرة.
وكشف المسؤول الجماعي على أن هناك بعض المشاكل بخصوص المكانين، فبالنسبة للسجن المدني التاريخي، هناك مشروع لوزارة الثقافة، والأشغال انطلقت وهو مشروع متعثر ولا نعرف السبب، أما بخصوص “برج النعام” فهو مكان مقترح لتكون فيه “محطة للقطار المعلق”، وتشتغل عليه شركة لتهيئة ميناء طنجة المدينة، مستدركا “في حالة إذا لم تكن هذه الأماكن، هناك فضاءات أخرى مطروحة قد تصل إلى 11 فضاء أثري لكي يحتضن هذا المتحف من هذا العيار”.
أما بخصوص التجهيزات وأشغال التهيئة، فقد بدأت محاولات، وكانت هناك استجابة كبيرة من طرف العديد من الجهات والمؤسسات سنذكرها في حينها .
أما على مستوى، محتوى المتحف، قال أحمد الطلحي “هناك عدة مبادرات واجتهادات، منها ما هو جاهز كمشروع للفنان التشكيلي الراحل عبد الباسط بندحمان رحمه الله الذي غادرنا إلى دار البقاء يوم 8 أكتوبر 2018، وسبق وأن اطلعنا على جزء من إنجازه، وهي عبارة عن لوحات تحكي عن رحلة ابن بطوطة، تجسد الرحالات التي قام بها ابن بطوطة، معتبرا إياه “عمل جبار نسأل الله له المغفرة والرحمة على هذا العمل الكبير، وهناك مشاريع أخرى”.
التعبيرات الفنية حول ابن بطوطة
المشروع الثالث ضمن “مشروع تثمين شخصية ابن بطوطة”، ما أسماه المتحدث “بالتعبيرات الفنية حول شخصية الرحالة”، مشيرا إلى أن “هناك العديد من الفضاءات والأماكن التي تحمل اسم ابن بطوطة ولا نجد أي تعبير أو لوحة تشير إلى هذه الشخصية، كالمطار والملعب وبعض الأحياء..”، مقترحا أن التعبيرات الفنية يجب أن تكون في مجموعة من الفضاءات العامة منها مداخل المدينة عبر البر أو البحر أو الجو، في المحطات الطرقية، والقطار في الساحات العمومية” .
وبخصوص مآل الفتوى التي سبق وأن طلبها العمدة من المجلس العلمي الأعلى حول عرض تماثيل في المدينة حول شخصية ابن بطوطة، قال المسؤول الجماعي “لحد الآن لم نتوصل رسميا بأي رد حول هذه الفتوى”، مبرزا أن اللجوء إلى طلبها، كان بسبب قصة تمثال “علي باي” التي تعرفها ساكنة طنجة جيدا، حيث كانت هناك فتوى من بعض العلماء في ذلك الوقت، فتم هدم هذه المعلمة أو أزيلت أو هربت أو أتلفت أو الله أعلم لا نعرف أين هي، مضيفا ” وحتى نخرج من هذا المشكل الذي يمكن أن يطرح، طلب السيد العمدة فتوى، مشيرا إلى أنه في حالة لم تكن فسنلجأ إلى “تعبيرات فنية أخرى كالجداريات او لوحات معدنية، وأشكال تعبيرية فنية كثيرة، نترك الإبداع للمبدعين المحليين والوطنيين والدوليين