تحل اليوم الاثنين الذكرى 12 لانطلاق حركة 20 فبراير في سياق متسم بتقهقر البلاد في مؤشرات الفساد الذي يزداد تغلغلا سنة بعد أخرى، رغم أن “إسقاط الفساد” شكل شعارا مركزيا في احتجاجات الحركة ومطالبها، ورغم أن دستور 2011 جاء بمقتضيات تصب في هذا الاتجاه.

المؤشرات والتقارير الوطنية والدولية تؤكد أن المغرب لا يزال بعيدا كل البعد عن مكافحة الفساد، بل ويسير في الاتجاه المعاكس نحو مزيد من تفشي هذه الممارسات التي تعيق التنمية، في ظل استمرار الإفلات من العقاب، وضعف التشريعات ذات الصلة، وغياب إرادة سياسية حقيقية.

بيئة ملائمة لتنامي الفساد

الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وهي الهيئة الدستورية التي جاءت على إثر احتجاجات 20 فبراير وبموجب دستور 2011، أكدت في تقريرها السنوي الذي قدمته في نونبر الماضي تغلغل الفساد بقوة في المغرب والصعوبات الكبيرة التي تعيق مكافحته، وانعكاس الفساد السلبي على التنمية وتمتع المواطنين بمختلف حقوقهم.

وأكد التقرير السنوي للهيئة أن الجهود المبذولة لمكافحة الفساد لم تتمكن لحد الآن من إخراج المغرب من خانة الدول التي تعرف منحنيات متردية للفساد، منبها إلى أن البيئة المغربية ملائمة لتنامي الفساد وتثبيت معاقله، خاصة في ظل الأعطاب المرتبطة بالولوج إلى الحقوق المدنية والسياسية وسيادة القانون وفعالية القضاء والعدالة الجنائية وشفافية الميزانية.

ونبهت الهيئـة الدستورية إلى التقاطعـات بين ارتفـاع معدلات الفسـاد، وانتهـاك الحقـوق والحريات وتراجع الأداء الديمقراطي، وأكدت شيوع مظاهر المحسوبية والزبونية والامتيازات وتدمير أسس التماسك الاجتماعي والاستقرار وتكريس الفوارق الاجتماعية والمجالية، وتبديد وهدر الموارد وتوسيع دائرة اقتصاد الريع، وضرب مبدأ الاستحقاق، في ظل محدودية آليات الكشف عن جرائم الفساد.

وضعية فساد عامة وتقهقر مستمر

تراجع المغرب على مستوى مكافحة الفساد، تعكسه تقارير منظمة الشفافية الدولية “ترانسبرانسي”، التي كشفت في آخر تقرير لها قدمته قبل ثلاثة أسابيع، أن المغرب تراجع سنة 2022 بسبع مراتب مقارنة بـ2021، حيث بات يحتل الرتبة 94من أصل 180 دولة في مؤشر الفساد.

هذا التقهقر ليس جديدا، فمنذ 2011 تاريخ خروج احتجاجات 20 فبراير وإلى غاية 2022، تراجع المغرب بـ14 مركزا، ليكون تصنيف المملكة في 2022 هو الأسوأ على الإطلاق.

وتؤكد “ترانسبرانسي” أن المغرب يعيش وضعية فساد عامة، دون وجود آفاق للخروج من هذه الوضعية، حيث تظل كل التوصيات الصادرة للبلد حبرا على ورق ولا تجد آذانا صاغية لتفعيلها على أرض الواقع.

وتؤكد “ترانسبرانسي المغرب” الترابط الكبير بين تفشي الفساد وغياب الديمقراطية، فالبلدان الموجودة في المراتب المتقدمة على مستوى مؤشر الديمقراطية هي الدول التي تعرف انخفاضا كبيرا في الفساد، وكلما قل منسوب الديمقراطية كلما زادت حدة الفساد وتفشيه.

وتشدد على أن محاربة الفساد تبقى مرتبطة بالحكامة الجيدة الغائبة في المغرب، وبالديمقراطية، وربط المسؤولية بالمحاسبة وهو المبدأ الدستوري المعطل، ووجود مؤسسات مستقلة وليس مؤسسات شكلية لا تقوم بواجبها.

وتنبه ترانسبرانسي إلى أن المغرب لم يقم بشيء لتغيير واقع الفساد، فالتشريعات الموجودة في هذا الصدد على علاتها لا تنفذ، كما أن الفساد عام ومعمم دون وجود مؤسسات حقيقية لمناهضته، ووضعية الإفلات من العقاب مستمرة.

سرطان فشلت كل محاولات استئصاله

الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وهي أكبر جمعية حقوقية بالمغرب، أكدت في بيان لها قبل أسبوعين حول الفساد، أن هذا الأخير سرطان لم تتمكن الاتفاقيات الأممية من الحد من آفاته وفشلت الإجراءات والهيئات الوطنية من التقليل من آثاره.

وأبرزت الجمعية الحقوقية أن ورود بعض الهيئات، كمجلس المنافسة وهيأة النزاهة والوقاية من الرشوة، في دستور 2011 عزز الاعتقاد لدى العديدين بأن المغرب في منعطف حقيقي لطي صفحة الانتهاكات والقطع مع الفساد بكافة أشكاله ولاستئصال جذوره السرطانية المتمثلة في الانحلال السياسي و الإداري و تفكيك عروشه الأخطبوطية الممتدة داخل كل القطاعات من رشوة وزبونية ومحسوبية ونهب للثروات  وتهريب للأموال، لكن ذلك الأمل خاب.

وأكدت أن الفساد بالمغرب ذو طبيعة بنيوية مترسخة في دواليب الدولة العميقة التي لم تستطع التخلص من عوائدها القديمة رغم المحاولات والإجراءات والوعود لإصلاح ذاتها، مبرزة أن الفساد منتشر سواء ما ارتبط منه بالمجال السياسي و المدني، أو المالي والاقتصادي.

وحذرت الجمعية من خطورة هذه الآفة على النمو الطبيعي للاقتصاد الوطني، ونتائجها العكسية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وانعكاساتها الوخيمة على توسيع دائرة الفقر والهشاشة.

غياب إرادة سياسية حقيقية

محمد الغلوسي رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أكد أنه لم يحصل أي تقدم في مكافحة الفساد، وظل الملف حبيس الخطابات والشعارات، دون أي أثر على أرض الواقع، فمحاربة الفساد قوس أغلق بعد سنتين أو ثلاث سنوات من دستور 2011.

وأكد الغلوسي في تصريح لموقع “لكم” غياب إرادة سياسية حقيقية لمكافحة الفساد وتخليق الحياة العامة والقطع مع الإفلات من العقاب، حيث ظل لصوص المال العام والمفسدون في منأى عن المحاسبة الحقيقية، وظلت الأموال المنهوبة مبددة دون استرجاع.

ونبه رئيس جمعية حماية المال العام إلى تمدد الفساد والرشوة والريع بشكل خطير يستنزف 5 في المئة من الناتج الداخلي الخام، وبتداعيات اقتصادية واجتماعية كبيرة كالفقر والبطالة وغيرها.

وسجل الغلوسي ضعف محاربة الفساد على المستوى القضائي، حيث ظلت الملفات المحالة على القضاء ضعيفة، والأحكام لا ترقى لمستوى الانتظارات في مكافحة الرشوة والفساد والريع، ولم تطل المتابعات القضائية المسؤولين الكبار المتورطين في الفساد.

وعلى المستوى القانوني لم يحصل أي تحول أيضا، فرغم المطالب بملاءمة القوانين الوطنية مع المقتضيات الدولية ذات الصلة بمكافحة الفساد إلا أن هذه القوانين ظلت على حالها، كما هو الحال مع قانون التصريح بالممتلكات الضعيف والمحدود، وغياب تجريم الإثراء غير المشروع، حيث إن أول خطوة أقدمت عليها حكومة أخنوش هي سحب مشروع القانون الجنائي الذي يتضمن تجريم الإثراء غير المشروع من البرلمان، وأقبرت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، ناهيك عن تضارب المصالح بين أعضائها.

كما سجل الغلوسي تطور جريمة غسيل الأموال، وتهريبها للخارج، ويحدث ذلك مع حكومة تزاوج بين المال والسلطة ولا تستطيع أن تردد ما يتعلق بمحاربة الفساد في برنامجها.

وإلى جانب الضعف القضائي والقانوني في محاربة الفساد، أبرز الغلوسي الضعف المؤسساتي في هذا الإطار، حيث ظلت مؤسسات الحكامة صورية دون أن يكون لها وقع، فبعد 2011 لم تضطلع هذه المؤسسات بأدوارها الحقيقية.

وخلص الغلوسي إلى التأكيد على أن التقدم للأمام في محاربة الفساد مرتبط بالإرادة السياسية الحقيقية، وبدون التصدي للفساد لا يمكن للبرامج التنموية أن يكون لها أثر مهما كانت قوتها، حيث ستصطدم بجدار الفساد بكل تلويناته، وستكون هدرا للمال العام دون أن يشعر المواطن بالأثر، ما يقتضي اليوم تحويل مؤسسات الحكامة لمؤسسات فعلية وتوفير الشروط والإمكانيات اللازمة لها، كما على الأحزاب والإعلام والمدرسة وغيرها من المؤسسات أن تلعب دورها في تخليق الحياة العامة، ووقف الإفلات من العقاب.