رصد تقرير للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها حول “التبليغ عن الفساد”، الضعف الكبير في أعداد المبلغين عن جرائم الفساد، مبرزا وجود عدة معيقات تحول دون تحقيق دينامية مجتمعية لفضح الفساد والمفسدين، من بينها الخوف من الانتقام وضعف التأطير التشريعي للتبليغ، ودعا إلى توفير حماية متكاملة للمبلغين.

وتوقف التقرير على تراجع عدد التبليغات عن الفساد من سنة لأخرى، وهو تراجع بلغت نسبته 50 في المئة، مع هيمنـة الشـكايات مجهولـة الهويـة مقارنـة مـع الشـكايات معلومـة المصـدر، إضافة إلى ارتبـاط جرائم الفساد المبلغ عنها برشاوى هزيلـة يتـورط فيهـا أشـخاص ينتمـون إلى القطاعـات ذات الارتبـاط اليومـي بالمواطن، فضلا عن ضعـف القضايـا المحكوم فيهـا بالإدانة.

وأبرزت الهيئة الوطنية أن الضعف الكبير في معدلات التبليـغ عـن أفعـال الفسـاد، يهم سـائر الأشـخاص الذاتيـين والمعنويين، أو غيرهم مـن الموظفين، منبهة إلى وجـود إحجـام واضـح عـن التبليـغ عـن هـذه الأفعال.

وعزت الهيئة هذا الإحجام أساسا إلى عـدم الشـعور بالأمـان، والخـوف مـن الضغوطـات وأشـكال الانتقام، وهـو معطـى تؤكـده بالأسـاس هيمنة الشــكايات مجهولــة الهويــة، وتعكســه محدوديــة الشــكايات المقدمـة مـن طـرف الموظفين، كمـا يبـرزه اللجـوء الملاحظ إلى القنـوات الخارجيــة المتمثلـة بشـكل خـاص في مواقـع التواصـل الاجتماعي.

كما يرتبط تراجع الشكايات، حسب ذات المصدر، إلى  صعوبــة الحصــول عــلى الإثباتــات والمعلومــات المرتبطــة بأفعــال الفســاد، وعــدم قــدرة المبلغين عـلـى الإدلاء بالمعلومــات التفصيليــة المطلوبــة منهــم، وتدني منسـوب الثقـة في نجاعـة وفعاليـة المجهـودات المبذولـة سـواء مـن طـرف الحكومـة أو مـن طـرف سلطات إنفاذ القانون، وهـو مـا تؤكـده نتائـج مـؤشرات الثقـة التي ترصد عدم الرضى عن المجهود المبذول في مكافحة الفساد.

كما لاحظت الهيئة أن المشرع لم يذهـب إلى حـد المعاقبـة علـى الإخـال المحتمـل بمبـدأ الوجـوب والفـور في التبليـغ عـن جرائـم الفسـاد، عـلى غـرار مـا قـرره في الجرائم الإرهابية، ما يستخلص منه أن مبـدأ حاميـة الأمـوال العموميـة لم يرق بعد إلى ترتيب المسؤولية الجنائية.

وبخصوص الآليات المتاحة للتبليغ عـن الفسـاد لـدى السـلطات المنتصبـة، سجل التقرير أن تبليـغ النيابـات العامـة بجرائـم الفسـاد من طرف المفتشـيات العامـة للـوزارات، يبقـى اختيارا مؤطرا بتقديـر الوزيـر الوصي وتقييمـه، مـع العلـم أنهـا غـر مقيـدة بإلزاميـة تحريـك مسـطرة الإحالة علـى النيابـة العامـة في حالـة رصـد تجـاوزات.

وشددت الهيئة على الحاجــة الملحــة إلى مراجعــة المقتضيــات التشريعيــة للحمايــة، من أجل تشـجيع المواطن والموظف بشـكل خـاص عـلى القيـام بواجبهـم في التبليـغ عـن الفسـاد بـكل حريـة وشـعور بالأمان.

وفي هذا الصدد، توقفـت الهيئـة، على مجموعـة مـن المؤاخـذات المتمثلـة أساسـا في عـدم سريان الحماية القانونيــة عــلى المبلغين عــن جميــع أفعــال الفســاد المنصــوص عليهــا في القانــون الجنــائي العــام والقوانـيـن الجنائيـة الخاصـة، وعـدم امتـداد الحاميـة المخولـة لفئـة المبلغين إلى أفـراد أسرهـم وأقاربهـم، وعـدم تحديـد الحالات التـي تسـتدعي اتخـاذ قـرار تعديـل أو سـحب تدابـر الحاميـة مـن قبـل السـلطة القضائيـة، بالإضافة إلى الثغـرة المتعلقـة بغيـاب تنصيـص دقيـق علـى الجهـة التـي يتعـن التبليـغ لديهـا للاسـتفادة مـن المقتضيـات الخاصـة بعـدم المتابعة، سـواء تأديبيـا أو جنائيـا، عـى أسـاس إفشـاء السـر المهنـي.

وأوصت الهيئة بضـان الحماية اللازمة مـن مختلـف أصنـاف الانتقـام، الواقعـة أو المحتملـة، التـي يمكن أن تلحـق بالمبلغين نتيجـة إقدامهـم عـلى التبليـغ، وعـدم متابعـة الموظفـين عـلى أسـاس إفشـاء الـسر المهنـي، إذا بلغـوا عـن أفعـال الفسـاد التـي تصـل إلى علمهـم أثنـاء مزاولتهـم لمهامهـم.

وخلص التقرير إلى التأكيد على ضرورة إدراج مطلـب النهـوض بالتبليـغ ضمـن سياسـة متكاملـة للتبليـغ عـن الفسـاد، تضـع نصـب عينيهـا الارتقـاء بهـذه الآلية الإجرائية إلى مسـتوى الحـق والواجـب المحمي الـذي يسـتدعي تعبيـد الطريـق أمـام سـائر المعنيـن، مـن أشـخاص ذاتيـن ومعنويين وسـلطات منتصبـة، لرفـع شـكاياتهم وتظلماتهـم وتبليغاتهـم، بـكل ثقـة وانخـراط مسـؤول، إلى الجهـات المعنية قصـد اضطلاعها بصلاحياتها في منـع ارتـكاب أفعـال الفسـاد أو معاقبـة مرتكبيه.