تدور أحداث الفيلم التلفزي “الخطيب” حول جميلة.. الفتاة الذكية والطموحة طالبة الطب التي تجد نفسها بعد وفاة والديها محاطة بثلاثة إخوة ذكور، لكل منهم شخصيته وطباعه، ولكن القاسم المشترك هو الحب الكبير الذي يكنونه لها،و سرعان ما يتحول هذا الحب والرعاية الأخوية إلى رغبة في التسلط ومنعها من الزواج من وديع الشاب الذي تحبه.

الكثير من المواقف سيحاول الإخوة افتعالها من أجل منع زواج أختهم، والكثير من الأسرار ستنكشف حول وديع الخطيب المزعوم. الفيلم من إخراج إدريس المريني و من بطولة هند بنجبارة ،عزيز حطاب ،ياسين موحجية ،ناصر أقباب ،مصطفى خونا.

فيلم “الخطيب ” هو مثال واضح لكيفية تكرار فكرة أقرب إلى السوريالية مفادها تماثل ثلاث شخصيات بذات الطريقة و في ذات المكان ومن خلال نفس التعاملات على نفس الفكرة دون مناقشتها.. وهو فيلم عن عدم تقبل الآخر.

جميلة شابة في ريعان الشباب .. طالبة مجدة في كلية الطب .. محاطة بحراسة مشددة من قبل اخوتها ولكنها على المستوى النفسي ملتزمة بصديقها الذي يرغب بالزواج بها. لكن كل فرد من إخوتها الثلاثة له رأي مخالف ..يخفي سر عدم الرغبة في زواجها و من الأفضل عدم اكتشاف هذه الأسرار العائلية..
الحقيقة هي أن فيلم الخطيب يقدم بداية واعدة للغاية ويخلق توترا في تطور فكرته بالبحث عن الخطيب وعائلته وأسراره خاصا الجانب الذي يستند إلى تقليد مغربية عتيقة بالسؤال عن الخطيب والتأكد من هويته قل القبول به.

ولكن ليست هذه هي المشكلة، لأن الفيلم يتطور مثل أي نص إبداعي مع تطور الحكي الفيلمي الذي يصبح في كل دقيقة أكثر رتابة وغموضا. وهذا بالتحديد هو ما تلجأ إليه السيناريوهات الكلاسيكية لهذه العينة من الأفلام دون اقتراح أي شيء مختلف.

بطل الفيلم وديع الشاب ذو الوجه الجميل والطازج للفيلم. يتمكن ببساطته وعفويته وحبه للخير أن يعطي عمقا لشخصيته، ولكن على خلاف ذلك بقية الاخوة الممثلين يزرعون في الفيلم نوعا من الدم البارد و مع تطور متواليات الفيلم يغيب التشويق ويسود الغموض في الفيلم وبأداء مسطح وغير مقنع للإخوة ودون دلالات رمزية ودون أبعاد.

لم يعمل المخرج ادريس المريني على تطوير فرجة تلفزية بانحيازه الكلي للفيلم التلفزي الاستهلاكي وبعدم البحث و الغوص في فكرة الفيلم وسياقه الاجتماعي والاكتفاء بالجوانب الفرجوية البسيطة التي تكثر فيها الحركات الجسدية والمهاترات لأبطال الفيلم دون اللجوء إلى اقناع المتفرج بماهية الفكرة.
تكاد لا تتلمس الجوانب الإبداعية ورهاناته في هذا الفيلم. ويعد بمثابة تقديمه لبيانات شخصية لمعرفة أننا أمام شريط موضوع في اليوتوب للهواة. في الواقع، حددت الدقائق القليلة الأولى للفيلم السياق العام للفيلم بالفعل والمزاج العام الذي يركز على الخطيب وعلى الخطيبة وعائلتها وأبعادهما الاجتماعية دون محاولة الفيلم تبيان العقليات المحافظة للإخوة رغم الطابع الحداثي لشخصياتهم من حيث اللباس والوظيفة والمستوى الثقافي .

ومع ذلك، في وقت قصير جدا، تصبح التوقعات واضحة عن تلك البيئة الإجتماعية التي يتم تصويرها بألوان من دراما مرتجلة وغير متماسكة وسيناريو يريد كتابة كل شيء، بالذهاب إلى ماضي عائلة الخطيب واستحضار لحظات زواجه لمدة شهر من قبل شابة من عائلته. وعلى خوف الشابة من التصريح بحبها والاكتفاء فقط بإملاءات الإخوة.. في منزل مشابه لمنزل الحداثة المزيفة وبريقها. هناك ، في ذاك المنزل حيث يعيش الاخوة على فكرة بقاء الاخت معهم وعدم السماح بزواجها.

وفي هذا التطور الحكائي للفيلم لا تنمو الشخصيات وتظل متوقفة ومن هنا تبدأ مشاكل الفيلم وعدم القدرة على منح الحياة للشخصيات وتطورها بشكل درامي يتناسب مع تطور فكرة الخطوبة.

ومع ذلك ففيلم “الخطيب” ، ينتهي في اغراق الشخصيات بسرعة فائقة بعدم بنائها بشكل متماسك و في حالة من الخوف: حيث تصبح الخطيبة شخصية معقدة رغم كونها طالبة جميلة ولكنها باردة في مشاعرها، غير قادرة على نقل المشاعر أو العواطف. من ناحية أخرى ، فإن خطيبها يصبح أكثر وضوحًا في حبه وأكثر صبرا على رعونة الإخوة.

يمكن للمرء أن يتوقع حتى الاستخدام الإبداعي للتقاليد الثقافية في الأفلام المغربية ذات النهايات السعيدة…

“الخطيب” فيلم غارق بشكل مذهل في التقاليد الخرقاء للنهايات السعيدة، وهي مشكلة شائعة في الأفلام الاستهلاكية النمطية التي تعتقد أن مجرد البحث عن نهاية سعيدة دون أي إبداع هو وسيلة جيدة لتعزيز فكرة الفيلم.

لم يستطع الفيلم أن يقدم عملا فنيا متماسكا برؤية واضحة ولم يقدم أي أبعاد اجتماعية وظل يغوص في دائرة مفرغة عن فكرة الخطيب الغريب الذي يحوم حول الأخت و ثلاثة إخوة ووصية الأب وشابة تتقاسم رغبات عاطفية وتوافق على الالتزام العاطفي مع الخوف المسيطر عليها. وتصبح الخطوبة تراكمًا للرياء والمظاهر الخادعة و الكراهية وبركانا على وشك الانفجار ودراما تفتقد للكثير من المقومات الدرامية والكثير من الصدق الفني.

على اعتبار أن الشابة ناضجة بشكل كبير وعلى اعتبار أنها مشروع طبيبة تتحمل مسؤولية انقاذ الآخرين و قادرة على التمييز وفرض رأيها ولكن تعلق الإخوة بها بشكل كبير مظهر غير معقول وغير منطقي يقلل من شخصيتها.

يفتقد الفيلم إلى العمق والتماسك وعدم قدرة الشخصيات على التشابك وإبداء المواقف بشكل منطقي وينقل صورا من الواقع الإجتماعي دون أن يحملها أي دلالات أو أبعاد أو ايحاءات وينقلها كما هي ويسبح في دائرة مفرغة…