الصراع السياسي يشتد بين حزب ”العدالة والتنمية” ووزارة الداخلية، وبلغت حرارته إلى أقصى المستويات، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية، التي ستقام في سياق سياسي مغربي ”مشحون”، وفي ظل ارتفاع حدة التوتر بين معسكرين متناقضين، معسكر يسعى إلى ضمان شفافية العملية الانتخابية والذهاب إلى محطة 07 أكتوبر بأقل الخسائر مع الحفاظ على توازنه وأيضا اللعب على التنويع من حلفائه التقليدين، رغم ما يتعرض له من مضايقات و”مطبات” داخل تحالفه الحكومي، ومعسكر آخر، يلعب على الواجهتين، الوجهة الأولى، تهدف إلى محاصرة حزب ”العدالة والتنمية” وتقزيم خطواته، وضرب استقراره الداخلي عرض الحائط، وإسقاط الطائرة في ملعبه، ما دامت كل النتائج تشير إلى أن ”البيجيدي” بإمكانه اكتساح الانتخابات المقبلة، ووجهة أخرى، تروم إعادة التوازن في الحقل الحزبي، وضمان ورقة التعددية السياسية، التي أقرها الدستور، وباركتها كل الأطياف السياسية.

وما بين المعسكرين، تحاول ”وزارة الداخلية” باعتبارها الجهة المشرفة على العملية الانتخابية، ”ضبط” الصراع بين الأطراف المختلفة عبر آليات الضبط التي يخولها لها دورها كمشرفة على العلميات الانتخابية في المغرب. وآخر عمليات الضبط تجلت في تشديد إجراءات “التسجيل الإلكتروني للناخبين في اللوائح الانتخابية”، خاصة بعد مطالبة حزبي ”الأصالة والمعاصرة”، و”الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية”، وزارة الداخلية بـ”التشطيب على آلاف الناخبين بدعوى أنهم سجلوا من طرف شبيبة العدالة والتنمية”.

الحياد.. أو مقاطعة الانتخابات..

 وكان رئيس فريق حزب ”العدالة والتنمية” داخل مجلس النواب، عبد الله بوانو، قد لوح بورقة مقاطعة الانتخابات التشريعية المقررة في 7 أكتوبر في حال ما إذا استمر ”تعنت وزارة الداخلية”، خاصة بعد قرار ”التشطيب على الناخبين في اللوائح الانتخابية”، التي كان يراهن عليها حزب “العدالة والتنمية”، حيث أكد أن ”الحزب سيقاطع الانتخابات المقبلة في حال لم تتراجع وزارة الداخلية عن قرارها القاضي بالتشطيب على المسجلين باللوائح الانتخابية إلكترونيا بأثر رجعي”.

بوانو الذي تحدث يوم الثلاثاء 12 يوليوز الجاري بحضور كل من وزير الداخلية محمد حصاد، والشرقي اضريس، قال إن ”حزبه غير مستعد للدخول في الانتخابات بالطريقة التي تريدها الداخلية، مؤكدا أنه: ”لا يمكن التراجع عن منح الهيئات الحزبية أحقية تسجيل الناخبين إلكترونيا، فقد تم الاتفاق على هذا الأمر سنة 2014 وجرى التعامل به في سنة 2015، واليوم تأتون لتطلبوا التراجع، هذا غير مفهوم”..

وأضاف بوانو أنه ”لا يمكن توقيف التسجيل في اللوائح الانتخابية لأحزاب تعمل وتجتهد لكون أحزاب كسولة لا تريد نسب مشاركة عالية”، وتساءل عن مدى “دستورية مثل هذه القرارات التي تصدرها الداخلية”.

قوى تحكمية تراهن على تدخل” قهري” للداخلية  

من جهته، قال خالد الرحموني عضو الأمانة العامة لحزب ”العدالة والتنمية”، إن ”هناك قوى سلطوية لا تنظر بود للمشاركة الواسعة للمواطنين، وهدفها هو محاصرة الاحزاب المناضلة والتي تقوم بدورها في توسيع قاعدة الاصلاح الديمقراطي ومهمتها الاساسية في المرحلة هي انجاح الانتقال الديمقراطي، وأساس الانتقال هو تـأكيد منطق التنافس السياسي المفتوح عبر بوابة الانتخابات النزيهة”.

وكشف الرحموني لموقع ”لكم” أن هذه القوى التحكمية تريد أن ”تستعيد المبادرة بنسف منطق السيادة الشعبية والاجهاز على الاقتراع العام”.

واعتبر ذات المتحدث أن ”حزب العدالة والتنمية والأحزاب مستقلة الارادة من واجبها تحصين الانتقال من امكانيات الارتداد والنكوص ومن تهديدات التحكم، لكن منطق التاريخ عنيد ولا رجعة عنه يقول ان المرحلة تتطلب تأمين الاصلاح الديمقراطي ومحاصرة قوى السلطوية والدعوات الانتهازية والشاردة التي تراهن على تدخل قهري للداخلية من اجل تقييد حق المشاركة مآلها الفشل”، مشيرا إلى أن ”على الداخلية ان تلتزم بالقانون ولا تنحشر في سياق دعوات معلومة مراميها”.

 البيجيدي يسعى إلى ”الطوفان” وأحرقته لذة السلطة

صراع ”البيجيدي” ووزارة الداخلية، أشعل لهيبه، حزب ”الأصالة والمعاصرة”، الذي يمثل أكبر مستفيد من لعبة ”الشد والجذب” بين أعضاء حزب بنكيران وحصاد، خصوصا وأن الأخير يترأس لجنة نزاهة الانتخابات، والمسؤول الأول عن العملية الانتخابية إلى جانب رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، وهذا ما حاول إبرازه عبد اللطيف وهبي عضو المكتب السياسي لحزب ”الأصالة والمعاصرة”، الذي أكد أنه لا يجوز ”قانونيا” لبعض الأحزاب تجاوز صلاحيات وزارة الداخلية، خصوصا في الشق المتعلق بالتسجيل في اللوائح الانتخابية”.

فالمعلومات الشخصية، يقول وهبي لموقع ”لكم”، لا يجوز التصريح بها، بمبرر أنه يمكن استغلالها وتوظيفها كوسيلة لاستمالة الناخبين، وهذا يكرس مبدأ ”الزبونية السياسية”، التي تقوي بعض الأحزاب دون أخرى، فالتسجيل في اللوائح الانتخابية ترتبط بإرادة الفرد وليس إرادة الجماعة”.

وختم وهبي، الذي فضل الحديث من زاوية موقع حزبه المعارض، تصريحه بالقول إن حزب ”العدالة والتنمية” فضل مناهضة التحكم إلا أنه يبتغي إلى الطوفان، فأحرقته لذة السلطة”.

ومن جهتها تساءلت ميلودة حازب، رئيسة فريق ”الأصالة والمعاصرة”، عن العلاقة التي تجمع بين وزير الداخلية ورئيس الحكومة، قائلة إن هذا الأخير”يرسل رسائل مشفرة الهدف منها زعزعة الثقة في المؤسسات، ويلجأ إلى خطاب هدفه التأثير لتزوير إرادة الناخبين والابتزاز السياسي من أجل ضمان ولاية أخرى”.

وبخصوص التسجيل الالكتروني، أكدت رئيسة فريق ”البام” أن الأحزاب مسؤولة عن التعبئة والتحفيز على التسجيل لكن ليس استغلال إمكانيات الدولة للدفع في اتجاه معين”، تضيف حازب.

سجال سياسي ”مألوف”..

محمد شقير المحلل السياسي أوضح أن هذا ”السجال” أصبح مألوفا قبل كل استحقاق انتخابي، الذي عادة ما يجمع وزارة الداخلية و باقي مكونات المشهد السياسي، ومن هذا المستوى يمكن قراءة بلاغ ”وزارة الداخلية” بخصوص تشكيك بعض الأحزاب في نزاهة الانتخابات، بأن هناك ”عدم ثقة” يطبع علاقة الداخلية بالأحزاب، ناهيك عن وجود مزايدات أريد لها أن تكون “سياسية” تخدم أجندة السياسيين في سباق الانتخابات.

شقير أردف في تصريح لموقع ”لكم” قائلا إن:”هناك نوع من ”نفاد الصبر” وامتعاض يسكن وزارة الداخلية التي تحاول ضمان نزاهة الانتخابات من خلال فرز إجراءات ”إحترازية” لضبط الخريطة السياسية، خصوصا في ظل المؤثرات المسجلة حاليا، فالسجال سيؤثر غالبا على العملية الانتخابية، لأن الاقتراع القادم مرهون بالوضعية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، والتي لا تسمح للناخبين الذهاب إلى صناديق الاقتراع بمبرر أن الانتخابات لن تغير وضعهم الاجتماعي.

واستطرد شقير في حديثه، حيث لاحظ أن ”المشاركين في اللعبة يشككون في قواعدها وقوانينها قبل أن تتم وهذا ضرب في صلب الديمقراطية، فلا يمكم لأي مكون سياسي أن يلوح بمقاطعة هذا الاستحقاق بمبرر عدم احترام المنهجية الديمقراطية، حزب ”العدالة والتنمية” سيدخل إلى الانتخابات ولا يمكنه أن يقاطعها، وهذا بمثابة ”ازدواجية” يطبع السلوك السياسي، هدفه تمويه باقي المكونات السياسية، خصوصا أحزاب المعارضة”.