صراع الحكومة والنقابات سيستمر إلى غاية يوم الاقتراع في الانتخابات التشريعية المقبلة، فبعد فشل كل المحاولات لإخراج الحوار الاجتماعي من النفق المسدود، وتجاوز سياسية ”النأي بالنفس”، التي سادت طيلة ولاية حكومة بنكيران في حوارها مع النقابات، خرجت نقابة ”الاتحاد المغربي للشغل”، أحد أكبر المكونات النقابية في المغرب، في بيان لها، تدعو فيه مناضيليها في كل التمثيليات النقابية المنضوية تحت لوائها، للتصويت العقابي، ضد الأحزاب السياسية، المشكلة للائتلاف الحكومي، بقيادة حزب ”العدالة والتنمية”.

يحصل هذا في أوج الاستعدادات للانتخابات التشريعية التي ستجرى في 7 أكتوبر المقبل، ما فسره بعض المراقبين للشأن السياسي بأنه محاولة لإضعاف حكومة بنكيران، والذهاب إلى ”شحن” المشهد السياسي، خصوصا وأن الدفع بالورقة النقابية في هذا الصراع، سيغير المعادلة السياسية برمتها.

وكان المجلس الوطني لنقابة الاتحاد المغربي للشغل، دعا، في وقت سابق، ”الطبقة العاملة المغربية بكل مكوناتها من عمال وعاملات، موظفين وموظفات وعموم الأجراء في كل القطاعات المهنية وفي مختلف أماكن تواجدها، من اتحادات جهوية ومحلية في مختلف المدن والجهات، إلى التصويت المكثف في انتخابات 7 أكتوبر 2016، وعدم تزكية الهيئات السياسية (الأحزاب) المسؤولة عن السياسات اللاشعبية، حتى لا يتسنى لها  الإجهاز على ما تبقى من حقوق الطبقة العاملة و مكتسباتها”.

لن نقدم أي هدية لأحزاب المعارضة

الدعوة إلى التصويت ضد أحزاب الحكومة، اعتبرها ميلود موخاريق، الأمين العام لنقابة الاتحاد المغربي للشغل، ”عادية” خاصة في ظل ”التشنج الاجتماعي” الذي تعيشه في الآونة الأخيرة فئات مجتمعية.

وأضاف موخاريق، أن المكونات الحكومية الحالية، مسؤولة عن تعثر وتجميد الحوار الاجتماعي، وسن قوانين تحرم العمل الحريات النقابية، ومنع الزيادة في الأجور منذ خمس سنوات، والإصرار على تمرير قوانين إصلاح التقاعد، دون المقترحات العملية للنقابات، قبل أن يصرح قائلا: ”لن نقدم هدية لأي كان من أحزاب المعارضة أو الأغلبية، مرت علينا خمس سنوات عجاف، وكنا مضطرين لاتخاذ هذا القرار السياسي”.

النقابات فقدت شرعيتها  

في الجهة المقابلة، أعرب عبد الحق العربي، المستشار الاجتماعي لرئيس الحكومة، عن استغرابه من موقف نقابة الاتحاد المغربي للشغل، مشيرا إلى أن ”هاته تقدم نفسها على أنها مستقلة عن أي هيئة سياسية وتدعوا في ذات الوقت، إلى معاقبة الأحزاب المشاركة في الحكومة الحالية”.

وأورد العربي في حديثه لموقع “لكم” أن النقابات فقدت استقلاليتها وشعاراتها لم تعد تستند على أي شرعية شعبية، وحمل العربي النقابات الأكثر تمثيلية فشل الحوار الاجتماعي، الذي راهنت عليه الحكومة في مسلسل إصلاح أنظمة معاشات التقاعد وصندوق المقاصة، موضحا في ذات السياق: ”كانت لهم أجندات يخدمونها فيما بينهم ومطالب يتفقون عليها ثم يتراجعون”.

جل المركزيات النقابية ظلت تراوح مكانها مما طبع هذه الجولة بنوع من العبث واللامسؤولية في تعاطي هذه النقابات مع الحوار الاجتماعي”، اضطر معه عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة إلى أن يطلب من المركزيات النقابية، أن يمدوه بمطالبها، قبل أن يختم تصريحه ”هناك اتجاه يحاول الضغط على الحكومة بورقة الانتخابات القادمة، وعرقلة إصلاح نظام المعاشات المدنية، إلا أن الحكومة أكدت في عدة مناسبات أنها لن تتنازل عن هذا الإصلاح”.

النقابات قوة ”ضاغطة” لكنها محصورة

دعوة ميلود موخاريق، الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، الطبقة العاملة إلى التصويت العقابي في حق حكومة بنكيران، اعتبرها المحلل السياسي، محمد شقير، استمرارا للمواقف النقابية السابقة المعادية لحكومة بنكيران، بحيث كانت هناك توترات “شديدة” طبعت علاقة هذه الحكومة بالمركزيات النقابية، تفجرت أولى شراراتها خلال جلسات الحوار الاجتماعي، وما تمخض عنه من ”بلوكاج”، وشكل ”الاتحاد المغربي للشغل” قطب رحى هذه الاجتماعات، وكان يرفض المساس بحقوق الشغيلة وبالتالي شكلت نقابة ”موخاريق” قوة موازية معارضة لحكومة بنكيران.

ولفت شقير أن ”نقابة موخاريق شاركت في مسيرات مناهضة لسياسات بنكيران، وبالتالي موقفها لا يخرج عن هذه القاعدة إلا أن الإعلان عن موقفها في هذه الفترة الانتخابية يحمل رسائل عديدة، أبرزها الرغبة في عدم فوز بنكيران بولاية أخرى، فهي، باتت من هذا المنطلق، ضمن الصف المعارض الذي يضم النقابات والباطرونا والأحزاب”.

ويفسر شقير ما يحدث الآن، أن ”خرجة الاتحاد المغربي للشغل تدخل في إطار تحالف ضمني مع هذه المكونات لمحاصرة بنكيران والعمل على التأثير على شعبيته، خاصة وأن هذه الخرجة، أعقبت مسيرة الأحد، التي استفاد منها بنكيران، وكرست نوع من مظلوميته، وكسب من خلالها نوعا من التعاطف الشعبي”، يستطرد شقير قوله.

واستبعد شقير خلال حديثه لموقع ”لكم” أن يؤثر هذا القرار على الحصيلة الانتخابية لحزب ”العدالة والتنمية”، مؤكدا أن الضعف الذي أصاب أغلب المركزيات النقابية بعد فقدان قواعدها وعدم تجديد قياداتها، النقابة لم تعد قوة استقطابية، فقد واجهت الحكومة بشكل ضعيف، دفعت بنكيران إلى احتوائها من الداخل وامتصاص نضالاتها، ومرر مجموعة من القرارات التي تعتبرها النقابات غير شعبية كإصلاح نظامي التقاعد والمقاصة.