قال المؤرخ الفلسطيني رشيد الخالدي، إن الأحداث الفظيعة التي وقعت خلال الأشهر الستة الماضية في غزة ليست فريدة من نوعها، ولا تقف خارج التاريخ، رغم أن الكثير قد تغير منذ 7 أكتوبر.

وجاء مقال مطول كتبه رشيد الخالدي، في صحيفة “الغارديان” البريطانية، أن البعض جادل بأن هذه الأحداث تمثل قطيعة، أو اضطرابًا، أو أنها كانت بمثابة “11 سبتمبر” في إسرائيل، أو أنها نكبة جديدة، أو إبادة جماعية غير مسبوقة.

ورشيد خالدي (ولد عام 1948) هو مؤرخ فلسطيني أمريكي، يعمل برفيسورا للدراسات العربية الحديثة في جامعة كولومبيا، ومديراً لمدرسة الشؤون الدولية والمحلية التابع لمعهد الشرق الأوسط في جامعة كولومبيا، وله عدة كتب أشهرها هما “حرب المئة عام على فلسطين”، و” الهوية الفلسطينية: بناء وعي قومي حديث”.*

بينما أكد الكاتب أن هذه الأحداث واللقطات المباشرة للفظائع والدمار الذي لا يطاق، وشدة الاستجابة العالمية، لم يسبق لها مثيل. واستطرد قوله: “يبدو أننا نعيش مرحلة جديدة، حيث ماتت “عملية أوسلو” المقيتة ودُفنت، وحيث تشتد حدة الاحتلال والاستعمار والعنف، وحيث يُداس القانون الدولي، وحيث تتحرك الصفائح التكتونية الثابتة ببطء.”

واستدرك الخالدي: “لكن رغم أن الكثير قد تغير في الأشهر الستة الماضية، فإن الفظائع التي نشهدها لا يمكن فهمها حقاً إلا باعتبارها مرحلة جديدة كارثية في حرب مستمرة منذ عدة أجيال.”

واستند الخالدي على أطروحة كتابه المذكور، مبرز أن الأحداث في فلسطين منذ عام 1917 نتجت عن حرب متعددة المراحل شنتها القوى العظمى الراعية للحركة الصهيونية على السكان الفلسطينيين الأصليين، وهي حركة كانت استعمارية استيطانية في آن واحد.

كما لعبت القومية دور بارزا في تمخض هذه الأحداث الدموية، وفقا لما جاء في المقال، فإن القومية تهدف إلى استبدال الشعب الفلسطيني في وطن أجداده. وتحالفت هذه القوى فيما بعد مع الدولة القومية الإسرائيلية التي انبثقت عن تلك الحركة، وفقا للخالدي.

وطوال هذه الحرب الطويلة، قاوم الفلسطينيون بشدة اغتصاب بلادهم. كما يضيف مقال الغارديان “أن هذا الإطار لا غنى عنه في تفسير ليس فقط تاريخ القرن الماضي وغيره، بل أيضا في شرح الوحشية التي شهدناها منذ 7 أكتوبر”.

وأوضح صاحب المقال أن هذه الأحداث ليست صراعا قديما بين العرب واليهود مستمر منذ زمن سحيق، وليست مجرد صراع بين شعبين. وأكد الخالدي “أنها نتاج حديث لاقتحام الإمبريالية في الشرق الأوسط وصعود قوميات الدولة القومية الحديثة، العربية واليهودية على حد سواء”.

وتابع قوله: “إنها نتاج الأساليب الاستعمارية الاستيطانية الأوروبية العنيفة التي استخدمتها الصهيونية “لتحويل فلسطين إلى أرض إسرائيل”، على حد تعبير أحد القادة الصهيونيين الأوائل، زئيف جابوتنسكي؛ وهو نتاج المقاومة الفلسطينية لهذه الأساليب.”

وأكد الكاتب أن هذه الحرب لم تكن قط حربا عادلة بين الصهيونية وإسرائيل من جهة والفلسطينيين من جهة أخرى، بل كانت مدعومة في بعض الأحيان من قبل جهات فاعلة عربية وغيرها.

وأوضح أن هذه الحرب انطوت دائما على تدخل هائل من جانب القوى العظمى في العصر إلى جانب الحركة الصهيونية وإسرائيل؛ بما في ذلك بريطانيا حتى الحرب العالمية الثانية، والولايات المتحدة وغيرها منذ ذلك الحين.

وأشار إلى أن هذه القوى العظمى لم تكن قط وسيطا محايدا أو نزيها، لكنها كانت دائمًا مشاركا نشطا في هذه الحرب دعما لإسرائيل. وأضاف الخالدي: “في هذه الحرب بين المستعمر والمستعمر، بين الظالم والمضطهد، لم يكن هناك أي شيء يقترب من التكافؤ بين الجانبين، بل بدلا من ذلك اختلال كبير في التوازن لصالح الصهيونية وإسرائيل.”

واستنتجت الكاتب أن هذه الفرضية بشكل صارخ من خلال الأحداث التي تلت 7 أكتوبر، مع اختلال توازن القوى الواضح في المستويات غير المتناسبة من الموت والدمار والتشريد؛ إذ تبلغ نسبة القتلى الفلسطينيين مقارنة الإسرائيليين الذين قتلوا حتى الآن حوالي 25 مقابل واحد.

ولفت المقال إلى أن عدد القتلى المدنيين في إسرائيل الذي يزيد على 800 يعتبر هو الأعلى منذ حرب عام 1948. لقد قُتل حتى الآن أكثر من 685 جنديا وشرطياً ورجل أمن إسرائيليا، وهو عدد أكبر من عدد الجنود الذين قتلوا في حرب سيناء عام 1956، وغزو لبنان عام 1982، والانتفاضة الثانية، والحرب على لبنان عام 2006.

وأفاد الكاتب أن إجمالي الخسائر الإسرائيلية، بما في ذلك الجنود والمدنيون الذين قتلوا وجرحوا، تجاوز تلك التي وقعت في حرب عام 1967. بالإضافة إلى ذلك، تم أسر حوالي 250 مدنيًا وجنديا ومواطنًا أجنبيا إسرائيليا في أكتوبر من العام الماضي، وما زال أكثر من 100 محتجزا كرهائن.

وخلص رشيد الخالدي إلى أن المعاناة التي تفرضها إسرائيل على غزة قد أدت إلى مزيد من تقليص شرعيتها الضعيفة بالفعل على المستوى العالمي.

وبعيدا عن احتمال تصعيد كبير للحرب إلى أجزاء أخرى من الشرق الأوسط، يتنبأ المقال بأن “الهزات الارتدادية قد يكون لها تداعيات طويلة المدى على السياسة الداخلية لإسرائيل والفلسطينيين والدول العربية والإقليمية، وكذلك على مستقبل إسرائيل في المنطقة، وربما حتى نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية.”

وقال الخالدي إن “هذه الحرب سوف تؤدي بلا شك إلى تغييرات في استراتيجية إسرائيل طويلة الأمد في التعامل مع الفلسطينيين.”

وأوضح أستاذ الدراسات العربية الحديثة في جامعة كولومبيا، أن لقد الهجوم المفاجئ في 7 أكتوبر والإخفاقات المتتالية في ساحة المعركة التي تلت ذلك، كشفت عن نقاط الضعف في التخطيط العسكري الإسرائيلي والاستخبارات وتكنولوجيا المراقبة التي تتبجح بها.