لم نكن يوما نتوقع أن تقدَّم إلينا التعازي في وفاتك بقرع الطبول وضرب الدفوف. لم نكن نتصور أن المواساة ولملمة الجراح تكون بعزف الأوركسترا والرقص..

نعم أبي كِدنا نقبل غدرا هذا العزاء. وممن يا أبي؟ تراك لن تتخيل؟ … من النقابة الوطنية للصحافة المغربية… نعم أبي تلك النقابة التي أفنيتَ شبابك في النضال من داخلها وكنت أحد مؤسسيها رفقة زملائك الذين نلت وإياهم الحظ الوافر من التهميش والإقصاء والعقوبة على النزاهة والنضال والكلام الحر الذي لم تستطع أن تقمعه أو تخرسه عصا وزارة الداخلية والإعلام أيام إدريس البصري،  ولا نالت من أنفته شيئا … أبي حجم الجرح الذي نعيشه اليوم نحن أسرتك وأصدقائك وإخوتك كبير لفقدانك أولا، وللمشهد المريب داخل المسرح الوطني محمد الخامس بالرباط  الذي ظننا أنه سيحتضن يوما تأبينيا لك و تكريما لروحك الطاهرة في اليوم الوطني للإعلام … يوم ظننا يا أبي أننا سنشم رائحتك مجددا خلاله، سنسمع عنك، سنستحضر مشاهد من ذاكرتكم الجماعية. مشاهد تروي مسارا من نكران الذات من العمل الإعلامي الجاد، ليس من باب الترف أو لأننا كنا ننتظر تكريما من أي كان… ليس كذلك أبي… بل لأن كلامنا ما زال يبحث لنفسه عن مساحة تعيدك إلى الحياة، بكلمة أو بصورة أو ذكرى … أنَفتك تعيش في كل منا، نحن أسرتك الصغيرة وأصدقاؤك … انسحبنا بشكل جماعي قبل انطلاق احتفال نقابة العار؛ إذ كيف لنقابة لم تنصف مناضليها أن تكرمهم اليوم؟ وهل تستحق أصلا أن نسميها نقابة وهي تحتفل بالرقص والغناء، في يوم يفترض أن يخصص للحداد على أوضاع الصحفيين الذين يعيشون أوضاعا مزرية في مختلف المنابر الإعلامية؟ صحفيون يعانون من هزالة الأجور، من تدبير لمؤسسات إعلامية تتعمد تقليص الموارد البشرية وجعل رجل الإعلام يتحول إلى ماكينة بفقدانه تدريجيا للآدمية نتيجة لما تفرضه عليه ظروف هذه المهنة. ولا محرك لهذه الماكينة أبي سوى ذلك الحب المزروع في كل صحفي لعمله. لقد احتفوا أبتي بأوضاع اجتماعية للصحفيين يندى لها الجبين، كما قلتُ أبي ما كنت أسميها نقابة، كنت لأسميها بالأحرى ممون أو منظم حفلات، لعل التسمية تليق بمقامها أكثر…

سوء الفهم الكبير أبي جعلني أطلب الإذن لإيقاف تغطية إعلامية من مراكش وجعل أختي الصغرى توقف دراستها وتحضر من فرنسا في اليوم الوطني للإعلام ، وكنا قد صورنا روبورتاجاً كان  يفترض أن يعرض من أجلك للذكرى، أوهمنا خلاله أنه ستعرض فيه شهادات لأسر مجموعة  الإعلاميين الذين خطفتهم الموت من بيننا مثلك تماما… لكن أبي اكتشفت بعد مرور احتفالهم من خلال الزملاء أنه تم حذف ما قلته أثناء التصوير… وقد قلت يا أبي أن تكريم رجل الإعلام يجب أن يكون قيد حياته، وأن لا تنسى نضالات الكبار ولا ينتهي مسارهم الإعلامي مع سن التقاعد الإعلامي الذي نسي نفسه وهمومه من أجل خدمة قضايا الاخرين. وطلبت منهم فتح فضاء يجمع الرواد ليكونوا خير سند للأجيال الصاعدة التي يجب أن تستفيد من خبرة راكموها لسنوات نهوضا بهذا المشهد الإعلامي…

حذف هذا الكلام أبي يعني أني كنت أخبرهم بتخاريف ربما لا تتناسب مع مبادئ نقابة …

طبعا بعد انسحابنا الجماعي أبي من احتفالهم الذي كانوا يودون من خلاله أن يمرروا بحضورنا رسائل عن الاهتمام بالجسم الصحفي ببصيرة أعماها الطمع ومنطق المصالح على حساب جراحنا، شرعوا في الاعتذار الباهت غير المسموع. لأننا بكل بساطة أبي ما كنا لنحضر لولا إصرارهم.  وشخصيا كنت رافضة لذلك كما ذكرت للأمين العام السابق للنقابة… ما كنا لنحضر بعدما أقام أصدقاؤك أربعينيتك في بيتنا… أربعينية كانت خلالها كلماتهم في حقك كافية وتوفيك قدرك. وحرصهم على حسن سيرها أيضا بمنتهى الدقة … غير ذلك تكفينا سيرتك الطيبة وأثرك الجميل لدى كل من عاشرك.

نقدم شكرنا أيضا للمنظمة المغربية لحقوق الانسان على رأسها السيد بوبكر لاركو، على الدرع التكريمي للمنظمة والكلمة التي كان سيقدمها في حقك في ذلك اليوم الإعلامي الملغوم.

تحية لكل الزملاء والزميلات الذين قدموا التعازي في رحليك وتحية لكل من يتقاسم معنا هذا الشعور بالألم بفقدانك … كما نستنكر هذا الاستغلال البشع واللاإنساني لأسرة صحفية في اليوم الوطني للإعلام…

نجلة الإعلامي الفقيد عبد الرحمان فضلي