هل يمكن أن يعود حميد شباط ليمسك قبضته على مدينة فاس من جديد؟ .. لن نكون مبالغين إذا قلنانعم، ذلك ممكن وغير مستبعد لكل من يعرف هذه المدينة جيدا، ويدرك أن لحزب الاستقلال قاعدة انتخابية كبيرة يمكن أن يعيدها إلى جيبه خلال الفترة المقبلة بأساليبه الخاصة، وإن كان من يمكن أن يساعد ويسرع في عودة العمدة السابق فهو حزب العدالة والتنمية نفسه، الذي منحته ساكنة المدينة أغلبية مريحة في انتخابات الرابع من شتنبر الأخيرة لتسيير شؤونها في المقاطعات الست. وأسقطت بذلك أسطورة كان اسمها شباط.

لن نخوض كثيرا في تحليل الأسباب التي دفعت أهل فاس للتصويت بكثافة غير مسبوقة على حزب العدالة والتنمية، لأن الأمر يتعلق بسببين لا غير، أولهما أن الساكنة سئمت من الوضع المزري الذي أوصلها إليه شباط طيلة 12 سنة، والذي لن نبالغ إن قلنا أن أسلوبه في التسيير لم يكن مخلتفا عن أسلوب القذافي (وسنعود في مقال آخر لهذا الموضوع)، وثاني السببين هو أن ساكنة المدينة رأت في العدالة والتنمية بديلا نظيف اليد، يُمكن التعويل عليه والوثوق في مرشحيه من أجل النهوض بالعاصمة العلمية التي تفتقد اليوم جلّ مقومات المدينة الكبيرة.

اليوم ليس من حق حزب العدالة والتنمية أن يفشل في تسيير مدينة فاس، والثقة التي منحها الناخبون لمرشحيه ليس من أجل أن يأخذوا فترة تدريبية (STAGE) في التدبير، وإنما  لينجزوا ما يُلبي انتظارات الساكنة في مجالات عدة في مقدمتها النهوض بالصناعة التلقيدية، الدباغة وصناعة الفخار والصناعات النحاسية، بالإضافة إلى تشجيع الاستثمار بوضع استراتيجية لجلب رؤوس الأموال إلى المدينة، وذلك بالتفكير من الان في تجهيز منطقة صناعية بالمعايير الحديثة، لأن فاس تفتقر إلى حدود اليوم لمنطقة صناعية حقيقية، اللهم إلا إذا تحدثنا عن الأحياء الصناعية مثل عين النقبي أو سيدي ابراهيم أو بنسودة، والتي لم تعد صالحة لأن تكون صناعية لقربها واختلاطها بالسكان وعدم توفرها على البنيات التحتية المساعدة على الاستثمار. وإذا نجح الحزب في توفير فرص شغل لشباب المدينة فلن يزيده ذلك إلا شعبية، ناهيك عن ما يترتب عن ذلك في انخفاض معدل الجريمة التي تلطخت بها صورة فاس.

من حسن حظ أهل فاس أن لديهم الآن عمدة مثل الأستاذ ادريس الأزمي، الذي أثبت كفاءة كبيرة خلال اشتغاله وزيرا مكلفا بالميزانية في حكومة عبد الإله بن كيران، كما أن الذين يعرفونه أو اشتغلوا معه عن قرب يشهدون له بالالتزام والدقة والنفس الطويل في العمل لساعات عدة، لكن الأزمي لا يمكنه أن يشتغل أو ينجز شيئا لوحده، مهما كانت قدراته وتضحياته، إذا لم يجد بجانبه رجالا همهم الأول والأخير الحرص على تقديم الغالي والنفيس من أجل القيام بالمهمة التي انتخبهم الناس من أجلها، وذلك لن يتأتى إلا إذا تُركت الخلافات الشخصية والداخلية جانبا، والتنافس بين المستشارين ورؤساء المقاطعات على تقديم أفضل الخدمات، عوض التنافس على المناصب والكراسي الزائلة، والاصطفاف حول مشروع النهوض بالمدينة.

المؤشرات والأخبار القادمة من كواليس بعض  مجالس المقاطعات في مدينة فاس لا تبشر بخير، وتعطي الانطباع بأن فاس مقبلة على مرحلة جديدة من التدهور، خاصة في ظل وجود نسبة لا بأس بها من المستشارين الذين يفتقدون لأبسط الشروط التي يجب أن تتوفر في رجل السياسة الذي يُسير شؤون العباد، وهذا يضع حزب العدالة والتنمية على المحك كي لا تضيع الفرصة على مدينة فاس، التي تبقى في جميع الأحوال أكبر من أي حزب. وإذا استمرت السلوكيات المخلة بالعمل السياسي، والخلافات الداخلية وضعف الشعور بالمسؤولية عند مستشاري العدالة والتنمية، واهتمامهم فقط بنشر صورهم على الشبكات الاجتماعيات خلال حضورهم مهرجانات ومؤتمرات أكثر من اهتمامهم بالعمل والقرب من المواطن، فإن الحصيلة يمكن التنبؤ بها من الآن، وفاس لن تتقدم شيئا، والناخبون سيعزفون عن التصويت مرة أخرى، وبالتالي سيسهل على شباط العودة مرة أخرى لإحكام قبضته على فاس بشراء الأصوات القابلة للبيع، ولن يتحمل المسؤولية حينها إلا حزب العدالة والتنمية الذي ضيع الفرصة.

سيناريو لا نتمناه .. فمدينة فاس لا تستحق مزيدا من سنوات الضياع