مسألة اختطاف بن بركة تطفو دائما إلى سطح الأحداث كلما اقتربت ذكرى تغييب هذا القائد السياسي الفذ الذي أثار الكثير من الجدل في الوسط المغربي والذي لا ينازع أحد حول دوره المركزي في خلق و التأثير على مجريات الحدث السياسي في بدايات الاستقلال الشكلي . لكن هذه المرة تأتى أهمية الاحتفاء بالذكرى كمحطة سياسية استجمعت شمل أطراف مهمة من اليسار التقليدي الذي تخلى عن إطاراته الحزبية بعد غرق معظمها في وحل الفساد الانتخابي و تبذير ما تبقي لها من رصيد بعد الفشل الذريع لحكومات التناوب . كذلك ينطرح هذا المأتم بالنسبة للمخزن كواجب تأبين أحد رموز المعارضة الذي ما تزال أياديه ملطخة بخيوط الدم و الغموض التي شبكت ملف التصفية و بالتالي مناسبة مثلى لطيه إلى غير رجعة بترتيب التوافقات و التنازلات مع من تبقى من شركاء و ورثة شرعيين الذين تقاسموا يوما درب النضال الحزبي وحلم الوطن الاشتراكي مع بن بركة !.

من مكر التاريخ و مكائده الغريبة ان يشيع الجلاد جثمان ضحيته، وبالبيت المغربي ان يظل بن بركة مختطفا إلى أبد الآبدين ، لأن هناك أطراف متعددة لها مصلحة تاريخية وآنية في أن يظل مصيره مجهولا و أن تقرأ عليه الفاتحة على عجل من دون شاهد على قبره لأنه في هذه النازلة بالذات إذا عرف السبب سوف لن يبطل العجب !.على ما يبدو هي لحظة التسويات الكبرى في خلفياتها المساومة والضئيلة في حجم نتائجها القضائية المجانبة للحقيقة بين إخوة اليوم وأعداء الأمس، تسوية داخلية للناجين بجلودهم من رموز و مناضلي اليسار التقليدي والبحث في نفس الآن عن إمكانيات مستقبلية للاشتغال السياسي بحنين ونوستالجيا الأحزاب العتيدة التي كانته في الماضي على أمل أن تعود إلى أضواء الحكم ثم ممارسة اللعبة السياسية التقليدية في غلافها المخزني المنقح : المسلسل الديمقراطي والإجماع الوطني ولكن هذه المرة في ثوب سياسي جديد من أجل قلب الطاولة على العهد الجديد الذي يهيمن عليه الخصم الإسلاموي في شخص العدالة والتنمية. كذلك هي لحظة تسوية خارجية مع المخزن بممارسة الوساطة من أجل إقبار هذا الملف القنبلة نظرا لما استتبعته في مستهل هذه السنة الأخيرة من تداعيات خارجية مصدرها القضاء الفرنسي وأطراف مدنية أمسكت بتلابيب الجريمة و بحبكتها النهائية و لما سيشكله بعدئذ من إزعاج وإرباك شديدين للمخزن المغربي داخل الأوساط الحقوقية الدولية !.