يعتبر قطاع التعليم في البلدان التي تحترم نفسها وشعبها أكبر وأهم القطاعات حساسية في برامجها الاستراتيجية وخططها المستقبلية التي تسطرها الحكومات من أجل للنهوض بالبلد وتحقيق التقدم وكسب رهان المجتمع والدولة الحديثة. ولهذا مثلا لما سئل رئيس وزراء اليابان يوما عن حقيقة وصفة التطور العلمي والتكنولوجي الذي تحقق في بلده، كان جوابه هو: “نحن بدأنا من حيث ما انتهى الآخرون، وتعلمنا من أخطائهم، وأعطينا المُـعلم راتب وزير، وحصـانة دبلوماسي، وإجلال إمبراطور”.

أما في البلدان المتخلفة والتي لا تحترم حكوماتها شعوبها فهذه المعادلة مقلوبة على رأسها. فهذا القطاع الحيوي فيها يوجد في مؤخرة لائحة اهتمامات الحكومات والمسؤولين. لهذا لا تعطيه الأهمية التي يستحق، بل وتجد على رأسه أحيانا مسؤولين يعملون لتحقيق أهداف غير التي تصب في مصلحة مستقبل البلد والشعب فيعملون لهدم قيم وتخريب أجيال بخطط “جهنمية”، تبدو في ظاهرها إصلاحية وفي عمقها لا تصب في مصلحة الوطن بالإطلاق.

حكاية قطاع التعليم بالمغرب، والذي يصطلح عليه زورا بقطاع التربية والتكوين، غريبة وملفتة. فالمغرب يعتبر البلد الوحيد الذي يسير فيه هذا القطاع الحساس للغاية بثلاثة رؤوس، أو قل، تحت وصاية ثلاث مؤسسات. هناك رأس يقوده وزير التربية الوطنية، وآخر يقوده وزير التعليم العالي، وثالث غير واضح وغريب التموقع والمهام والأهداف، يمثله المجلس الأعلى للتربية والتكوين. لا يتسع المجال هنا للتفصيل في هذه النقطة، بقدر ما يسعى هذا المقال للوقوف مليا عند معالم المسار والمخطط الذي يسعى وزير التربية الوطنية المغربي الحالي رشيد بلمختار لقيادة المدرسة المغربية وفقه.

فإلى أين يقود بلمختار التعليم في المغرب؟ ثم هل يصب ذلك في مصلحة الوطن ومستقبل المغرب أم يهدمه؟

رؤية الوزير، ذو التكوين والوجهة الفرنكفونية حتى النخاع، وفوقه الحكومة بالطبع لإصلاح المدرسة المغربية غير واضحة المعالم

ما هي الخطوط العريضة لرؤية الوزير ومضمون هذه المهمة التي يعمل لتنفيذها قبل نزوله المرتقب من سفينة الحكومة في انتخابات العام المقبل؟

أولا: على مستوى التشخيص، هناك مشكل عويص لدى فئة واسعة من الأساتذة لأنهم لا يتقنون اللغة الأجنبية الأولى المعتمدة في المغرب (الفرنسية)، حسب تعبير الوزير. وفيما يخص التلاميذ، فمستواهم لا يبعث على الارتياح، دائما حسب قول بلمختار في حوارات متفرقة لصحف وطنية. أما ما يتعلق بالدولة، فالوزير الذي قضى قرابة سنتين على رأس الوزارة ما يزال يتحدث عن وجود رغبة لدى الحكومة للنهوض بالمدرسة المغربية لكن ضعف الإمكانيات المادية، حسبه، جعلت هذه الرغبة تصطدم بعقبات كبيرة يصعب تجاوزها في الوقت والسياق الاقتصادي الوطني الحالي.

هذا باختصار ملخص للرؤية المستقبلية لوزير يشرف على قطاع حساس في بلد لم يستطع بعد تحديد وجهة الإصلاح الذي يريده نهائيا. وهي خطوط شبيهة لرؤية الحكومة لإصلاح عدد من القطاعات، غير واضحة ولا وجهة لها. فهي، أي الحكومة، دائما ما تحمل المواطن المسؤولية وتحمله تبعات الإصلاح المرقع فيما تترك مستقبل البلد رهينة المجهول. ولأن هناك غياب واضح لرؤية عميقة لدى الدولة كلها لنموذج الإنسان المغربي الذي يراد تكوينه، فإنه لا غرابة أن لا يعطى للتربية والتكوين الأهمية التي يستحق.

لم يتحدث السيد الوزير مثلا عن معضلة لغوية اسمها ضعف إتقان اللغة الوطنية الأولى “العربية” المنصوص عليها دستوريا، والتي بالمناسبة يجهلها هو شخصيا ولا يجد حرجا في قول ذلك لقناة دولية معتذرا عن الإدلاء بتصريح معرب. كما لم يتحدث عن فشل الحكومة ووزارته في إقناع الآلاف من الأسر المغربية في الجبال البعيدة بإرسال أبنائها إلى المدرسة بعد، وهناك مناطق بعيدة تشكو غياب هذه المؤسسة الحيوية لمستقبل كل شعب وبلد. أما فشله وفشل الوزراء الذين سبقوه في إقناع المغاربة بجدوى المدرسة العمومية فهو وحده يكفي للاستدلال على أن كل الأسماء التي توالت على رأس هذا القطاع لم تكن أبدا تفكر لمستقبل المغرب ومصالحه. بمعنى آخر: لم تكن تحمل هم بناء مستقبل الوطن، الذي لا يمكن بناءه خارج المدرسة والمعهد والجامعة. والتي أخفقت كلها في تنفيذ ولو جزء يسير من هذه المهمة الجليلة، والذي يؤسف أكثر هو وجود دلائل تؤكد أن منحى الفشل هذا سيتواصل لمدة لن تكون قصيرة.