طفت إلى سطح سماء المغرب في الآونة الأخيرة، تجليات سلوكية غريبة جدا، لا تجسد في شتى تجلياتها المريعة، حقيقة المغرب والمغاربة، هذه الثقافة التي يكرسها معسكري اليمين واليسار، الحداثيين والمحافظين، تكرس صراعا أزليا بين إيديولوجيتين متناقضتين، يعكر صفوة الهدوء العام للبلاد.

ثقافة الرفض للأخر، وخصوصا الأجنبي منه، تحت ذرائع دينية أو أخلاقية أو اجتماعية، لا يجسد في الغالب مبررا مقنعا لرفض الأخر، وان كان ذلك، يجسد اختلافا أو خلافا، فالرفض أسوء درجات الانسداد الفكري والتقوقع على الذات الواحدة، في تناقض صريح مع لغة العصر، التي ابرز سماتها الانفتاح كأساس لبناء امة قوية، هل نحن اضعف من أن نقاوم رياح الخارج التي لا تلاءمنا؟، أم أننا اضعف من أن نحفظ قيمنا الحقيقية أمام إغراءات الخارج ؟

في الشهور القليلة الماضية، استرعت اهتمامي ظواهر غريبة في السلوك المغربي، والاسوء أن هذا السلوك، شكل مادة دسمة لبعض المنابر الإعلامية، التي تفننت في تشويه بلادنا، والسيء ذكره تفاخر البعض بذلك، وكأنما انجازات تاريخية، تستحق المفاخرة والتبجح.

واقعة اعتذار داعية خليجي عن إلقاء، احد محاضراته بالمغرب، نتيجة للأصوات قيل عنها، أنها تفرض الداعية، نتيجة لمواقفه اتجاه المرأة، معللة ذلك بشريط فيديو، تناقله نشطاء على المواقع التواصل، ونفسه رئيس الحكومة المغربية، صرح في حوار تلغزي سابق، انه تدخل للإلغاء تلك الزيارة المرتقبة، وكان لمعسكر الرفض، أن تحققت مساعيه، ولم يأتي الداعية.

هذا إرهاب من نوع جديد، ومصادرة علنية لمفهوم الدولة المدنية، بقيمها الإنسانية السامية، فوق كل الاعتبارات، التي يتخذها البعض مبررا قويا لمنع أي كان من دخول المغرب

الواقعة الثانية، جسدها محاضر فلسطيني عزمي بشارة، الذي كان مرتقبا، أن يلقي إحدى محاضراته بجامعة مغربية بالجنوب، غير أن أصوات جديدة، تعالت إلى الفوق، واتهمته بأفكار معادية للامازيغ أي السكان الأولون للمغرب وشمال إفريقيا، وكان أن ألغى محاضرته، وأطلقت جماعات الرفض تلك، التي تخندقت في خندق قومية امازيغية، أطلقت أهازيج الفرح، وزغاريد النصر المبين.

اليوم تتعالى أصوات، جديدة، تجاهر برفضها، للإقامة حفل لفنانة لبنانية هيفاء وهبي بالمغرب، بحجة المجاهرة بالفاحشة والتبرج، ورغم أن الفنانة موضوع الجدال، ستحيي حفلا خاصا، في احد النوادي الخاصة بمنتجع عين الذئاب بالبيضاء المغربية، وحتى ابرز وجوه السلفية شو، كشروا توعدوا وأفتوا، ولازلنا، لا ندري نهاية الحكاية.

فلسفة الرفض هذه، التي لا علاقة لها  بغاستون باشلار، ومؤلفه، تنمو تدريجيا بين أحشاء الثقافة والمجتمع المغربيان، إلى أن تؤدي بنا، إلى مقولة الفيلسوفة جوليا كريستيفا الأخر تهديد الأنا، الأنا المتضخمة عند بعض أفراد هذا المجتمع مع كامل الأسف.

ألا يدري هؤلاء، إننا نتجه إلى نتيجة واحدة في الأخير، إننا بصدد عزل بلادنا عن باقي الأرجاء، لا من وجهة نظر دينية، هناك من يبرر رفض الثقافات الأخرى، ونبذ الأخر، والاسوء هم دعاة الحداثة، الذين يصبحوا عندها، ويبتون عند غيرها، الإيمان الحقيقي بحرية التعبير، يشترط أساسا بتقبل الأفكار التي لا تعجبنا، ولنا الحرية في رفضها من الاقتناع بها.

هذا إرهاب من نوع جديد، ومصادرة علنية لمفهوم الدولة المدنية، بقيمها الإنسانية السامية، فوق كل الاعتبارات، التي يتخذها البعض مبررا قويا لمنع أي كان من دخول المغرب، أخشى أن تتطور الأمور لما هو أسوء، وتمسي وجهات النظر للمتخلفين في شتى المعسكرين المحافظ والحداثي، أعرافا في طور بناء سلوك جديد، لا يمت بصلة لتاريخ هذه البلاد، التي جسدت عبر التاريخ استثناء حقيقيا لمفهوم التعايش في أرقى تجلياته.

المناعة الحقيقية، التي يجب الحفاظ عليها لمقاومة أهواء بعض المتربصين بالإرث المغربي الخالد في هذا الشق، هي مناعة التصدي لكل أشكال العنف السلوكي واللفظي، والاسوء صدقا، أن ما من رفض جاء عفويا، وإنما جميعها أملتها خلفيات إيديولوجية، وهل معظم الشعب مؤدلج إن صح التعبير، حتى نقول عنها مواقف جماعية، يشترك فيها الجميع، طبعا لا، وهذا وحده دفعني لكتابة هذه السطور.