لقد سبق لجريدة هسبريس أن نشرت مقال رأي حمل عنوان : العدو الجزائري!. تصفحت المقال المذكور، فإذا به للزميل والصديق نور الدين اليزيد الصحفي والباحث في العلوم السياسية ، اتصلت به للقائه ومناقشته كالعادة ، لكن تعذر علي ذلك لأسباب خاصة ، وهذا ما جعلني أفكر في أن أكتب مقالا موجزا يكون بمثابة رد وتفاعل اخترت له العنوان أعلاه .

يذهب الزميل في مقاربته إلى اعتبار أن دولة الجزائر “عدو، فرضه التاريخ والجغرافيا على المغرب”، والسبب طبعا هو قضية الوحدة الترابية ، ودعمها لجبهة  للبوليساريو الانفصالية .

 ويستطرد بالقول إن “النظام الجزائري نظام مريض، معتل إلى درجة الموت السريري، وإن التوجه الذي يسير فيه المغرب هو الذي يقلق الجزائر”، إضافة إلى “تعاطي النظامين السياسيين (المغربي والجزائري) مع ارتدادات الربيع العربي، و”مسألة دعم الحركات التحررية “، ونقاط أخرى تصب في نفس الاتجاه …

إن المتأمل للمفاهيم والمصطلحات التي تضمنها المقال، يظهر له بجلاء أن كاتبه يخلط بين مفهومين مركزيين في حقل علم السياسة وهما : “النظام” و”الدولة”، سواء كان ذلك بغير قصد ناتج عن غياب معرفة سياسية لدلالات وحمولات المفهومين وهذا غير مرجح، أو عن قصد لهدف ينشده الكاتب.

 يتماهى صديقنا كثيرا مع توجهات الركب الذي ينتقد الجزائر، ويصورها كبعبع يخاف منه الجميع، لا لشيء سوى لتضليل الرأي العام، وتمرير نوع من الديماغوجية لإبعاد المتلقي عن إدراك حقيقي لجوهر الإشكال، والمساهمة في البحث عن وجود حل له.

والحال أن هناك اختلاف في تعاطي النظامين السياسيين في كل من المغرب والجزائر مع هزات وارتدادات الربيع العربي وهذا ما يجب التأكيد عليه قبل كل شيء. صحيح أن المغرب تعاطى بشكل إيجابي مع الحدث بإطلاقه مشروع الإصلاح الدستوري، الذي  اعتبره البعض إنجازا  غير مسبوق ، لكن أيضا هناك اتجاهات سياسية وحقوقية تعتبره غير كاف، وأكثر من ذلك عندما تنظر له كنوع من الالتفاف على المطالب الشعبية التي أعلنتها  حركة 20 فبراير.

 أما القول إن الجزائر لم تتفاعل مع الحراك، فالمسألة ليست بالبسيطة كما يصورها كاتب المقال، ويحصرها في طبيعة النظام السياسي الجزائري (عسكري –  ديكتاتوري)  – رغم تصويره له سابقا بنفس الآلة  على أنه نظام ضعيف وميت سريريا….وهذا تناقض !! – هي التي منعت الجزائريين من الاحتجاج، أو هي التي تفسر ضعف الحركة الاجتماعية الجزائرية، وهذا في الواقع ليس بالبسيط وإنما تبسيط واضح للمسألة التي تجمع كما هو معلوم بين ما هو سوسيولوجي وبسيكولوجي، يمكن ملاحظتها في  الآثار  التي خلفتها الأحداث الدامية التي عاشها الشعب الجزائري في فترة التسعينات .

أما مسالة تصعيد المغرب من لهجته اتجاه الجزائر، بعد أن تبنى قضية استقلال منطقة “القبايل” عن التراب الجزائري، كمناورة سياسية، ودفاع كاتب المقال عنها، فاعتقد أنها لا تعدو سوى أن تكون مواكبة ومسايرة للموقف الرسمي  المعلن وهو ما لا يخدم مصالح البلدين في نظرنا ، بل يمكن أن يثير نزاعات انفصالية أخرى، والكل يعلم الأثر الذي تخلفه الصراعات العرقية على المجتمعات والأنظمة السياسية. هذه السياسية تزيد من إضعاف احتمال إيجاد أي أمل مستقبلي للملمة لحمة المغرب الكبير في زمن يغلب عليه طابع التكتلات .

 لا أحد يمكنه إنكار أن النظام السياسي الجزائري يساند جبهة البوليساريو، ويحاول تقويض الجهود المغربية لحل مشكل الصحراء المغربية، كما لا يمكن إنكار أيضا التوجه الجديد الذي أصبح ينهجه المغرب اتجاه الجزائر، خاصة بعد إثارة قضية القبايل، لكن واقع هذا الصراع ليس بالشكل الذي ينسجه الإعلامين الرسميين المغربي والجزائري، وتغذيه بعض الأقلام، لتعطيه حجما أكبر، لا لشيئ سوى لدغدغة العواطف، واللعب على وترها، وخدمة اجندات رسمية، فيكفي مثلا أن تتصفح بعض الجرائد، أو بعض المواقع الإلكترونية، بعد أي احتكاك يقع بين البلدين، ولو كان بسيطا جدا، ستلمس  نوعا من التضخيم الاعلامي، بالمقارنة مع حجم ما الحدث، ويكفي أن تسأل مواطنا عاديا يستهلك الاعلام الرسمي (من كلا البلدين) عن المشكل بين المغرب والجزائر ، أكيد ستتضح الرؤية، وسيتضح معها  وقع الاعلام  والديماغوجية