منذ أقل من شهر من الان إنتهت الزيارة الملكية لمدينة العيون، حيث خلذ الملك محمد السادس  بالحاضرة الصحراوية ذكرى المسيرة الخضراء الأربعين، ولرمزية الحدث والزيارة أعلن الملك عن إنطلاق مشاريع تنمية للصحراء بغلاف مالي يصل لسبعين مليار درهم ، هناك من يهمس بالقول بأن هذا الإعتماد المالي والرصيد الضخم لايوجد في خزائن المملكة التي تعاني أصلا من الخصاص والعجز ، فالدولة مرهونة بالإقتراض من الخارج والداخل لتسديد ما عليها من مستحقات وواجبات.

إرتحل الملك سريعا من العيون صوب فرنسا لأزمة صحية ، ولما تنتهي بعد برامج التدشينات المخصصة في أجندة زيارته ، وبقي كل شيء معلقا في إنتظار عودته ، وبقيت معه أمال وإنتظارات الساكنة بالصحراء لتنمية منشودة لم تتحقق بعد ، أو لما تتضح معالمها الحقيقية تنمية منشودة هدفها البشر وليس الحجر والإسمنت ، فلسان الكثيرين هنا لا تهمه الشوارع ولا الحدائق أو حتى الزخارف والمداخل المهيبة للمدن والنافورات العجيبة التي تتطاير منها المياه ، طوال الوقت في حين يعز عليك أن تلقاها حين تفتح الصنابير حتى في فصل الشتاء.

تنمية الحجر والاسمنت وإن كانت تضفي الرونق والهندسة المعمارية والفنية على المدن والأحياء ، فهي في الغالب لن تكون شيئا جذابا أو مميزا ، في نظر من لا عين له ولا بصر ، فكيف يمكن أن تلحظ بعينيك وأنت تعاني رمدا شديدا بهما ؟؟

أولا تستطيع فتحهما أصلا : الناس تدور فضة ومعيشة وشغلة ومشغلة وماهي سايبة تشوف النافورات ولا تكعد فالساحات …

فالصحراويون قد ملوا  على مايبدوا الجلوس والأنتظار وهم في حاجة ماسة إلى ما يتعيشون به ، ويقيهم الطلبة والحاجة ويسد الفاقة ، تجد أسرا وعوائل كثيرة لا معيل لها سوى رب الأسرة وبقية البيت كلهم بلا مشغلة ومعظمهم يتوفرون على دبلومات وشواهد عليا ، تحصلوا عليها بجهدهم وتضحيات عائلاتهم قبل ان يجدوا انفسهم في حضن البطالة القاتلة ، ومرمى وهدف للقوات العمومية ، تخضب دماؤهم الشوارع والازقة بفعل الضرب والسحل والجر ، قد تقطعت ثيابهم ونعالهم بسبب الجري والمطاردات بالأزقة وحتى المستشفيات !

وعلى هامش الزيارة الملكية الأخيرة للعيون ، أعلن المكتب الشريف للفوسفاط عن توفيره ل 1270 منصب شغل مخصصة لأبناء جهة العيون ، فاستبشر المعطلون خيرا بهذا النبأ  ، قبل أن تفاجئهم بوابة فوسبوكراع الاليكترونية المشؤومة التي زفت الخبر لكل معطل بالصحراء : نحن لا نريدكم فأنتم لا تحسنون الشغل ، لن تنالوا نصيبا من الفوسفاط أيها الصحراويون إلا النصيب المخصص منه لدعم بناء الساحات والنافورات والورود الجميلة !  إستمتعوا بالطبيعة والراحة قليلا ، فلا تنمية سوى للحجر والإسمنت ، ثم ألم يشهد شاهد من اهلها على هذا الكلام : الصحراويون لا يحسنون صنع شيئ ولا يعملون البتة ولا  لهم كفاءة / ماء العينين مدير فوسبوكراع العيون.

إن المتأمل لما جرى طوال هذه الأيام من التصعيد الذي أعلنته حركة المعطلين بمدينة العيون والمدن الصحراوية الاخرى لسوف يستشعر الخطر القادم لا محالة ، فالغليان والإحتقان الأجتماعي  ، لا بد من معالجته بسرعة ، وعليه فإن بوادر إحتجاجات عنيفة تلوح في الأفق ، وأن حراكا إجتماعيا متزايدا قد يؤدي لكارثة لا قدر الله تعادل مخيم أكديم إزيك ، إذا لم يتفطن المسؤولون ويسارعوا إلى إيجاد حلول مناسبة في الوقت المناسب ، وحتى تكون الحلول ناجعة لابد من إعادة النظر في صياغة العقلية الأمنية ، والحد من التدخل العنيف الذي تمارسه القوات العمومية في حق المعطلين وذويهم والمتعاطفين معهم ، وفي حق كذلك باقي المجموعات التي تحتج وتطالب بحقوقها الاقتصادية والإجتماعية.

إن التحول السريع للمجتمع البدوي الصحراوي من البادية نحو الحواضر بعد سنة 1975 تحديدا قد فرض نمطا جديدا للعيش ، وجهه هو الإستقرار وما يجره من تكاليف ومسؤوليات جديدة ، فالفرد بالمدينة ليس هو الفرد في البادية والصحراء ، ففي الأخيرة كان مصدر العيش هو التنقل دوما والترحال صوب مناطق الرعي والكلأ للماشية ، وهو وسط جعل الصحراء أرضا خصبة طوال قرون ماضية للعلم والتجارة ، ذلك العلم الذي نشرته زوايا الصحراء وشيوخها المجاهدة ، واعلامها البارزة ، كما لعبت هذه المنطقة كذلك دور الوسيط التجاري بإمتياز للقوافل والطرق التجارية / هذه هي صورة الصحراء التي تحدث عنها الملك محمد السادس ، وهو يشير لكون اهلها معروفون بالتجارة والعلم  في خطابه الأخير ، وهي تختلف كثيرا عن صحراء اليوم التي أصبح نسبة سكانها اليوم أكثر من 98 بالمائة ، ساكنة حضرية تعيش بمدن عصرية وحديثة لها مداخل أنيقة وساحات عصرية ونافورات كثيرة ، لكن إغلب سكانها  يعانون في صمت ويحتاجون إلى ما يصرفونه في معيشتهم وحاجاتهم اليومية ، ولا محيذ لهم عن المطالبة بحقوقهم وهم يرفعون الخبز عاليا بأياديهم بوقفاتهم الإحتجاجية وهم يشتكون ضياعها من لدن نخب صغيرة وفاسدة ،  لا يمنعهم من ذلك مانع ؟؟سوى هروات وعصي الأمن المتربص بهم في كل مسيرة غضب وإحتجاج ، قد تستعمل فيها حتى البارود فيما يبدوا لإسكاتها !