أحيت جماعة العدل والاحسان في بحر الأسبوع الفائت فعاليات السنوية الثالثة لرحيل المؤسس والمرشد عبد السلام ياسين. وقد شكل التخليد في واجهته الخارجية مادة خبرية و ثقافية خصبة, حرصت الجماعة على استثمارها و التعبئة لها على الوجه الأكمل .وهو سعي تواصلي أوجبه – من جهة – وضع الحصار الاعلامي المضروب ,وكذا رمزية الفقيد وثقله الروحي و التدافعي الذي يبرز في ترميزه “اماما مجددا” حسب ما هو متداول في الخطاب الاعلامي للجماعة. في هذا السياق سطر القائمون على المناسبة جدولا احتفائيا يراعي الواجهات المتعددة من شخصية الرجل دون أن تخلو الفرصة التواصلية من التصريح و التشفير لمن يهمه الأمر. و من ذلك , وبعد جولة استقصاء حول المواقف و الصور و التصريحات يرشح ما يلي:

1- لا تزال الجماعة بمجموعها على عهد الوفاء للمرشد; شخصا وتصورا و منهاج عمل و رصيدا روحيا لا تسرب فيه. وهي بذلك مندرجة بوعي و يقين في دائرة مشروع “المنهاج النبوي” ومفاهيمه و استشرافاته المستقبلية و مرجعياته التاريخية. ماضية في خط الدعوة العميقة للدين “كاملا منزها عن رواسب التقليد و الانقياد”. و مشهرة موقف الرفض والممانعة للاستبداد كما سبق لذلك الإمام.

2- سلمية التدافع –في تصور الجماعة- شرط مانع لما سواه ,و ضامن لعافية الذمم الموجبة للتعدد و التشارك . بل ان تصريح الأمين العام محمد عبادي حمل مفهوما غير مسبوق في مجال التدافع السياسي .فضلا عن دلالته الأكثر شمولا و عمقا بحيث يشترط السلمية كمرجع في التخاطب السياسي أولا حتى يبلغ في تعاليه منزلة “الخطاب الاحساني” النابع من أخوة الوطن .

شكل الحضور االلافت و الايجابي لأسماء سياسية من أقصى اليسار انتصارا سياسيا بل وأخلاقيا للتنظيم الذي ينتصر على جراح الأمس و يمد اليد المفتوحة لغرماء الأمس ,مستشرفا مستقبل العمل المشترك و مخلفا ماضي المواجهة العنيف بين الفريقين.

3- الجماعة ماضية في تجسيد صورة التنظيم الدعوي السياسي الأكثر استقرارا و وحدوية  وتراضيا في ظل مناخ سياسي بلغت فيه البلقنة الحزبية أشد حالاتها فتكا بالهيئات و التنظيمات الوليدة و العريقة دون تمييز. وهي حريصة على ابراز هذا المعطى الفريد و استثماره مؤشرا دالا على العافية المؤسساتية.

4- أضحى المنجز الفكري لصاحب الذكرى – رغم الحجب المعتمة للسلطة – مادة بحثية عالمية ,استطاعت بفرادتها تخطي الحدود و ومناكفة نظيراتها من الطروح الفكرية و الحركية الاسلامية .وما زخم الأسماء المهتمة والأبحاث المنشورة في الموضوع –في تقدير الجماعة-الا مؤشر دال على ذلك.

5- استطاعت الجماعة بفضل الفعاليات الموازية للذكرى كسر صورة التنظيم المعزول عن محيطه التدافعي السياسي و الفكري من خلال حرصها على استقدام أسماء ذات ثقل اعلامي و رمزي داخل النسق السياسي المغربي و الاسلامي على وجه أوسع. و هي بذلك تسوق ذاتها محل ثقة و قبول واسع يهيئ الأساس لتنزيل مشروعها القديم المتجدد (مشروع الميثاق) و خلق رأي عام سياسي ينتصر لحتمية الجبهة الوطنية الجامعة ,كما تتصورها الجماعة.

6- شكل الحضور االلافت و الايجابي لأسماء سياسية من أقصى اليسار انتصارا سياسيا بل وأخلاقيا للتنظيم الذي ينتصر على جراح الأمس و يمد اليد المفتوحة لغرماء الأمس ,مستشرفا مستقبل العمل المشترك و مخلفا ماضي المواجهة العنيف بين الفريقين.

7- لم يعد الحصار الاشعاعي من جانب السلطة معطى ذا أثر تثبيطي , عمليا على الأقل, فقد أمكن الجماعة أن تخترق سقوف المنع و التعتيم ,و تقدم للمتتبع مادة ثقافية  تواصلية و اعلامية على قدر معتبر من الاحترافية و الدسم; بحيث يدين ذلك الحصار و لا يقف عند مجرد التباكي على أسلاكه.

هذه رشاحة التصريحات و التلميحات المسجلة على امتداد فعاليات السنوية الثالثة لأحد أكثر التنظيمات السياسية و المدنية اثارة للتساؤل و البحث. وهي رسائل أعد لها على مهل و تبصر دون شك. فهل نترقب لها أصداء راجعة ؟