الوقت ضحى. الشمس بدأت تنفض عنها بقايا النعاس لتعانق الغابة. غادر الأسد عرينه الموحش في رحلة صيد. كعادته، كان يحب أن يمشي بخطوات متزنة و متوازنة و عينه ترصد كل حركة تصدر من الوحيش. غير بعيد، تراءى إلى مسامعه صوت نحيب قادم من الأحراش. هرول مسرعا إلى المكان حتى أتى إلى غزالة مكسورة مجروحة بالكاد تتنفس، و تحيط بها عصبة من الذئاب الضارية. زأر من خلفهم غاضبا فانفضوا من حولها هاربين. رق لحالها فحملها على عجل بين ذراعه كجثة هامدة ثم أسرع بها إلى العرين. هناك أعد لها متكأ دافئا ثم صار يقلبها ذات اليمين و ذات الشمال. فوجد بطنها فارغة لم تأكل شيئا منذ زمن بعيد، و آثار مخالب على ظهرها تعود ربما إلى الذئاب الذين اعترضوا طريقها.

نسي جوعه أو بالأحرى أخذته حالتها. قصد الوادي  فجلب لها تفاحة و برتقالة و ماء عذبا. أطعمها بكلتا يديه و عيناها ترنو إلى طلعته خيفة و إعجابا. فلما تيقنت من طيبوبته أحبته، فأحبها. ذاك الصباح، قفزت على ظهره لكي تتمسح بعضلاته فاستهواها اللعب. فجأة انفجرت باكية على صدره في مشهد أثار استغرابه فسألها:

–         ما بال غزالتي المشاكسة تبكي؟

–         أنت أسدي الأول و الأخير. و إني أغار عليك من زينتك.

–          الغيرة ملح الحب يا غزالتي. فإن زاد المقدار عن الحد فَسُد المذاق.

–         نعم يا أسدي. الحقيقة أني أخاف عليك من لبؤات الغابة. فهلا قصصتُ لبدتك و وعدتني ألا تبرح العرين إلا لضرورة.

–         أمنياتك أوامر يا غزالتي.

في اليوم الموالي، ظهر الأسد في هيئة مدعاة للسخرية. كان قاصدا الوادي لجلب الورود و حبات الفراولة التي نضجت و صارت قلوبا حمراء. دخل عليها في العرين فوجدها نائمة. فلما أيقظها برفق شديد، ابتسمت ثم ارتمت عليه بشوق قاهر. تعانقا بشدة فأخذهما الحب، بل فن الحب. تدحرجا على الأرض ملتصقين بقهقهات مزقت صمت العرين. على حين غرة، دفعته بعنف بحذافرها ثم إنتصبت مزمجرة قائلة: “أنت لست غزالا. أنت أسد مفترس. أنت حيوان متوحش”. ثم فرت هاربة أمام عينيه التي انفجرت نحيبا.