إلى السيد رئيس الحكومة وتصريحه حول الإضراب والذي قال فيه: “الإضراب كان فرصة “للعيالات” باش يصبنو و الرجال باش يمشو للقهوة.”

  لن أناقشكم سيدي في مستوى الأسلوب الذي يحمل الكثير من التحقير والاستهانة، ليس بمطالبنا فقط ولكن بمدى إيماننا بهذه المطالب. و لن أنزل سيدي إلى نفس مستوى التحقير الذي حملته كلمتكم، فمهنتي كمعلمة تجعلني أكثر حرصا على الأخلاق و أدب الحوار. نحن الذين نربي الأجيال قبل أن نعلمها.

  سيدي فيما يخص قولكم أننا نمضي يوم الإضراب في “التصبين” فإن كنت تعتبر قضاء “العيالات” يومهن في التصبين مسبة تخجلنا فإني أبلغكم أن الأمر لا يعيبنا و لا يضيرنا. نحن  “العيالات” نشتغل خارج البيت و حين تتاح لنا الفرصة لقضاء يوم في البيت نمضيه في التصبين و التنظيف لنجعل بيوتنا أجمل و نوفر أجواء أكثر نظافة و راحة لأسرنا. وهذا عمل إن بخسته آنت فإن الله لن يبخسه. و هذا العمل الذي نقوم به نحن معشر “العيالات” هو الذي يظهركم بهذا المظهر الأنيق النظيف في مؤتمراتكم و اجتماعاتكم. اللهم إذا كانت ملابسكم غير قابلة لإعادة الاستعمال مرتين و بالتالي لا تحتاج للتصبين. لكننا وكما تعلم نحن معشر الموظفين البسطاء، وبسبب الأجور الضعيفة التي نتقاضاها وبسبب اقتطاعاتكم وارتفاع الأسعار و أقساط السكن و غلاء المعيشة و غيرها. فإننا نعيد ارتداء ملابسنا إلى أن تبلى من كثرة التصبين.

 هذا فيما يخص شكل تصريحك الذي أردته مسبة لنا.

 أما إذا كنت تريد أن تعرف أين تقضي معلمة مثلي يوم الإضراب؟ فسأخبركم أين قضيته و أين قضاه الكثير من الزملاء الذين أعرفهم رجالا و”عيالات”. لقد قضيت يوم الإضراب أتسلق الجبال. مهلا ليست هواية فأمثالنا لا يملكون ترف ممارسة الهوايات. لقد قضيته بحثا عن مكان أجد فيه تغطية لشبكة الهاتف لأتصل بعائلتي لأطمئنها على أحوالي بعدما قضيت أكثر من عشرة أيام مقطوعة عن العالم بدون تغطية هاتفية وبدون  تلفاز و أحيانا كثيرة بدون كهرباء أيضا. وقضيت يومي أيضا أراقب الطريق المقطوعة لعل أحد المسؤولين يتذكر أننا أيضا أبناء هذا الوطن و يرسل جرافة لإزالة الثلوج  و فك العزلة عنا، حتى نتمكن من إحضار ما  يلزمنا من حاجياتنا البسيطة و الأساسية المتمثلة في المأكل لو كنت تعلم. فمسلسل “الهيليكوبتيرات” و المساعدات التي تنزل من السماء و الذي تبته قنواتكم لم يقرر تصوير إحدى حلقاته هنا في جبال الأطلس إذا كنت تعرفها. و إذا كان أمر التصبين يشغلك كثيرا فإني و للأسف لم أقم بالتصبين و كنت لأفعل فالأمر لا يعيبني   ولكن أصابعي كانت متجمدة من البرد حيث و صلت درجة الحرارة بعد تساقط الثلوج إلى سبع درجات تحت الصفر. في مكان غير مجهز لمواجهة هذه الظروف الطبيعية. حيث المساكن بدائية بشكل لا يمكن لسيادتكم تخيله، و بما أننا جزء من هذا الشعب فإننا نشاركهم مساكنهم هاته كما نشاركهم معاناتهم.

قضيت يوم الإضراب أتسلق الجبال. مهلا ليست هواية فأمثالنا لا يملكون ترف ممارسة الهوايات. لقد قضيته بحثا عن مكان أجد فيه تغطية لشبكة الهاتف لأتصل بعائلتي لأطمئنها على أحوالي بعدما قضيت أكثر من عشرة أيام مقطوعة عن العالم بدون تغطية هاتفية 

 كما أضيف إلى علمكم سيدي أن كل الإضرابات التي نخوضها، نخوضها عن قناعة و ليس تهربا من واجبنا. ونقوم في أول يوم أحد بعدها مباشرة بتعويض تلامذتنا بكامل إرادتنا عندما نعلم أنهم يحتاجون ذلك، دون إملاءات أو أوامر من أحد. و إنما حرصا منا على تمتيعهم بحقهم في التعلم بعد أن خذلهم وطنهم في أبسط حقوقهم. نقوم بذلك في أقسام تصلح ثلاجات للموتى لا حجرات لضم أجسام أطفال تحتاج الدفء قبل كل شيء، أقسام  بدون نوافد و بدون تدفئة و بدون كهرباء  و أحيانا بدون أبواب. و ما إن تسقط  قطرات المطر حتى تتحول إلى بركة. نقدم دروسنا و أطرافنا مجمدة لا نستطيع حتى مسك الطباشير و الكتابة على الصبورة. و نصبر أنفسنا و نصبر تلامذتنا الذين يرتجفون من شدة البرد.

 ورغم كل هذا نواصل قيامنا بواجبنا في التربية قبل التعليم. لأنه حيثما وجد إنسان غير محترم أو غير مهذب، فإن ذلك دليل على أن معلما ما لم يقم بواجبه التربوي وإن كان هذا الإنسان يشغل أهم المناصب وتحصل أعلى درجات العلم.   نقوم بذلك ولا نرجو أوسمة ولا ننتظر شكرا منكم. فمنذ ولجنا هذه المهنة نعرف أن لا رقيب لنا في عملنا غير الله و لا مكافئ لجهودنا غيره، سبحانه لا يضيع عنده أجر أحد.

  و أنقل لكم كلمة سيدة أمازيغية بعد أن تمكن أحدهم من الاتصال بعد جهد جهيد، بأحد  المسؤولين بعمالة تحناوت لطلب المساعدة وعندما ذكر له اسم المنطقة أخبره أنها لا تتبع للنفوذ الترابي للعمالة. فقالت السيدة وهي بالكاد تتكلم باللغة العربية: ” الملك ما عارفناش واش كاينين” قالتها بعفوية وابتسامة رضى هم الذين يرون في الملك أبا ينتظرون عطفه وتعليماته لرفع بعض الغبن عنهم. ثم أضافت ” ولكن الله عارفنا” .

أنا أيضا أخبركم: انتم لا تعرفون أين ولا كيف نمضي أيام عملنا ولكن حسبنا أن الله يعرف.