كثيرا ما يستعمل مصطلح الاجماع للدلالة على توافق مختلف الأطياف الفكرية والسياسية في مجتمع معين على قضية معينة، قضية عادة ما تكتسي طابعا مصيرياللدولة والمجتمع، وغالبا ما تشكل نقطة التقاء الأطياف المختلفة في المجتمع، عندها تنسى الخلافات وتهدأ الصراعات وتقدم المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار. 

اجماع يعني شكلا حضور مختلف أطياف ومشارب المجتمع وحساسياته في مختلف مراحل تدبير هذه القضية منذ مرحلة الاقتراح إلى مرحلة تحمل التبعات والمسؤولية.  ويعني الاجماع من الناحية الموضوعية مساهمة أطياف المجتمع كلها بأفكارها وآرائها في تلك القضية، واهتدائها بعد تقليب وجهات النظر وتغليب المصلحة العامة في تلك القضية إلى رأي معين من الآراء المقترحة أو صياغة رأي من تلاقح الآراء المطروحة.

إن نجاح معركة القضية الترابية مرتبط حتما بإجماع حقيقي يضم كل الأطياف الفكرية والسياسية والمجتمعية في الأمة المغربية، اجماع يصنع جبهة داخلية حقيقية تواجهالابتزازات والتلاعبات الدولية والإقليمية بالملف

وتعد قضية الصحراء من القضايا المصيرية ذات العلاقة بعنصر الإقليم الذي يعد مقوما أساسيا من مقومات الوطن المغربي، إضافة إلى قضايا مصيرية أخرى منها ما هو مرتبط بعنصر الشعب مثل العدالة الاجتماعية والحريات والحقوق، ومنها ما هو مرتبطة بعنصر السلطة السياسية مثل الديمقراطية. 

لنسائل الدولة المغربية والنخبة التي تدور في فلكها والتي تلوك هذا المفهوم في قضية الصحراء لسانا ولا تستدعى إليها لا شكلا ولا موضوعا إلا عند الإخفاقات: هل من الأحزاب السياسية والمنظمات والجمعيات والشخصيات الوطنية من يحضر في تدبير ملف الصحراء؟ وهل سيأخذ من بيده الملف بأي مقترح لو قُدم أو فعلا تم تقديمه من خارج دائرة الماسكين بالملف؟ 

الجواب طبعا جاهز وهو أن قضية الصحراء ملف القصر شكلا وموضوعا. فأين الاجماع إذن؟ ولماذا يستحضر هذا الاجماع فقط عند الأزمات والإخفاقات؟ 

وباستدعاء التاريخ في فهم مسألة الاجماع الوطني في قضية الصحراء، لا يخفى على المتتبعين لهذه القضية أن هذا الاجماع فرضته تحديات داخلية مرتبطة بصراع القصر مع المناوئين له من المعارضين خلال فترة ما بعد الاستقلال السياسي للبلاد وكذا تقلبات وانقلابات السبعينات الدموية، أكثر مما فرضته تحديات الخصوم الخارجيين للوحدة الترابية. 

ففي خضم الصراع بين الملك الراحل والمعارضة، وجد رحمه الله في قضية الصحراء نقطة الالتقاء شبه الوحيدة بينه وبين القوى الوطنية التي كانت تنازعه شرعيته،فاستثمر ذلك الاجماع على القضية الترابية ليربط به الاجماع على الملكية، ليتحول بعد ذلك إلى اجماع على انفراد الملكية بالقضية بدعوى أن ترتفع القضية فوق الحسابات السياسية. فأصبحت النخبة في قضية الصحراء منذ ذلك لا تجد إلا الاستجابة لنداءات الماسكين بالملف كلما تأزم موقفهم، مكتفية بتبرير مواقفهم، وأحيانا مدافعة عن أخطائهم.

إن نجاح معركة القضية الترابية مرتبط حتما بإجماع حقيقي يضم كل الأطياف الفكرية والسياسية والمجتمعية في الأمة المغربية، اجماع يصنع جبهة داخلية حقيقية تواجه الابتزازات والتلاعبات الدولية والإقليمية بالملف، فالإخفاقات المتكررة في التدبير الانفرادي بالملف كافية أن توضح عدم صوابية الركون والاعتماد على اللاعبين الدوليين والإقليمين، الذين لا يرون في الملف إلا فرصة لفرض أجندتهم وابتزاز المغرب مقابل مواقف مبهمة  لا تسمن ولا تغني في تعضيد الموقف المغربي. 

 ونجاح الاجماع في قضية الصحراء لن يكون إلا بكسب رهان اجماع أكبر وهو الاجماع على الحكم الديمقراطي، باعتبار الديمقراطية خيارا استراتيجيا لحماية الوطن وكرامة المواطنين.